سلام ترامب في الشرق الأوسط: القوة لا تدوم
تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بأن السلام "حلّ" في الشرق الاوسط، يقدم نافذة مهمة على فلسفته في السياسة الخارجية والتي تقوم على نهج صفقات ومصالح متبادلة، متجاهلة إلى حد كبير القضايا الجوهرية للنزاع. هذا التصريح، الذي قد يبدو منفصلاً عن الواقع في ظلّ استمرار التوترات في غزة ولبنان وسوريا، يعكس إيمانه بنجاح "الاتفاقيات الإبراهيميّة" كنموذج للسلام الشامل، ولكنه يغفل الطبيعة المعقدة والمتجذرة للصراعات في المنطقة.
تستند رؤية ترامب إلى مبدأ يضع المصالح الاقتصاديّة والأمنيّة لإسرائيل وحلفائها الإقليميين في المقدمة. "صفقة القرن"، التي طرحها في ولايته الأولى، كانت تهدف إلى حلّ القضية الفلسطينية عبر مقاربة اقتصادية إنسانيّة، مع قبول ضمني بكيان فلسطيني محدود السيادة ومنزوع السلاح، وعاصمته في ضواحي القدس الشرقيّة. كانت الفكرة الرئيسية هي تجاوز مسار المفاوضات التقليديّة القائمة على حلّ الدولتين، والذي اعتبره ترامب "فاشلاً".
تصريحاته الأخيرة حول "السلام الأبدي" تعيد تأكيد هذا النهج، انما بأسلوب آخر. فهو يرى أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية (السعودية تحديداً) هو المفتاح للاستقرار، وأن القضية الفلسطينية يمكن "احتواؤها" أو حلها كجزء من صفقة إقليمية أوسع. بالنسبة لترامب، فإن النجاح في دفع بعض الدول العربية للتطبيع (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان، سوريا وربما لبنان) يمثل دليلاً على أن نموذجه يعمل وأن السلام ممكن من دون حلّ القضية الفلسطينية أولاً.
يتجلى التناقض الأكبر بين رؤية ترامب والواقع الحالي، في قطاع غزة. اذ بينما يتحدث ترامب عن "السلام"، لا تزال غزة في وضع غير مستقر جراء الحرب التي اندلعت منذ أكثر من عامين، خصوصاً ما يتعلق بمصير "حماس" وسلاحها ونفوذها، وحدود العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، وكيفية ترسيخ الاستقرار ميدانيا، والدور الذي سيلعبه العالم اجمع في الهدوء وإعادة الاعمار. خطة ترامب الجديدة لوقف إطلاق النار في غزة، والتي تبناها مجلس الأمن مؤخراً، تدعو إلى هيئة انتقالية بقيادته للإشراف على الأمن وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن هذه الخطة، التي تتضمن إمكانية مستقبلية لمسار نحو دولة فلسطينية، تواجه تحديات هائلة، أولها معارضة إسرائيل الشديدة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، مما يمثل عقبة كبرى أمام أي مسار سياسي طويل الأجل، كما ان الفصائل الفلسطينية، لا سيما "حماس"، لم تقبل بالضرورة كل بنود الخطة أو الترتيبات الأمنية المقترحة، ناهيك عن رفض الفلسطينيين قيام "كيان" منزوع السلاح وتحت وصاية أمنية غربية أو إسرائيلية.
وبالتالي، فإن "السلام" الذي يتحدث عنه ترامب في غزة هو في الواقع "إدارة صراع" أو "تهدئة بالقوة"، وليس حلاً جذرياً ينهي أسباب النزاع.
التوتر في غزة ليس وحده العقبة امام "حلول السلام" في المنطقة، فالتوترات حاضرة على مساحة أوسع على غرار لبنان وسوريا. الصراع بين إسرائيل وحزب الله في لبنان لا يزال قائماً ومفتوحاً على التصعيد في أي لحظة، ورؤية ترامب، التي تعتمد على الضغط الأقصى على خصوم إسرائيل (مثل إيران وحزب الله)، قد تؤدي إلى تصعيد بدلاً من السلام في هذه الجبهة.
أما بخصوص سوريا، فالوضع برعاية ترامب، قد يكون اسهل نسبياً مع استعداد النظام السوري الحالي لإبرام اتفاق أمني أو حتى سلام مع إسرائيل، ولكن كل ذلك لا يضمن سلاماً دائماً وشاملاً في المنطقة، لانه معروف ان السلام "بالقوة" لا يدوم.
يمكن وصف رؤية ترامب للشرق الأوسط بأنها رؤية رجل أعمال يرى "صفقة" في كل شيء. هو يعتقد أن السلام يمكن شراؤه بالامتيازات الاقتصادية والأمنية، وأن الضغط القوي على الأطراف الضعيفة يمكن أن يفرض الإرادة الأميركية-الإسرائيلية، وتصريحه بأن "السلام ساد" يتجاهل التوترات الكامنة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
التحليل الموضوعي يشير إلى أن نهج ترامب نجح في اختراق الجمود الدبلوماسي التقليدي، لكنه خلق نوعاً من السلام "البارد" وغير المستدام، والذي يفتقر إلى الأسس الصلبة لحل النزاعات الجوهرية، لا سيما القضية الفلسطينية.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|