عائلة الشيخ يعقوب: نرفض طمس الحقيقة في دهاليز التسويف السياسي
نزوح السويداء.. الوجع الصامت
في تلك الليلة التي انهارت فيها منظومة بشار الأسد، ظن السوريون بمختلف مكوناتهم وطوائفهم أن زمن التشرد والنزوح والعنف والقتل قد ولّى، ظنوا أن صفحة بيضاء ستفتح وسيكتب تاريخ يليق بسوريا المناضلة التي قاومت القمع والاستبداد بدماء الأبرياء، بثورة أبت الفشل رغم السلطة الأمنية والعسكرية القمعية، وتمسكت بأمل الانتصار لغد قد يكون أفضل. لكن الحلم أصبح كابوسًا يخنق كل مخالف عن هذه السلطة التي منذ سيطرتها على الحكم ألغت كل الأصوات ورفعت مجددًا شعار “أنا أو لا أحد” والحكم في سوريا لا يكون إلا فرديًا، في مشهد إقصائي يعيد للذاكرة أسلوب نظام البعث.
القمع والعنف
القمع بدأ مع العلويين الذين نُصبت لهم المشانق وقتلوا في وضح النهار أمام مرأى العالم، وحوصرت بلدتهم بتعلة محاربة فلول النظام، لتزهق روح 1700 شخص ذنبهم الوحيد “الهوية”. ولم تتوقف المجزرة في الساحل بل تنقلت بنفس درجة الدموية والعنف إلى الجنوب، هناك تم التنكيل بالدروز، اُغتصبت النساء واختطفن، حُلقت “الشوارب” لكبار السن وتصوير تلك المشاهد اللاإنسانية لاستفزاز أبناء الطائفة. اُقتحمت الديار ليضطر أصحابها إلى تركها هربًا من الموت.
فر أبناء السويداء بحثًا عن مكان آمن نزحوا إثر تلك الأعمال الدامية، ضمن موجة نزوح هي الأكبر من نوعها منذ آخر موجة نزوح وقعت في 2018، حين نزح عشرات الآلاف من المواطنين من ريف دمشق وحمص ودرعا إلى إدلب وحلب.
ويواجه النازحون من السويداء تحديات كبيرة في حياتهم اليومية، حيث يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمياه والمسكن الآمن.
كما أن الظروف الصعبة التي يعيشونها تتفاقم بسبب تردي الخدمات الصحية، مما يزيد من معاناتهم. رغم كل هذه التحديات، يبذل هؤلاء النازحون جهودًا كبيرة للحفاظ على تماسكهم النفسي والاجتماعي، مما يدل على صمودهم وقوتهم في مواجهة الأوضاع الصعبة.
نزوح إجباري
نزوح غير مسبوق خلق أزمة إنسانية كارثية نتيجة الحصار المستمر وعدم توفر المواد الأساسية بالشكل العادي، حيث قالت مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان إن المواد الغذائية التي تدخل المنطقة التي لا تزال تقبع تحت الحصار مصدرها برنامج الغذاء العالمي أو الدروز، سواءً من المغتربين، وفنّد هؤلاء رواية الحكومة الانتقالية التي تدعي إرسال المساعدات للسويداء.
وذكرت مصادرنا أنه نتيجة للنزوح يحرم الطلبة من الدراسة وينتظر هؤلاء انفراج الوضع للهرب من بلد “لم يعد يتسع لهم”.
كانت أزمة السويداء وما خلفته من نزوح وصمة عار حقيقية في وجه الحكومة الانتقالية التي تفننت في التنكيل بهؤلاء لتركيعهم وترهيبهم.
الانهيار الذي أصاب السويداء نتيجة الفوضى والعنف المبني على الطائفة مسّ البنية التحتية الأساسية بشكل كبير، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والمرافق الصحية، ما زاد من سوء الأوضاع الإنسانية ودفع المواطنين للفرار بحثًا عن أماكن آمنة سواءً في السويداء نفسها أو في درعا أو في دمشق.
ويذكر المرصد السوري باستخدام المدارس والمراكز والمنشآت العامة والمساجد كأماكن إيواء مؤقتة لاستقبال آلاف العائلات النازحة سواء في المدينة أو خارجها.
الثمن “نفسي”
أشارت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى نزوح نحو 80 ألف شخص من المحافظة إلى خارجها.
وتحدث المرصد السوري عن الكلفة العالية لتشريد النازحين، خاصة مع غياب الحلول السياسية في ظل تعنّت كل الأطراف ورفضها لإبرام اتفاق ينهي الأزمة.
وتقول الإحصائيات إن نتيجة استمرار الصراع والحصار على السويداء نزح أكثر من 60% من المدينة وضواحيها الآمنة في الجنوب والشرق مثل مقام “عين الزمان”. كما غادر المئات إلى دمشق ومنها إلى جهات أخرى خارجية كلبنان والأردن. فيما لجأ الباقون إلى محافظتي درعا وريف دمشق.
نزوح داخلي ولجوء خارجي وهروب من الدم والموت الذي يحاصر كل ركن من سوريا، فلم يعد الاختلاف مقبولا وبات عنوانا للتقتيل والتعنيف والتصفية العلنية دون خوف.
عجز الحكومة الانتقالية
عجزت الحكومة الانتقالية في دمشق عن إيقاف موجة العنف والدم التي تتغذّى من قواتها الأمنية، وبرغم محاولات تدخل المنظمات الدولية والإقليمية على غرار المنظمة الدولية للهجرة وعلى رأسها الأمم المتحدة إلا أن الحواجز التي تضعها الحكومة الانتقالية وتتحكم فيها ترفض إدخالها، ما أزّم الوضع وضاعف المعاناة والجوع وحتى توفر الأدوية الحياتية، مثل أدوية مرضى غسيل الكلى والسرطان.
وبرغم هذه المآسي والجوع والحصار، تطالب الإدارة المحلية في السويداء بعودة كل النازحين الدروز إلى قراهم ومدنهم التي هُجروا منها والتي أصبحت اليوم مهجورة أو مدمرة بالكامل أو بشكل جزئي، لكن لا تزال المخاوف الأمنية قائمة، مما يعيق عودتهم إلى ديارهم.
وتشير الإحصائيات إلى أنه منذ وقف إطلاق النار في أيلول 2025، عاد نحو 8,500 نازح إلى بيوتهم، خاصة في بلدة صلخد ومدينة السويداء، وذلك بعد إعادة تأهيل بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والاتصالات.
ويدعو المرصد السوري لحقوق الإنسان كل الأطراف إلى التهدئة ووقف الأعمال القتالية والعدائية، والاحتكام للعقل والمنطق، وتغليب المصلحة العامة والمستدامة على المصالح الشخصية الضيقة والمؤقتة.
ويجدد المرصد تأكيده على ضرورة وقف كل إجراءات التصعيد والأعمال الاستفزازية من كل الأطراف، وتجنيب المدنيين أي أعمال انتقامية، والتوقف عن عمليات النهب والتخريب والاستهداف الطائفي، وتسهيل عودة المدنيين إلى قراهم ومدنهم دون أي تأخير ودون أي اشتراطات.
كما يطالب المرصد السوري بالإفراج الفوري عن كل المختطفين والأسرى، والكشف عن مصير المفقودين بما في ذلك تسليم جثث القتلى. كذلك يطالب المرصد السوري بوقف الأطراف عن العبث بمصائر الطلاب، وخصوصًا طلاب الثانوية العامة والجامعات، والسماح لهم بالتنقل الآمن من مقرّات إقاماتهم إلى مقرّات دراستهم وجامعاتهم.
ويؤكد المرصد السوري أنه يجب على المجتمع الدولي التحرك الفوري لوقف الانتهاكات الجسيمة في السويداء، وضمان حماية المدنيين والنازحين.
ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما يطالب بتوفير الدعم الإنساني الكامل لأبناء السويداء، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليمية والإيواء الآمن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|