تفريط سيادي على شفير البحر: كيف تهرّب الحكومة ترسيم الحدود مع قبرص؟
مسؤولون أميركيّون يهدّدون: الضّربة جاهزة!
إشارتان عمليّتان تُثبتان أنّ الوضع الداخليّ ليس بخير: الكلام التحذيريّ الشديد اللهجة الذي نُقل عن أعضاء وفد الخزانة الأميركيّة الذين زاروا بيروت قبل أيّام، وتعليق زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن فيما يواظب الإعلام الإسرائيليّ على تسريب مناخات تصعيديّة على المستوى العسكريّ يُخشى أن تتحوّل إلى ضربات فعليّة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
بداية، لا بدّ من استعادة ما قاله الوفد الأميركيّ خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيّين. على الرغم من كلّ ما تقوم به الحكومة من جهد إصلاحيّ، لا سيما على مستوى وضع مشاريع القوانين المطلوبة من المجتمع الدوليّ، لا يزال أداء السلطة اللبنانيّة، من المنظور الأميركيّ، دون المستوى المطلوب دوليّاً.
قال المسوؤلون الأميركيّون إنّ إدارتهم غير راضية عن هذا السلوك، سواء في ما خصّ السلاح أو في ما خصّ الملفّات الإصلاحيّة، إذ تشترط على لبنان الخضوع للممرّ الإلزاميّ في صندوق النقد الدوليّ، خلافاً لرأي بعض المسؤولين اللبنانيّين المدعومين برأي بعض المسؤولين الأميركيّين (مورغان أورتاغوس على سبيل المثال) القائل بالهروب من معموديّة “الصندوق”، على قاعدة التعويض عنها في ملفّ السلاح.
لكنّ موقف الخزانة الأميركيّة، كما قال أعضاء الوفد، صارم وحاسم: لا مفرّ من الصندوق. لا بل أضاف هؤلاء أنّ المهل الزمنيّة ضاقت أمام لبنان بشكل ضاغط، مشيرين إلى أنّ المهلة لا تتعدّى أسابيع قليلة، أي أقلّ من ستّين يوماً، لكي تنجز الدولة اللبنانيّة ما هو مطلوب منها، وإلّا strike on the table، أي أنّ الضربة جاهزة، كما قال هؤلاء المسؤولون، في إشارة تحذيريّة تصعيدية يُتوقّع اللجوء إليها اذا ما استمرّت حالة المراوغة، كما تصفها الإدارة الأميركيّة.
حساسيّة التّوصيف
من هذا المنظار، صار أسهل التدقيقُ في واقعة تعليق زيارة قائد الجيش، (هو الذي طلب تأجيلها بعد إلغاء عدد من المواعيد)، والتي التي كان يفترض أن تكون الأولى له كقائد للجيش لواشنطن. إذا ما سُئل المسؤولون الأميركيّون المعنيّون عن سبب تجميد تلك الزيارة، يأتي الجواب على شكل أنّ قائد الجيش يصرّ على توصيف الجيش الإسرائيليّ بالعدوّ. سبق للمسؤولين الأميركيّين، ومنهم مورغان أورتاغوس، أن أبلغت العماد هيكل بضرورة تجنّب استخدام هذا التوصيف.
يُنقل أيضاً عن المتابعين أنّ أورتاغوس خاضت نقاشاً قاسياً مع هيكل على هذه الخلفيّة بسبب رفضه الإملاءات الأميركيّة الداعية إلى الامتناع عن استخدام تعبير “عدوّ”، وهو ما دفعها مرّة إلى ترك مكتب قائد الجيش غاضبة ومن دون توديعه. لكن من يسأل الدبلوماسية الأميركية حالياً عن علاقتها بقائد الجيش فتردّ بأنها أكثر من جيدة وأنّه جداً متعاون.
يقول المتابعون إنّ قائد الجيش يدرك الحساسيّة التي يخلّفها هذا التوصيف عند الأميركيّين، ومع ذلك تقصّد إطلاق بيان يوم الأحد الماضي قال فيه “يصرّ العدوّ الإسرائيليّ على انتهاكاته للسيادة اللبنانيّة، مسبّباً زعزعة الاستقرار في لبنان، ومعرقلاً استكمال انتشار الجيش في الجنوب، وآخر هذه الاعتداءات المدانة استهدافه دوريّة لقوّة الأمم المتّحدة المؤقّتة في لبنان -اليونيفيل”.
يفيد المطّلعون أنّه قبل تبلُّغ قائد الجيش خبر تجميد اللقاءات في واشنطن كانت الاتّصالات ناشطة بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركيّة لتصويب الأمور وإبقاء الزيارة في موعدها، لكنّ الاعتراض داخل الإدارة حال دون ترتيب الوضع فكان التأجيل، الأمر الذي يؤكّد أنّ المسألة تتجاوز “حادثة” توصيف إسرائيل بالعدوّ إلى ما هو أبعد من ذلك، فكان بيان يوم الأحد النقطة التي طفحت الكوب.
وفق المتابعين، ثمّة عاملان يحكمان الموقف الأميركيّ من أداء قيادة الجيش في ما خصّ تطبيق قرار حصريّة السلاح:
- التقارير التي ترفعها قيادة الجيش (تقريران إلى الآن) ويطلّع عليها مجلس الوزراء ولجنة “الميكانيزم”، ومن خلفها القيادة الوسطى في الجيش الأميركيّ CENTCOM، وتُظهر بالوثائق أنّ الجيش يقوم بالمهمّة الموكلة إليه. ثمّة تقدّم ملحوظ يفترض أن يكون على أساسه جنوب الليطاني ممسوحاً بالكامل نهاية العام الحاليّ.
الاعتراض المبدئيّ عند الأميركيّين هو بسبب تباطؤ العمليّة التي ينفّذها الجيش، فيطالبون بتسريع وتيرتها لإنهائها في وقت سريع، ولو أنّ رئيس لجنة “الميكانيزم” الجنرال الأميركيّ جوزف كليرفيلد أشاد في المرّة الأخيرة بأداء الجيش. كما أنّ القيادة المركزية في الجيش الأميركي، كما تؤكد مصادر دبلوماسية غربية، أبدت امتعاضها مما حصل مع العماد هيكل كون الجيش البناني هو استثمار أميركي ولا يجب تضييعه. لكن يبدو أنّ للمسوؤلين الأميركيّين في واشنطن رأياً آخر.
- التقارير الموثّقة التي يرفعها الإسرائيليّون إلى الأميركيّين وتُظهر أنّ “الحزب” يعيد ترميم ترسانته العسكريّة، الأمر الذي تؤكّده قيادة “الحزب” على لسان أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم. هذا مع العلم أنّ أورتاغوس تنفي علمها أمام سائيلها، وفق مصادر دبلوماسية غربية، بأي تقارير إسرائيلية عن منشآت يرفض الجيش دخولها. لا بل تذهب المصادر إلى حدّ القول إنّ الجيش نفذ أكثر من 92% من الطلبات التي تصله عبر “الميكانيزم”. لكن العقدة تكمن في الحاجة إلى مؤشرات علمية توثّق تقدّم مهمة الجيش لرفعها إلى المجتمع الدولي. هي غير متوفرة حتى الآن.
الملفّ في عهدة السّفير؟
يقول المتابعون إنّ الأميركيّين مقتنعون أنّ نوايا السلطة اللبنانيّة كما الجيش اللبناني حسنة. لكنّ الوقائع الموثّقة بالتقارير العسكريّة التي يرفعها الإسرائيليون تبيّن العكس تماماً. من هنا اعتراضهم على تجنّب الجيش دخول بعض المنشآت العسكريّة التي تعود لـ”الحزب”، خصوصاً أنّهم يضغطون باتّجاه تنفيذ الخطّة بشكل كامل غير مجتزأ، الأمر الذي لا يحصل حتّى الآن.
لهذا تُظهر مواقف المسؤولين الأميركيّين وجود أكثر من رأي، تتوزّع بين من يعتبر أنّ ما يقوم به الجيش جيّد وإن كان غير كافٍ، وبين من يريد الضغط أكثر لتسريع وتيرة العمل لأنّ الوقت من مصلحة “الحزب”.
تظهر هذه التعدّديّة في الرأي أيضاً على ملفّ المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. الأكيد أنّ واشنطن تولي هذا الملفّ أهميّة قصوى لرغبتها في تقديمه إنجازاً لإدارة دونالد ترامب، بعد وضع كلّ الملفّات الخلافيّة على طاولة التفاوض، منها مصير السلاح والانسحاب الإسرائيليّ ووقف الاعتداءات وتثبيت الحدود. ولكن من سيتولّى هذا الملفّ من الجانب الأميركيّ؟
حتّى الآن لم تستطِع الإدارة تعيين مساعد لوزير الخارجيّة لمنطقة الشرق الأدنى للإشراف على الملفّ اللبنانيّ (سحَب البيت الأبيض ترشيح جويل رايبورن في 28 تشرين الأوّل لعدم توافر عدد الأصوات الكافي في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى اعتراضات من أعضاء من الحزبين)، فيما يردّد توم بارّاك أنّه سيعود إلى بيروت لطرح أفكار جديدة، وكذلك تفعل مورغان أورتاغوس، بالتوازي مع تأكيد السفير الأميركيّ الجديد ميشال عيسى أنّ كامل الملفّ اللبنانيّ، بما في ذلك الشقّ المتّصل بالتفاوض، في عهدته، وقد يستعين بأورتاغوس ببعض المسائل.
لكنّ من المبكر حسم هذا النقاش ما دامت إسرائيل ترفض التفاوض وتصرّ على استخدام لغة النار.
كلير شكر -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|