روسيا تمدّد شراكتها النفطية مع فنزويلا.. تثبيت التحالفات رغم اقتراب "العاصفة"
صادق البرلمان الفنزويلي على تمديدٍ لمدة 15 عاما لمشاريع نفطية مشتركة بين شركة النفط الوطنية "PDVSA" ووحدة تابعة لشركة "Roszarubezhneft" الروسية هي Petromost، لتشغيل حقلي بوكيرون وبيريخا غرب البلاد حتى عام 2041. ويستهدف الاتفاق إنتاج نحو 91 مليون برميل خلال فترة التمديد، باستثمار تقدَّر قيمته بنحو 616 مليون دولار، وفق ما أعلن وزير النفط الفنزويلي بيدرو تيليتشيا.
ورغم أن الأرقام تبدو متواضعة قياسا بحجم قطاع الطاقة الفنزويلي، فإن التوقيت يحمل دلالات سياسية تتجاوز القيمة الاقتصادية للعقد، خاصة أن كاراكاس تعيش واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ سنوات، وسط تصاعد الحشد العسكري الأميركي في محيط فنزويلا وتزايد التوتر بين واشنطن وحكومة نيكولاس مادورو.
وفي الوقت الذي تعيد فيه الولايات المتحدة تصنيف شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بفنزويلا كمنظمات إرهابية، تعمل روسيا على تثبيت حضورها في "اللحظة الحرجة" عبر خطوات تُقرأ في إطار أوسع من مجرد تعاون تقني في مجال النفط.
شراكة اقتصادية بطابع سياسي
يرى خبراء أن التمديد الجديد يعيد رسم مسار الشراكة النفطية بين موسكو وكاراكاس بعد سنوات من الضغوط والعقوبات التي أخرجت شركات روسية كبرى من الواجهة، أبرزها "Rosneft" التي نقلت معظم أصولها في فنزويلا إلى Roszarubezhneft العام 2020 لتفادي العقوبات الأميركية.
ويضيف الخبراء أن العقد الأخير يشكل دليلا إضافيا على أن روسيا لا تزال قادرة على الاحتفاظ بوجودها في أحد أكثر القطاعات حساسية في فنزويلا، في وقت تنسحب منه شركات أوروبية وأمريكية كبرى تحت ضغط العقوبات.
بالنسبة لفنزويلا، يشكل الاتفاق رسالة لأسواق الطاقة بأن البلاد ليست معزولة، وأن قطاع النفط، رغم انهياره خلال السنوات الماضية؛ ما زال قادرا على جذب استثمارات وشراكات غير غربية.
وتعاني شركة النفط الوطنية الفنزويلية "PDVSA" منذ سنوات من نقص حاد في السيولة وتراجع غير مسبوق في الإنتاج وغياب التكنولوجيا الحديثة؛ ما يجعل أي دعم خارجي – مهما كان حجمه – بمثابة "ضخ أوكسجين" لقطاع يعاني من شلل شبه كامل.
ويأتي هذا التمديد في لحظة تحاول فيها الحكومة إعادة تشغيل بعض الحقول المتوسطة الإنتاج لتوفير موارد طارئة، بعد خفض الاعتماد على القروض المباشرة من الصين خلال العامين الأخيرين.
حسابات موسكو
وفقا لمراقبين، ترى موسكو في فنزويلا آخر موطئ قدم لها في نصف الكرة الغربي، إضافة إلى كوبا، وورقة ضغط استراتيجية يمكن استخدامها في توازناتها الكبرى مع الولايات المتحدة. ومع تصاعد المواجهة الروسية – الأميركية على جبهات متعددة من أوكرانيا إلى آسيا الوسطى، تمنح العلاقات مع كاراكاس لروسيا فرصة لترسيخ حضورها الجيوسياسي في منطقة تعتبرها واشنطن تاريخيا ضمن نفوذها الحصري.
ويفيد هؤلاء أنه بالرغم من أن التمديد النفطي ذاته لا ينطوي على حجم مالي ضخم، إلا أنه يندرج ضمن "خريطة نفوذ" روسية تشمل التعاون العسكري والاستخباري والمناورات المشتركة ودعم القوات المسلحة الفنزويلية. ومن جهة أخرى، توفر الشراكة مع فنزويلا فرصة لروسيا لتوسيع آليات الالتفاف على العقوبات، عبر شبكات تسويق النفط من خلال وسطاء وشركات غير خاضعة للرقابة الأمريكية المباشرة. كما يتيح لها الوصول إلى النفط الثقيل بأسعار تفضيلية، في عمليات مزج وإعادة بيع معقدة تمكن موسكو من المناورة في الأسواق الدولية.
أوراق فنزويلا
بالنسبة لحكومة مادورو، تتجاوز أهمية روسيا إطار الشراكة الاقتصادية. فكاراكاس ترى في موسكو ضامنا سياسيا على الساحة الدولية، خاصة في مجلس الأمن حيث يمكن لروسيا تعطيل أي قرارات غربية متشددة ضد فنزويلا. وتترافق الشراكة النفطية مع تعاون عسكري واسع، من صفقات سلاح إلى بعثات خبراء وصولا إلى تدريبات مشتركة كانت تُجرى بشكل رمزي لكنها تحمل تأثيرا معنويا مهما للسلطة.
تأتي هذه التطورات في وقت يعيش فيه النظام الفنزويلي وضعا أمنيا هشا، مع تهديدات أميركية متصاعدة ودعوات داخل واشنطن لتوسيع الضغوط على مادورو تحت عنوان مكافحة "إرهاب المخدرات".
ويعتقد متابعون للأزمة الحالية بين واشنطن وكاراكاس، أن مادورو يرغب في إظهار أن لديه حلفاء قادرين على توفير مظلة دعم في حال اندلاع مواجهة سياسية أو عسكرية، وأن تمديد الشراكة النفطية هو جزء من استراتيجية "تعزيز التحالفات قبل العاصفة".
ورغم أن الحرب ليست محسومة بعد، فإن العقد الأخير يؤشر إلى أن روسيا وفنزويلا تتعاملان مع المرحلة على أنها "زمن إعادة تثبيت التحالفات"، وأن النفط – رغم تراجعه كقيمة اقتصادية – ما يزال أحد أهم أدوات التعبير عن الاصطفافات بين القوى المتنافسة في المنطقة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|