الصحافة

ابن سلمان في واشنطن... بلا مفاجآت: المال (لا يزال) يتكلّم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لن تغيّر زيارة وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، للولايات المتحدة، خلافاً لما يحلو للسعوديين من أنصاره أن يصوّروا، الكثير، لا في الشرق الأوسط، ولا طبعاً في العالم، إلا أنها تبقى، مع هذا، زيارة مهمة جداً للرجل ومُضيفه، الرئيس دونالد ترامب، وفارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. ذلك أن ترامب يريد المال وابن سلمان يملكه، وهو ما يوفّر شروط عقد الصفقات التي يريد منها كلا الرجلين تحقيق أهداف تخصّهما.

ابن سلمان الذي يزور واشنطن الآن، أقوى بكثير منه عندما زارها عام 2018، حين كان جديداً على الحكم (عُيّن ولياً للعهد في عام 2017) وكانت قد بدأت مغامراته في السياسة الخارجية التي كلّفته الكثير، ثم أجهدته محاولات الخروج منها لتقديم صورة أفضل وأكثر نضوجاً له، ليتحقّق له ذلك بنجاح نسبي حتى الآن (حرب اليمن ما زالت قائمة رسمياً رغم الهدنة المستمرة منذ 3 سنوات). أمّا ترامب الذي يُكثِر من ذكر الملك سلمان بن عبد العزيز، مستشهِداً به في مؤتمراته الصحافية لغرض الدعاية للسعودية أكثر منه لتوكيد مصداقية كلامه، فيقصد فعلياً ولي العهد، لغياب الملك عن الواجهة. وهو إذ يفعل هذا، يتصرّف بصفتين: أولاهما هي الخاصة بمنصبه الرئاسي، الذي يستخدمه لتحقيق مكاسب خاصة، أو على الأقلّ يخلط فيه بين الشخصي والعام؛ والثانية هي رجل الأعمال الذي لا يكفّ المال عن سحره، والساحر هنا هو ابن سلمان نفسه.

وما لا شك فيه أن ترامب، ولو لم يكن شخصياً في واجهة العقود كرجل أعمال، إلا أن له أولاداً وأصهرة وشركاء من رجال الأعمال الذين يرتبطون مع دول النفط الغنية، ولا سيما السعودية، بشبكات مصالح واسعة. فالرئيس أوكل إلى مجموعة من الأقارب والأصدقاء الفائقي الثراء مهمة «تغيير» الشرق الأوسط، بخلاف ما درجت عليه العادة في السابق، حين كانت تُسند هذه المهمات إلى الموظفين الذين تدرّجوا في مؤسسات الدولة الأميركية، من مثل وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية. ومن يرتبطون بتلك العقود سيظلّون محيطين بالرئيس إلى ما بعد الرئاسة، وهذا هو الأهم بالنسبة إليه.

أمّا ما يريده ابن سلمان من الزيارة، فهو أن تكون تتويجاً لما حقّقه الرجل حتى الآن على صعيد ترسيخ سلطته وتقوية نفوذه كحاكم للمملكة بلا منازع، ولا مراكز قوى مُقتسَمة مع إخوة أو أبناء عم أو أفخاذ وبطون. وهو، وإن كانت تَلزمه الخطوة الأخيرة لتبوّؤ العرش، فإن ما تركّز بيده من سلطات، وما توفّر له من إمكانات، لم يحصل عليه حتى جدّه عبد العزيز آل سعود، باني المملكة وموحّدها. والواقع أن طبيعة الحكم الفردية في المملكة التي يُدخِلها الأميركيون بين حين وآخر في بازار مزايداتهم الداخلية، وهم يعرفون أن واشنطن واكبت المملكة طوال تاريخها في ظلّ هذا النمط من الحكم، فهي ذاتها التي استخدمها ابن سلمان لإحداث التغيير الذي لم يكن ليستطيع تحقيقه لولاها. فهل كان يمكن السماح للمرأة بالرقص في الشوارع من دون عصا؟ وهل كان يمكن إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» واستبدالها بـ»هيئة الترفيه» وجعل المؤسسة الدينية تسكت على ذلك، لولا الزجر؟

وبالنسبة إلى القضايا العامة، فليس من المتوقّع حصول مفاجآت كبيرة تدفع نحو إحداث تغييرات جوهرية في سياسات الشرق الأوسط، إذ ستشهد الزيارة توقيع عقود ضخمة تضيف مئات المليارات الأخرى إلى المبالغ التي سبق أن تعهّد باستثمارها ابن سلمان في أميركا، خلال زيارة ترامب للمملكة في الربيع الماضي، وبلغت 600 مليار دولار. ولن تغيّر صفقة طائرات الـ»إف – 35» التي أعلن ترامب أنه سيجيزها في هذا الإطار، شيئاً يُذكر في توازن القوى في الشرق الأوسط؛ إذ إن هذه الطائرات لن تكون على الأرجح بالفاعلية نفسها لتلك التي تملكها أميركا أو بريطانيا أو إسرائيل، وحتى سيكون ممكناً لأميركا تعطيل أنظمتها من المركز وجعلها مجرّد خردة، فيما كل ما على الولايات المتحدة أن تقلق بشأنه هو تسرّب أي تكنولوجيا عسكرية إلى الأعداء، وهذه مقدور عليها أيضاً. والمملكة امتلكت بالفعل طائرات وأسلحة متطورة، ولكنها لم تُفِدها في حربها مع اليمن، ولا في إقامة توازن عسكري مع إيران التي اتّجه ابن سلمان، في النهاية، إلى التهدئة معها.
على أيّ حال، فإن ممّا تعلّمه ابن سلمان بكلفة عالية هو عدم المغامرة وعدم القيام بخطوات ناقصة. وهو، في كل الأحوال، فضّل في السنوات الأخيرة التركيز على تطوير اقتصاد المملكة، وتحويل انتباه المجتمع السعودي نحو الرياضة والترفيه، عن الاهتمام بالسياسة، كما قلّص هو نفسه اهتمامه بملفات السياسة الخارجية، إلا حيث تتأثّر المملكة، مثل سوريا التي للسعودية مصلحة أكيدة في استقرارها ووحدتها. وعليه، من المُستبعد أن يغامر الرجل بالتطبيع العلني مع إسرائيل في ظلّ استمرار التغوّل الإسرائيلي، لقاء بضع عشرات من طائرات الـ»إف – 35» التي يعرف أنها لن تفيده كثيراً. وحتى الاتفاقية الدفاعية التي قد يوقّعها مع ترامب، فستكون من نوع تلك التي حصلت عليها قطر التي حظيت بأمر تنفيذي يتعهّد فيه ترامب بالدفاع عنها في حال تعرّضها لهجوم. والأمر التنفيذي يُلغى بأمر تنفيذي مماثل، أي بمجرّد توقيع من الرئيس المقبل، أو حتى ترامب نفسه، إذا دعته الضرورة، وهو يختلف عن الاتفاقات الدفاعية المُمأسسة مثل حال «الناتو»، أو الاتفاقات مع كوريا الجنوبية واليابان. وما ينطبق على المعاهدة الدفاعية المحتملة مع المملكة ينطبق على التخصيب النووي المحتمل أيضاً؛ إذ سيكون بيد الولايات المتحدة وحدها، ولن تُنقل تكنولوجيا تطويره إلى السعوديين. وبخصوص الشرائح المتطورة والذكاء الاصطناعي، فالبنية التحتية للمملكة في هذا المجال تجعلها شريكاً تجارياً في أحسن الأحوال، لا شريكاً في التطوير.
بالنتيجة، احتاج ابن سلمان، بسبب تعقيدات العلاقات، إلى ستّ سنوات لكي يزور أميركا مجدّداً. وفي الفترة الفاصلة، انتقل من شخص ارتبط بالكثير من المشاكل المُحرِجة لمن في السلطة في واشنطن، إلى آخر يُستَقبل بحفاوة بالغة، وذلك تطلّب جهداً كبيراً.

حسين ابراهيم - الأخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا