الصحافة

السّعوديّة تتصدّر الشّرق: أفول الشّيعيّة السّياسيّة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

“أراد أسامة بن لادن إشراك سعوديّين في 11 أيلول، لتدمير العلاقة بين الولايات المتّحدة والمملكة”. لكنّ الردّ الصارم من الأمير محمّد بن سلمان، خلال المؤتمر الصحافيّ في البيت الأبيض بحضور ترامب، على الإثارة الإعلاميّة ذات الأغراض الصهيونيّة، كان بقوله: “هناك من يحاول تحقيق أمنية بن لادن، بترويج علاقة مزعومة للمملكة بتلك الهجمات”. ولا أحد سوى إسرائيل طبعاً.

لقد دار الزمان دورته، وتبدّلت الأرض غير الأرض التي شُيّدت تضاريسها السياسيّة والجيوسياسيّة، عقب الهجمات المدوّية بالطائرات المدنيّة المخطوفة على برجَي التجارة في نيويورك، ومبنى البنتاغون في واشنطن، يوم الثلاثاء الأسود في 11 أيلول 2001.

لم تعلن الولايات المتّحدة آنذاك الحرب على البلدان التي ينتمي إليها المهاجمون الـ19، وكان 15 منهم يحملون الجنسيّة السعوديّة والبقيّة إماراتيّان ومصريّ ولبنانيّ، بل حدّد جورج بوش الابن في 29 كانون الثاني عام 2002، “محور الشرّ”، وسمّى إيران والعراق وكوريا الشماليّة كأعضاء أساسيّين في هذا المحور.

تقارب جيوسياسيّ؟

بدأ غزو أفغانستان في 7 تشرين الأوّل 2001 (قبل 22 سنة كاملة من “طوفان الأقصى”)، باعتبار أنّ هذا البلد كان قاعدة التخطيط والانطلاق لتنفيذ الهجمات الأعنف على الولايات المتّحدة، ولأنّه كان الملاذ الآمن لقادة “القاعدة”، واجتاح التحالف الدوليّ بقيادة واشنطن، العراق في 20 آذار 2003، بحجج مزيّفة عن أسلحة دمار شامل، وعلاقة مفترَضة بين صدّام حسين وما وقع في 11 أيلول، من فبركة المعارضة العراقيّة الموالية لإيران.

يؤكّد القائد السابق لحلف وارسو ويسلي كلارك Wesley Clark أنّه رأى في البنتاغون في تلك الأيّام التي أعقبت الهجمات، مذكّرةً تدعو إلى الاستعداد لغزو 7 دول في المنطقة خلال 5 سنوات، وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وإيران، وهو ما لم يتعزّز بأيّ مصدر آخر، إلّا أنّ هذه اللائحة تضمّ في طيّها مَواطن الجهاديّين السّنّة والشيعة، في تلك الحقبة، كانت الإدارة الأميركيّة ترى في البداية أنّ عدوّها هو الإسلام الجهاديّ كلّه دون أيّ تفرقة مذهبيّة، بين سُنّة وشيعة، إلّا أنّ السياسات العمليّة صارت لها لاحقاً وجهة مختلفة تماماً.

إيران برئاسة محمّد خاتمي (1997-2005)، بادرت إلى تقديم العون بشتّى أنواعه، إلى التحالف الدوليّ في غزو أفغانستان، ثمّ العراق، وأسهمت في قيام نظامَين جديدين في هذين البلدين، من خلال حلفائهما فيهما. وبلغ التعاون الإيرانيّ الأميركيّ، أو التقارب الجيوسياسيّ بين طهران وواشنطن، بأدقّ تعبير، ذروته مع إدارة الرئيس الأميركيّ باراك أوباما (2009-2017).

بعدما أبرمت إيران في 14 تمّوز 2015، ومجموعة 5+1، أي الدول الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن إضافةً إلى ألمانيا، “خطّة العمل الشاملة المشتركة” JCPOA))، أي القيود المفروضة على المشروع النوويّ الإيرانيّ، قال أوباما في اليوم نفسه: “الحقيقة هي أنّ إيران ستكون، وينبغي أن تكون، قوّة إقليميّة”.

في الشهر التالي، أشار أوباما إلى الحرب الأهليّة في سوريا كساحة محتملة للتعاون بين واشنطن وطهران، معتبراً أنّ الاتّفاق النوويّ يتيح “إمكان البدء بإجراء مناقشات أوسع نطاقاً حول سوريا، على سبيل المثال”.

باختصار، كان الاتّفاق النوويّ، صفقة سياسيّة شاملة على ضبط المشروع النوويّ الإيرانيّ، مقابل منح إيران دورها الإقليميّ المرتجى، من أفغانستان وصولاً إلى سوريا ولبنان واليمن استطراداً، وكانت الثورة الشعبيّة السوريّة في أوجها، وقد تعاظم التدخّل الإيرانيّ تدريجاً إلى جانب النظام الأسديّ.

بعد شهر من تصريح أوباما، أي في أيلول من ذلك العام، بدأ التدخّل الروسيّ في سوريا، بالتنسيق بين طهران وموسكو، وربّما بين موسكو وواشنطن أيضاً. وكان الحوثيّون حلفاء طهران، قد دخلوا إلى صنعاء، في أيلول 2014، ليكتمل بسط النفوذ الإيرانيّ أخيراً، على أربع عواصم عربيّة مع إبرام الاتّفاق النوويّ، وبتفهّم أميركيّ لهذا الدور، فكان العصر الذهبيّ لإيران، وهو مسار طبيعيّ غير معلن، لاعتبار الغرب، وعلى رأسه الولايات المتّحدة، أنّ الإسلام السنّيّ الجهاديّ، هو الخطر الأوّل، في حين أنّ نظيره في الجانب الشيعي، يمكن التعاطي معه، وعقد صفقات المصلحة معه.

تحوُّل استراتيجيّ مفاجئ

هذا كلّه، أصابه تحوُّل استراتيجيّ مفاجئ، بفضل حدثَين غير متوقّعَين، بين 2023 و2024: الأوّل، هجوم حركة حماس المدعومة من إيران، بقرار منفرد اتّخذه يحيى السنوار ورفاقه، وهم قيادة الحركة في القطاع، باقتحام غلاف غزّة في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. والثاني، إتمام أبي محمّد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام، تحوُّله الاستراتيجيّ والأيديولوجيّ، وهو المنشقّ عن “داعش”، عام 2013، ثمّ عن “القاعدة” عام 2016، ودحره النظام السوريّ المتحالف مع إيران وميليشياتها، خلال 11 يوماً، بأقلّ قدر من الخسائر البشريّة، وظهور أحمد الشرع بمظهر القائد الوطنيّ، الحريص على الانفتاح على العالم، لا سيما الولايات المتّحدة.

إنّ هجوم “حماس” على إسرائيل، وضع طهران في موقع بالغ الحرج، على الرغم من نفيها علاقتها بالهجوم. وإذا كانت إيران في موقع العدوّ للجماعات السنّيّة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فدورها مُرحّب به، ولا غضاضة فيه، أمّا أن تدعم جماعة سنّيّة ضدّ إسرائيل، فغضب الأرض ينصبّ عليها.

قلبت واشنطن ظهر المِجنّ لطهران، وانتعشت السرديّة الإسرائيليّة بشأن الخطر الإيرانيّ، في منتصف الولاية الأولى للرئيس الأميركيّ جو بايدن، وهو رفيق أوباما في الحزب الديمقراطي، وزميله في البيت الأبيض نائباً له طوال الولايتين. لكنّه يختلف عن سلفه، بتعصّبه الصهيونيّ، وولائه الأعمى لإسرائيل. وذلك، مع أنّه كان مواظباً على عدم استعداء إيران، حتّى بعد هجوم “حماس”، ويرفض الطلبات المُلحّة لنتنياهو، السماح له بقصف المفاعلات النوويّة الإيرانيّة المخبّأة تحت الأرض، وفي قلب الجبال، وبمشاركة أميركا.

عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مطلع هذا العام، فاستأنف حملته لتغيير أميركا وعلاقاتها مع دول العالم. وما كان من شبه المستحيل القيام به، من مثل التنمّر على الحلفاء الأوروبيّين، والمضيّ دون هوادة في تطويع إيران، وتجريدها من مشروعها النوويّ، وحتّى من دورها الإقليميّ، ومن أذرعها الميليشاويّة، أضحى أمراً واقعاً. والأسوأ من ذلك، كان ترامب في طريقه لجرف القضيّة الفلسطينيّة من الأساس، متبنّياً الادّعاءات الصهيونيّة لحقّ ملكيّة فلسطين، وربّما ما حولها أيضاً، لولا مبادرة المملكة في لحظة حاسمة، إلى تأسيس حلف دوليّ لدعم حلّ الدولتين، في أيلول العام الماضي، أي قبل شهرين تقريباً، من الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.

هدف الحلف المذكور، دعم قيام دولة فلسطينيّة إلى جانب إسرائيل، على المناطق المحتلّة في حرب 1967. ونتج عن هذا الحلف بالتشارك مع فرنسا، تنظيم مؤتمر نيويورك في 28 و30 تمّوز الماضي، وصدور قرار عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 12 أيلول الماضي يؤيّد حلّ الدولتين، بأغلبيّة 142 دولة ومعارضة 10 وامتناع 12 عن التصويت، علاوة على اعتراف عدد من الدول الأوروبيّة بدولة فلسطين.

بناء على جهود المملكة ومصر وقطر، بادر ترامب إلى إنهاء حرب غزّة، باسطاً خطّة متكاملة حظيت بتأييد مجلس الأمن في 18 الشهر الجاري. وعلى الرغم من كلّ المداولات بين موفدي ترامب ووليّ العهد قبيل زيارته واشنطن، ظلّ متمسّكاً، بأن لا انضمام إلى “اتّفاقات أبراهام”، أي لا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، قبل ضمان مسار جدّيّ لتطبيق حلّ الدولتين، في فلسطين التاريخيّة المحتلّة. وهو أمر غير ممكن تحصيله، في نهاية المطاف، مهما كانت هويّة رئيس حكومة إسرائيل، عقب الانتخابات النيابيّة العام المقبل.

يمكن القول أخيراً، إنّ المملكة طَوَت صفحة 11 أيلول 2001، مع المشهديّة التاريخيّة، التي استقبل بها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان، في البيت الأبيض، بعد أيّام قليلة من استقبال الجهاديّ السابق، الرئيس الحاليّ لسوريا، أحمد الشرع، في زيارة عمل، تخلّلتها لمحات إنسانيّة غير معهودة بين ترامب والشرع، برعاية سعوديّة كاملة.

انقلبت صفحة، وفُتحت صفحة جديدة. انتهت مرحلة الغزل مع إيران، وبدأت مسيرة جديدة، بما فيها من أبعاد جيوسياسيّة، وتحالفات سياسيّة، وما تزال الرحلة في مُبتدئها، وبانتظار الخبر.

هشام عليوان - اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا