تركيا مُرتابة في الوضع السوري: إسرائيل تلعب بالنار... وأميركا غير مضمونة
واشنطن للجيش اللبناني: تَشبّه بسوريا وسلّم أمرك لإسرائيل
مثّل إلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى واشنطن، حدثاً تخطى كونه "اجراء بروتوكولي" أو "خلل في التنسيق". فالتوقيت، والسياق الإقليمي، ونبرة الخطاب الأميركي في الأسابيع الماضية، تجعل من الواقعة مؤشراً على تحوّلٍ عميق في مقاربة واشنطن للملف اللبناني، يقوم على أولوية واحدة ثابتة: نزع سلاح حزب الله مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك إلى توتير العلاقة مع المؤسسة العسكرية اللبنانية، والتي كانت تعتبر حتى الامس القريب، خطاً أحمر في الاستراتيجية الأميركية منذ نهاية الحرب اللبنانية.
إنّ الإصرار الأميركي على الربط بين الدعم العسكري للجيش وبين قيود سياسية وأمنية تتصل مباشرة بحزب الله، يعكس انتقالاً من مقاربة "احتواء الحزب عبر تقوية الدولة"، إلى مقاربة جديدة تتبنّى نصّاً وروحاً الموقف الإسرائيلي. وهذا التحوّل ليس تفصيلاً، فواشنطن، التي دأبت طوال عقود على تقديم نفسها كطرف قادر على الفصل بين علاقتها بالجيش اللبناني وصراعها مع حزب الله، تبدو اليوم مستعدة، للمرة الأولى، بالتضحية بهذا الفصل، في مؤشر على تطرّف غير مسبوق في الانحياز لإسرائيل، وعلى غياب أي محاولة لحفظ حدّ أدنى من التوازن التقليدي في مقاربة لبنان.
ويزداد هذا المعنى وضوحاً حين نضعه في سياق وعود سياسية أميركية باتت تطلق من دون أي أساس واقعي، مثل كلام السيناتور ليندسي غراهام من بيروت عن "إمكانية توقيع اتفاق دفاعي بين لبنان والولايات المتحدة". فمثل هذه التصريحات أقرب إلى ذرّ الرماد في العيون منها إلى طرح سياسي جدي. فأي اتفاق دفاعي، يفترض ثقة متبادلة ورؤية مشتركة لمصادر التهديد، بينما واشنطن نفسها تُظهر يومياً أنّ انحيازها لإسرائيل ثابت، وأنّ أي التباس أو توتر -وحتى أي اتفاق محتمل بين لبنان وإسرائيل- لن يغيّر من موقعها. فالمعادلة بالنسبة إليها بسيطة: أمن إسرائيل أولاً، وما عداه تفاصيل.
إلى ذلك، تبتعد الإدارة الأميركية بشكل متزايد عن المقاربات الأوروبية والأممية في ما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية في الجنوب. فالهجمات على قوات "اليونيفيل" لا تحظى سوى ببيانات خجولة أو تجاهل شبه كامل، وكأنّ القوة الدولية باتت في نظر واشنطن "طرفاً منحازاً" أو "متماهية مع حزب الله"، في إسقاط عجيب على واقع ميداني لا علاقة له بمهمتها أو بنشأتها. هذا التجاهل الأميركي لا يضعف فقط مظلة الأمم المتحدة في لبنان، بل يشرّع عملياً أي استهداف إسرائيلي تحت عنوان "الضرورات الأمنية". الى ذلك، يردد المسؤولون الاميركيون ليل نهار، بوجوب ان يتشبّه لبنان بسوريا حالياً التي يقودها الرئيس السوري احمد الشرع (ابو محمد الجولاني)، وهم صادقون في طرحهم هذا،لان سوريا لا تزال حتى اليوم، وعلى الرغم من اعلان الشرع (الجولاني) استعداده للتفاوض المباشر مع اسرائيل وتسريع الخطى للتطبيع او عقد اتفاق، تتعرض لضربات اسرائيلية يومية وتبقى جزء من اراضيها محتلة من دون ان يرفع السوريون الصوت للمطالبة بتحريرها، وهذا بالضبط ما تريده الادارة الاميركية من لبنان ان يقوم به "لترضى عليه".
من جهة ثانية، تراهن واشنطن على قناعة راسخة لديها بأنه مهما بلغ مستوى التوتر مع لبنان فهو لا يملك بديلاً، فالتوجه شرقاً نحو الصين أو روسيا، أو حتى نحو إيران، يعني الدخول في منظومات سياسية واقتصادية لا قدرة له على تحمّل أثمانها، خصوصاً في ظلّ السيطرة الأميركية على مفاصل مالية واقتصادية حساسة داخله. ومن هذا المنطلق، تتصرف واشنطن بثقة مفرطة، متوقعة أن أي حكومة لبنانية ستعود في نهاية المطاف إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بشأن الحدود، والثروات، والجنوب، وحتى مستقبل دور حزب الله، بمعزل عمّا ارتكبته إسرائيل من اعتداءات في لبنان.
اضافة الى كل ذلك، لم يعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب متناسقاً، فهو انتقل من الكلام عن رغبته بأن يكون "رجل سلام"، إلى منح الغطاء الكامل للعمليات الإسرائيلية في لبنان، كما ان ما يقوله عن غزة، ينسفه في لبنان، وعلى سبيل المثال حديثه عن عدم الاسراع في نزع سلاح حماس، كما امكان بحث مشاركة يمنية في القوات المتعددة الجنسيات التي تم طرح تواجدها في غزة. ومع ذلك، يواصل دعم مقاربات قصوى لا مكان لها في الواقع اللبناني، ما يعمّق التعارض بين الرؤية الأميركية والواقع الجغرافي والسياسي في لبنان.
بهذا المعنى، يشكل إلغاء زيارة العماد هيكل، مجرد عرضٍ لمرضٍ أعمق: دخول واشنطن مرحلة جديدة تتعامل فيها مع لبنان من منظور أمني-إسرائيلي خالص، من دون أي اعتبارات توازنية كانت تضبط علاقتها التقليدية بالجيش وبالدولة.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|