عربي ودولي

أردوغان يقترب قليلًا من حلمه...فهل هل ينقذ الأسد؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

من المبكر القول إن زيارة الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم الروسيّة أليكسي ميلر إلى تركيا، ولقاءه يوم أمس الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، سيكون كفيلًا وحده بإطلاق العجلة لمشروع تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز، وهو تحديدًا المشروع بحث الطرفان "إمكانيّة" تنفيذه. إلا أنّ الأكيد أن هذه الزيارة، والبحث في التفاصيل التقنيّة المرتبطة بالمشروع، سيعطيان بعض الزخم لهذا الحلم، الذي حمله أردوغان في قلبه وعقله منذ وصول حزبه إلى الحكم قبل عشرين سنة. مع الإشارة إلى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد حرّك هذا الملف بالتحديد، حين أعاد التذكير بهذا المقترح خلال اجتماعه بالرئيس التركي في 13 تشرين الأوّل الماضي.

من الناحية العمليّة، يدرك بوتين أنّ تركيا تسعى للوصول إلى هذا الحلم من عقدين من الزمن، بمعزل عن خطط روسيا المستجدة. كما يعلم الرجل جيّدًا أن الأتراك باتوا يمتلكون اليوم أوراق قوّة إضافيّة تسمح لهم بطرح هذا النوع من المشاريع على جميع مراكز إنتاج واستهلاك الغاز الكبرى المحيطة بهم. ولهذا السبب بالتحديد، ثمّة الكثير من التحليلات التي تعتبر أن ما تقوم به غاز بروم اليوم، ومن خلفها الرئيس الروسي، ليس سوى خطوات استباقيّة لحجز دور ما على خريطة مشاريع الطاقة التركيّة، التي باتت واقعيّة اليوم بمعزل عن ما يريده أو يقوله الكرملين. في المقابل، بات بإمكان الأتراك أن يعتبروا الاهتمام الروسي خطوة إضافيّة، ستجعلهم أقرب قليلًا إلى هذا الحلم التاريخي.

دوافع حلم أردوغان القديم
تعتمد تركيا بشكل كبير على الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة في الإنتاج الصناعي والتدفئة والاستهلاك المنزلي، إلا أنّها –حالها كحال الاتحاد الأوروبي- تُعتبر من الدول المستوردة لا المنتجة في هذا المجال. خلال السنة الماضية مثلًا، استهلك الاقتصاد التركي ما يقارب 61.5 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي، بينما احتاجت تركيا لاستيراد 58 مليار متر مكعّب من هذه الكميّة من مصادر مختلفة (45% من روسيا والباقي من إيران وأذربيجان وشحنات الغاز المُسال التي تصدّرها قطر ومصر). وبذلك، يمكن القول أن أكثر من 94% من حاجة تركيا للغاز تأتي من الاستيراد.

هذا المشهد بالتحديد، يضع أردوغان أمام إشكاليّات متعددة، أبرزها تلك المرتبطة بأمن الطاقة التركي، وضعف موقفه التفاوضي مع الدول التي تعتمد عليها بلاده لتأمين مصادر الطاقة، ناهيك عن ارتباط القوّة التنافسيّة للإنتاج التركي بأسعار الغاز المستورد، والذي لا تملك بلاده أي سيطرة عليها. ولعلّ تسابق الدول الصناعيّة على تأمين الغاز الطبيعي لأسواقها بعد اندلاع الحرب الأوكرانيّة، وأثر ارتفاع أسعار الغاز على قطاعاتها الصناعيّة، وشبح تهديد سلاسل توريد مصادر الطاقة، كلها عوامل أكّدت هواجس أردوغان، الذي يعتقد أن الاستقرار الاقتصادي مستحيل على المدى البعيد من دون ضمان استدامة سلاسل توريد الغاز، وبقدرة تفاوضيّة تكفل السيطرة على كلفته.

حلم أردوغان هو أن تكون تركيا، رغم قلّة احتياطاتها من الغاز، مركزاً أساسياً لتخزين وإعادة التوزيع الغاز الطبيعي. وهذه المسألة ستقتضي حتمًا امتلاك بلاده البنية التحتيّة اللازمة لتوريد الغاز بكميّات كبيرة عبر الأنابيب من الدول المنتجة، أو عبر مراكز تحويل الغاز المُسال إلى غاز طبيعي، ومن ثم إعادة ضخ الغاز إلى مراكز الاستهلاك الصناعيّة الكبرى، وتحديدًا الاتحاد الأوروبي. وفي النتيجة، يطمح أردوغان من خلال هذا الحلم إلى تحقيق عدّة أمور في الوقت نفسه:

- استيفاء رسوم عبور الغاز الطبيعي عبر تركيا، والتي يمكن تكون على شكل حصّة من الغاز الطبيعي الذي يعبر عبر الأراضي التركيّة، وهو ما سيؤمّن مصدراً من مصادر الطاقة بشكل مستدام وبمعزل عن تقلّبات أسعار السوق.

- زيادة قوّة تركيا التفاوضيّة في مواجهة مراكز إنتاج الغاز الأساسيّة، في كل ما يتصل باتفاقيّات تحديد الأسعار، نظرًا للحاجة الاستراتيجيّة لتركيا كمعبر للغاز الذي يتم توريده بإتجاه أسواق الاستهلاك.

- حصول القطاعات الإنتاجيّة التركيّة على مصادر الطاقة بأسعار تنافسيّة، مقارنة بمثيلتها في سائر الأسواق، خصوصًا أن اتفاقيّات عبور الغاز غالبًا ما تعطي الدول الوسيطة هذا النوع من المزايا.

- زيادة النفوذ الجيوسياسي الذي تملكه تركيا إقليميًّا، وخصوصًا في علاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي.

المزايا التنافسيّة والخطوات التمهيديّة
لتحقيق هذا الحلم، راهن أردوغان تاريخيًّا على جملة من المزايا التنافسيّة التي ترتبط بموقع تركيا، من أجل محاولة تحويلها إلى مركز أساسي في أسواق الغاز العالميّة. فتركيا تتوسّط أبرز مراكز إنتاج الغاز الطبيعي في المنطقة، كأذربيجان ودول بحر قزوين شرقًا، والحقول الإيرانيّة التي تقع جنوب شرق حدود إيران مع تركيا، وحقول شرق المتوسّط جنوب الشواطئ التركيّة، بالإضافة إلى حقول الخليج العربي. كما يقع غرب وشمال تركيا أبرز مراكز استهلاك مصادر الطاقة العالميّة، أي دول الاتحاد الأوروبي. وأي خطّط لتعزيز مكانة تركيا الاقتصاديّة والسياسيّة في المنطقة، كانت ستدفع النظام التركي تلقائيًّا للبحث في كيفيّة التحوّل إلى وسيط مباشر ما بين أسواق الاستهلاك الأوروبيّة ومراكز الإنتاج المحيطة به.

وفي الوقت نفسه، امتلكت تركيا مجموعة من الأوراق السياسيّة التي تسمح بتحقيق هذا الحلم، أو ربما جمعت هذه الأوراق عمدًا لهذه الغاية. كاحتفاظها بعلاقات مقبولة مع إيران، التي تعاني أساسًا لتسويق غازها في ظل العقوبات المفروضة عليها، وقطر، التي تتشارك مع إيران حقل غاز الشمال. كما تمتلك تركيا علاقات حميمة مع أذربيجان، وتفاهمات براغماتيّة مع روسيا التي تمد شبكتها أساسًا بالغاز الطبيعي.

وللتمهيد من أجل حلم تكوين "مركز طاقة إقليمي تركي"، قامت تركيا على مدى العقود الماضية بشبكة من المشاريع الاستراتيجيّة التي يمكن البناء عليها اليوم، من قبيل إنشاء خطوط دوليّة لنقل الغاز، ربطت شبكة الأنابيب المحليّة التركيّة مع روسيا (خطان) وأذربيجان (خطان)، بالإضافة إلى إيران (خط واحد). كما ربطت تركيا شبكتها بخطين مع كل من أوكرانيا واليونان (يمر من هناك باتجاه إيطاليا)، وهو ما يسمح لتركيا بتصدير نسبة من الغاز المستورد باتجاه الأسواق الأوروبيّة. كما طوّرت تركيا لهذه الغاية مجموعة من محطات استقبال وتخزين الغاز الطبيعي والغاز المسال، وتحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مُسال والعكس.

جميع هذه المشاريع، تُعتبر مشاريع صغيرة ومحدودة، وخصوصًا من جهة قدرتها الاستيعابيّة، مقارنة بالطموح التركي الكبير للتحوّل إلى مركز أساسي لإعادة تصدير الغاز باتجاه أوروبا. ومع ذلك، راهنت تركيا من خلال هذه المشاريع على تشكيل أرضيّة يمكن تطويرها، سواء مع المستهلكين من ناحية الاتحاد الأوروبي، أو مع مراكز إنتاج الغاز في أذربيجان وروسيا وإيران وغيرهم. كما راهنت تركيا على اكتساب خبرة إدارة مشاريع الطاقة العملاقة، وتكوين سوق محلّي يمكن البناء عليه في المستقبل، من خلال هذا النوع من المشاريع المحدودة النطاق.

اللحظة مناسبة: أوروبا جائعة للغاز
طوال السنوات الماضية، كانت إشكاليّة تركيا الأساسيّة في ما يخص هذا الطموح استمرار الاعتماد الأوروبي على روسيا، كمصدر أساسي للغاز الطبيعي. إلا أنّ حرب الطاقة التي تلت غزو روسيا لأوكرانيا غيّرت المشهد بشكل تام، وخصوصًا بعد انقطاع واردات أوروبا من الغاز الروسي، واضطرارها للبحث وبشكل ملح عن مصادر بديلة للغاز الطبيعي. وهذا تحديدًا ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى توقيع مذكرة تفاهم مع أذربيجان، لزيادة صادراتها باتجاه السوق الأوروبي، التي تمر عبر أنابيب "تاناب" في عمق الأراضي التركيّة. وفي الوقت نفسه، وفي ظل تعثّر المفاوضات المتصلة بملف إيران النووي، ما زالت الخيارات في أسواق الطاقة محدودة، ما يجعلها أسيرة حاجاتها إلى تركيا لتصدير جزء أساسي من غازها.

كل هذا المشهد قرأته تركيا بشكل جيّد، ما أيقظ طموحات "مركز الطاقة الإقليمي" الذي تسعى إليه منذ سنوات. وهذا أيضًا ما قرأه الرئيس الروسي، الذي حاول من خلال خطوته الأخيرة الاستئثار بموقع متقدّم ضمن هذا المشروع، عبر ضمان تسويق غازه من خلال تركيا، بدل أن تأتي طموحات تركيا على حسابه. فأكثر ما يخشاه بوتين، هو أن تنجح تركيا في تشكيل مركز إقليمي لبيع الطاقة باتجاه أوروبا، إنما من دون الأخذ بالاعتبار الإنتاج الروسي، ما سيعطي إيران ودول شرق المتوسّط ودول الخليج الحصّة التي كانت تمتلكها روسيا من الاستهلاك الأوروبي. باختصار، يريد بوتين أن يعود إلى السوق الأوروبي إنما من شبّاك تركيا، بعد أن خرج منها من باب غزوه لأوكرانيا.

في الوقت الراهن، يبدو المشهد معقّدًا للغاية. فأوروبا تحتاج إلى ما يمكن أن تؤمّنه تركيا من غاز بشكل مستدام على المدى البعيد، لكنّها حتمًا لا تريد العودة إلى أي صيغة ترهنها لسيّد الكرملين المزاجي. وقد تملك في الوقت نفسه خشية مماثلة، وربما أكبر، من طموحات أردوغان وعناده. وبينما يطمح بوتين حتمًا لاستثمار الطموح التركي في سوق الطاقة، لن يرغب أردوغان في حصر خياراته ودوره بما يمكن أن تقدّمه روسيا وحدها، ما يشير إلى أنّه سيتجه حتمًا للتعاون مع منتجين آخرين سينافسون روسيا في دورها كمورّد للغاز. وعلى المدى البعيد، لا يوجد ما يضمن أن خيارات إيران ستظل محدودة، طالما أن عودتها إلى طاولة مفاوضات الملف النووي سيظل احتمالًا قائمًا خلال السنوات المقبلة.

كل هذه المعطيات، تضعنا أمام مشهد لا يثق فيه أي من اللاعبين باللاعبين الآخرين، فيما ستتحكّم بخيارات الجميع طموحات تختلط فيها حسابات السياسة بالاقتصاد وأمن الطاقة.. وبعض الحروب ومكائد الأمن.

 

على وقع التهديدات التركية بشنّ عملية برية ضد قسد، رغم تراجع التصعيد في الأيام الأخيرة، وصل أول أمس الخميس سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي إلى اسطنبول. وكان قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو قد عاد قبل أسبوع لزيارة القامشلي، والتقى قائد قسد مظلوم عبدي، من أن دون أن يسفر اللقاء عن نتائج بحسب الأخير الذي يرفض إبعاد قواته كما تطالب أنقرة، لأنه ينكر أصلاً وجود قواته على الحدود مع تركيا.

بخلاف المعلَن حتى الآن، يشجّع استمرار الاتصالات على الاعتقاد بوجود صفقة هي محور المشاورات، وأن المحادثات تتقدم في اتجاه تسجيل تفاهم روسي-تركي، تكون واشنطن طرفاً خفيّاً فيه. الصفقة قد تعطي أنقرة منطقة نفوذ إضافية صغيرة، ربما في "تل رفعت" التي تملك موسكو القدرة على التصرف بها، بينما تمنح الأسد مناطق نفوذ على حساب قسد، خاصة لجهة إمساكه بالمنافذ الحدودية. الأهم أنه يريد، بدعم روسي، حصة معتبرة من النفط الذي تتحكم بآباره الإدارة الذاتية الكردية، وهذا أصبح بمثابة مطلب تركي أيضاً مع تكرار اتهامات أنقرة لتلك الإدارة بـ"سرقة النفط السوري لتمويل نشاطاتها الإرهابية".

الاعتقاد السائد حتى الآن أنّ أردوغان يضغط لانتزاع نصر، مستفيداً من انشغال روسيا بورطتها الأوكرانية، ومن حاجة واشنطن إلى موافقته على طلبي انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو. لكن يتضح من الممانعة الأمريكية المعلنة أن السبيل غير ممهد لعملية برية واسعة، وما دون تلك العملية لن يكون التفاهم عليه سهلاً أيضاً، والعقدة ليست في خلاف أمريكي-روسي، هي فيما تراه واشنطن لمستقبل قسد، ولأثر عقوباتها على الأسد. 

لم يعد مستغرباً أن نقول أن الصفقة مع أردوغان متاحة بقدر ما يراد له المساهمة في إنقاذ الأسد، وهو قول لا يندرج في الحديث عن مؤامرة مزعومة تُحاك في الخفاء. نحن بهذا فقط نستأنف سياقاً معروفاً وعلنياً، توالى فيه على إنقاذه العديد من القوى بموافقة أمريكية، لا تغيب عن خلفيتها الموافقة الإسرائيلية. 

لإنقاذه عسكرياً، شهدنا أولاً دخول مقاتلي حزب الله وطلائع الحرس الثوري الإيراني، ثم بعد فشل هذه القوات دخل الحرس الثوري بثقله مع أكثر من ثلاثين ميليشيا شيعية، منها ما هو عراقي ومنها ما هو أفغاني. معلوم أيضاً أن إسرائيل لم تستهدف تلك الميليشيات وهي تؤدي مهمتها الإنقاذية، فالمواقع الإيرانية في سوريا أصبحت في دائرة الاستهداف بعد التدخل العسكري الروسي، أي عندما تولت موسكو مهمة الإنقاذ، ولم يعد الدور الإيراني لازماً، بل صار تحجيمه مطلوباً إسرائيلياً.

كان ذلك الإنقاذ بمراحله الثلاث منسجماً مع إعلان واشنطن "المبدئي الراسخ" عن أن الحل في سوريا لن يكون عسكرياً، والرضا الأمريكي نراه في عدم معارضة التفاهمات الروسية-التركية حول مناطق "خفض التصعيد"، ثم سيطرة الأسد عليها جميعاً باستثناء إدلب. في أقصى الحالات، أرادت واشنطن منسوباً من الضغط على الأسد يدفعه إلى التفاوض، أو يدفع حلفاؤه إلى ذلك، وبشرط مضمر هو ألا يكون الضغط تهديداً حقيقياً بإسقاطه.

دعماً لموقف واشنطن، استُخدم في العديد من المناسبات والتصريحات التخويفُ من سيناريو الفوضى التي ستعقب إسقاط الأسد أو انهياره، وتم استحضار السيناريوهات العراقية والليبية واليمنية كأدوات للترهيب. الغاية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية هي ممارسة ذلك المنسوب المحسوب من الضغط، وبما لا يؤدي أيضاً إلى انهيار سلطة الأسد لأسباب اقتصادية، حيث لا يمكن التكهن بما ينجم عن حالة التردي الشامل.

وفق المتوقع، كان لبنان مرشَّحاً ليلعب الدور الأبرز في تخفيف أثر العقوبات، لولا المفاجأة التي حدثت بالانهيار المالي وانفجار مرفأ بيروت. لقد قضى الانهيار أيضاً على طموحات شركاء محتملين في لبنان، كانوا متحفزين للمساعدة على التهرب من العقوبات، أو للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في حال أُقرّت التسوية في سوريا. مع انسداد النافذة اللبنانية، قفزت إلى الصدارة تجارة المخدرات لتلعب دوراً مزدوجاً، فهي من جهة تموِّل سلطة الأسد، ومن جهة أخرى يبتز بها دولاً مستهلِكة في الإقليم وفي الغرب لتبحث له عن حلول بديلة.

لندع جانباً ما أشيع عن رفض بشار الأسد لقاء أردوغان، فالأهم أن قسماً من إعلامه ومواليه راح يحمّل قسد مسؤولية أزمة المحروقات غير المسبوقة، في تجاهل لارتباط الأزمة بشحّ التوريدات الإيرانية جراء انشغال الحليف الإيراني بمواجهة الثائرين عليه. هذا التصويب أتى بالتزامن مع التهديدات التركية، ليرسم جانباً من جوانب الصفقة كما يريدها الأسد وأنقرة معاً. 

بينما تروج آراء عن حاجة أردوغان للتقارب مع الأسد، لإقناعه بعودة اللاجئين، يتجاهل أصحابها حاجة  الأسد لمن ينقذ اقتصاده المنهار، خاصة مع أزمة حكم الملالي وورطة بوتين في أوكرانيا، ما يجعل الحليفين عاجزين عن إسعافه. بهذا المعنى، إن كان هناك حقاً من خدمة انتخابية يقدّمها بشار لأردوغان فالثمن هو إنقاذ اقتصاد الأول بتمكينه من الحصول على النفط، وبتمكينه من السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا ليتهرب عبرها من ضغط العقوبات، فضلاً عن فتح المعابر الداخلية بينه وبين الفصائل المدعومة تركياً.

إلى جوار كل ما يُحكى عن استغلال أردوغان الظروف، ليقتنص في سوريا مكسباً يدعمه انتخابياً، قد يصحّ بالدرجة ذاتها أو أكثر أن الظرف مواتٍ لجهة الحاجة إلى إنقاذ الأسد من انهيار اقتصاده. مطالب أنقرة، للعدول عن تنفيذ عملية عسكرية برية، تلحظ ذلك بوضوح مقدِّمة له طوق نجاة كأنها لحظة أردوغان ليفعل ما فعله من قبل شريكاه في مسار أستانة. بهذا لا يكون فحسب في موقع مَن يستغل حاجة واشنطن وموسكو له ضمن صراعهما الأوكراني، فهو يستغل أيضاً حاجتهما إلى مَن يساعد في وقف انهيار اقتصاد الأسد. لواشنطن تجارب ودية سابقة تجاه النافذة التركية لتخفيف أثر عقوباتها، منها العقوبات على إيران، وآخرها العقوبات على روسيا، يُضاف في سوريا أن معظم المطالب التركية قد تلاقي رغبة أمريكية في التخلص من عبء قسد، لأن ذهابها إلى حضن الأسد يعفي واشنطن من أي التزام أدبي إزاء أكراد سوريا، ويخلي لاحقاً انسحابَ قواتها من أية مسؤولية أخلاقية تجاههم.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا