المجتمع

بالأرقام: الاكتظاظ في السجون يتجاوز 340%.. إليكم واقع القاصرين الموقوفين!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

رغم الوعود المتكرّرة التي أُطلقت بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة بإصلاح واقع السجون اللبنانية، تكشف الوقائع أنّ شيئا لم يتبدّل فعليا. بالتالي، لا تزال السجون غارقة في الاكتظاظ والإهمال والابتزاز، وسط منظومة إدارية وقضائية عاجزة عن أداء أبسط وظائفها. هذه المؤسسات التي وُجدت لإعادة التأهيل باتت بؤرا للعقاب الجماعي، تفتقد الشروط الإنسانية، وتُظهر الدولة في موقع العاجز عن حماية مواطنيها أو فرض هيبة قانونها.

لذا، في قلب هذا الانهيار، يتصدّر ملف السجناء بمختلف فئاتهم، وفي طليعتهم القاصرون، بوصفه المرآة الأوضح لفشل المنظومة. فهؤلاء، الذين يُفترض أن يكونوا في رعاية العدالة لا تحت قبضتها، يعيشون وسط ظروف تنزع عنهم إنسانيتهم قبل حريتهم. وقد كشفت تسريبات خلال الأشهر الأخيرة من جلسات تحقيق، عن أساليب إذلال وترهيب مورست مع أطفال لم يتجاوز بعضهم الرابعة عشرة من العمر، في خرق فاضح لكل الأعراف والقوانين الدولية التي تُلزم لبنان بحمايتهم.

الكل سواسية الا في الحقوق!

والأدهى أنّ الكثير من النزلاء الاحداث، شأنهم شأن مئات السجناء الراشدين، لا يزالون محتجزين منذ سنوات بلا أحكام. فلا إدانة تصدر لتبرّر سجنهم، ولا تبرئة تمنحهم حريتهم. هذا الشلل القضائي المستمر لا يتناول الأفراد فحسب، بل يهدم الثقة بالقضاء نفسه، محوّلا العدالة إلى غطاء قانوني لعجزٍ مؤسسي يضرب في عمق الدولة وضميرها.

من هنا، تفتح "الديار" هذا الملف لكونه بات أبعد من قضية قانونية، وإنما أخلاقية وإنسانية بالدرجة الأولى. وكلّنا مسؤول عن قول الحق، وإنْ كان دفع الثمن أحيانا باهظا، تبقى الحقيقة هي العزاء الوحيد في مجتمعٍ أصبح يُغمض عينيه عن كل ما هو إنساني.

تجدر الإشارة إلى أن "الديار" تواصلت مع قوى الأمن للحصول على معطيات بشأن السجناء القاصرين وكل ما يتعلّق بهم، لكن لم تلقَ أي جواب، إلى جانب أن "الدولية للمعلومات" أيضا لا تملك أي تفاصيل في هذا الخصوص.

إطلاق الوعود يُصلح الواقع!

بالاستناد إلى ما تقدّم، فقد شارف عام 2025 على الانتهاء دون إحداث أي تغيير يُذكر في القطاع السجني اللبناني، رغم الوعود الإصلاحية المتكررة والبيانات الرسمية التي تَعِدُ بتحسين الواقع. وتظل السجون مرآة لأزمة أخلاقية وقضائية متشابكة، يغيب فيها الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، وتستمر فيها معاناة آلاف السجناء بين الاكتظاظ والإهمال وغياب العدالة الناجزة. إنّ ما يُسمّى بمؤسسات الإصلاح بات أقرب إلى أماكن للعقاب الجماعي، حيث يُترك الإنسان رهينة البيروقراطية والتقاعس، فيما تتآكل ثقة المجتمع بالدولة ومؤسساتها.

التحسينات البنيوية غير كافية

ومن هذا المنطلق، تشير الإحصاءات الرسمية المتوافرة إلى وجود ما لا يقل عن 114 قاصرا محتجزين بينهم 107 ذكور و7 إناث. أما التطورات "الإصلاحية" التي أُعلن عنها، وعلى رأسها افتتاح مركز إعادة تأهيل القاصرين في الوُروار – بعبدا عام 2025، فتبقى جزئية ومحدودة الأثر، بحيث يتوزع عشرات الأطفال على سجون عديدة في الشمال والبقاع وصيدا، ينتظرون نقلهم أو صدور أحكامهم.

في المقابل، تُظهر البيانات الميدانية أنّ أعمار هؤلاء القاصرين تتراوح بين 12 و18 عاما، وغالبيتهم من فئة 15 إلى 17 سنة، أي في عمرٍ يُفترض أن يكون التعليم والتأهيل محور حياتهم، لا الاعتقال. معظمهم ضحايا بيئة فقيرة ومهمشة، حيث يتقاطع الحرمان الاجتماعي مع العجز المؤسسي، فيتحول الخطأ إلى مصير دائم خلف القضبان.

اما بالنسبة للتهم الموجّهة إليهم، فتتركز على السرقات البسيطة والمخدرات والمشاجرات، وهي بمعظمها جنح قابلة للبتّ السريع. وفي هذا الإطار، تشير شهادات قضائية لـ "الديار" إلى أنّ "عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال لا يزالون موقوفين منذ أكثر من عامين بلا حكم نهائي، ما يشكّل انتهاكا صارخا للمعايير القضائية والإنسانية.

وبالتالي، يكشف الواقع السجني في لبنان عن أزمة عدالة تمتدّ من السجناء الراشدين إلى القاصرين، في نظامٍ تتآكل فيه القيم الإصلاحية، ويُترك فيه الأضعف دائما ليدفع الثمن. فالقضية لم تعد مسألة إدارة سجون، بل اختبارا حقيقيا لصدقية الدولة، وحدّها الفاصل بين القانون والانهيار الأخلاقي".

ارقام محدثة والوضع متفجّر!

من جهته، يقول رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين في بيروت المحامي جوزيف عيد لـ "الديار": "يوجد في لبنان 25 سجناً و229 نظارة موزعين على كافة المحافظات، وفقاً لقاعدة بيانات احصائية دقيقة تُحدّث بصورة دورية وباتت مرجعاً يعتمد عليها. وتؤخذ في الحسبان إمكان استيعاب السجون في التوزيع، إضافة الى مدة الاحكام، فالسجن المركزي في روميه وسجن القبة في طرابلس يستوعبان الاحكام التي تصل الى المؤبد، اما السجون الاخرى فالأحكام بين 6 أشهر وست سنوات كحد اقصى".

ويشير الى ان "اجمالي عدد السجناء حوالى 8845 (ينقص ويزيد) وفقاً لآخر تحديث بتاريخ 26/9/2025 ، ويوزعون على الشكل الاتي: سجون: حوالى 6132، نظارات: 2713، عدد السجينات: 300، عدد الاحداث: 110، الموقوفون غير محكومين: 83%، نسبة الاكتظاظ: حوالى 340 %، وأكثر من 1000 سجين لم تبت طلبات اخلاء سبيلهم بعد، رغم صدور تعاميم عن النيابة العامة التمييزية. ومع ذلك، تعتبر هذه التعاميم خجولة في ظل وجود المواد 111 و107 و108 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنظم اخلاءات السبيل".

ويشير الى ان "عدد المحكومين مؤبد واشغال شاقة حوالى 150 سجيناً، بينما يبلغ معدل السجناء الذين لديهم دعوى واحدة حوالى 2300 سجين، والباقي موقوفون في عدد دعاوى".

ويلفت الى ان "نسبة الأجانب 48 %، والسجناء السوريين 30 % اي ما يقارب 2637 سجيناً، والفلسطينيون 587 أي 6.6 %، اما مختلف 483 اي 5.5 %. في حين يصل عدد موقوفي المخدرات الى حوالى 2550 بينهم 80 سجينة".

وتبقى المشكلة الاساس بحسب عيد، هي الاكتظاظ الناجم عن:

- بطء العملية القضائية وعدم اصدار الاحكام (نسبة الموقوفين دون محاكمة 83 %).

- عدم تطبيق اصول المحاكمات الجزائية لناحية اخلاءات السبيل.

- الخلل في سوق الموقوفين ووضع الادارة الاقتصادي المالي المتردي.

- نقص في عدد القضاة.

- استقلالية القضاء والدعم المادي والمعنوي لهم.

ويستطرد: "اوضاع البلد الامنية والاقتصادية والكوارث الصحية والاضرابات، بما في ذلك مناخ عدم الاستقرار الذي كان سائداً ولا يزال مع تفاؤلنا بالمستقبل، الامر الذي ادى الى وضع صحي وغذائي وحركات تمرد كارثية".

ويتحدث عن الصعوبات التي يواجهها القطاع السجني، مفصلا العوامل التي ساهمت في الحؤول دون إيجاد حلول عملانية وتتضمن:

- الازدحام الخانق في جميع السجون والنظارات، وقد أشرنا اليه سابقاً وهو صلب الموضوع، ونكرر بانه نتج منه مشكلات امنية وصحية وغذائية وعرقلة برامج التأهيل.

- نقص كبير في عديد العناصر والآليات لتولي الحراسة، والسوق الذي ينعكس سلباً ايضاً على سير المحاكمات.

- نقص كبير في التجهيزات اللوجستية والإدارية، والصيانة، واجهزة المراقبة، والاستشفاء والدواء، والغذاء، ومواد التنظيف، والأطباء، الى غيرها من المشاكل، وهي كثيرة، والضباط المسؤولين أدرى بذلك".

هل هناك أمل في إصلاح السجون اللبنانية؟ يجيب عيد: "يمكن ذلك طبعا، من خلال استقلالية القضاء، وتحسين أوضاع القضاة المادية والمعنوية، وزيادة عددهم. كما ينبغي إنشاء أربعة سجون نموذجية وتوفير الاعتمادات اللازمة لها. علماً بأن نقابة المحامين تقدمت بهذا الاقتراح خلال ولاية النقيبة أمل حداد وولاية النقيب شكيب قرطباوي وزيراً للعدل، بعد أن تأمنت الأراضي والأموال اللازمة من مجلس الوزراء. وقد بدأت أعمال إنشاء سجن مجدليا، لكنه توقف نتيجة الكيديات السياسية والسمسرة والرشى. مع ذلك، تظل الخطة صالحة حتى الآن".

يضيف: "إلى جانب ما تقدم، يجب تطوير برامج التأهيل والتدريب المهنية والنفسية والاجتماعية، وتقوية الشفافية والمراقبة، وتحسين استخدام الإفراج المشروط لمن يظهر عليهم الرغبة في الإصلاح وإعادة التأهيل. إضافة الى ذلك، ينبغي تفعيل قانون تخفيض العقوبات 463/ 2002، خاصة لناحية اللجان، وتدعيم التشريعات وتعديلها لتصبح أكثر مرونة وواقعية، بما يشمل استثمار التكنولوجيا في إدارة السجون وتسهيل الوصول إلى المحاكمات عبر الإنترنت لتيسير الإجراءات القضائية".

ويشدد في ختام حديثه على "ان اصلاح السجون يتطلب ارادة سياسية ووطنية، وتعاوناً بين مختلف الجهات من مؤسسات حكومية ونقابية ومنظمات حقوقية ومجتمع مدني، بمؤازرة المنظمات الدولية والعربية، خاصة لإعادة تأهيل السجناء وخفض معدلات الجريمة، وعدم تكرارها في المجتمع بعد الافراج عنهم".

مخالفات بالجملة وفق القانون!

وفي هذا السياق، تبيّن تشيرالمحامية ماريانا برّو الى أنّ "قضايا القاصرين الموقوفين لا تزال تعاني من مخالفات قانونية، تتعلّق بطول مدة التوقيف والإجراءات غير المتكاملة، وذلك يكشف ثُغرا في تطبيق قانون حماية الأحداث، ولا سيما المادة 108 التي تحدّد مدة التوقيف القصوى".

وتشدد برّو في حديثها لـ "الديار" على "ضرورة مراجعة الآليات المتّبعة في التحقيق والتوقيف، لان التعامل مع القاصرين يجب أن يقوم على مبادئ الحماية والتأهيل لا العقاب، بما ينسجم مع المعايير الإنسانية والقانونية".

ندى عبد الرزاق- الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا