لمصلحة من يريد الأميركيّون تفجير لبنان ؟
حين يقول نائب حزبي "لقد أوشكنا على خلع نبيه بري عن عرشه، وهكذا تتقطع أوصال الشيعة" لا ندري ما اذا كان هذا الكلام بايعاز أميركي أو بايعاز اسرائيلي بعدما فتحت قنوات التواصل مع تل أبيب، ولكن هل يعلم صاحب السعادة ما يعنيه نزول الرئيس بري من قبة البرلمان الى الشارع عندما تكون طائفة أمام خيار البقاء أو اللابقاء ؟ أكثرمن ذلك هل حقاً أن هناك من اقترح على توم براك، لتفعيل الحصار حول "حزب الله"، الضغط على الدولة لاخراج الشيعة من المؤسسة العسكرية ؟
لا شك أن معاناتنا ستكون طويلة، ومريرة (خطرة أيضاً)، مع ادارة دونالد ترامب، وقد لاحظنا مدى الضحالة في لغتها الديبلوماسية، حيث لا ترى في الشرق الأوسط، بتضاريسه التاريخية والايديولوجية، سوى منطقة عقارية للاستثمار ان بسبب ثرواتها ـ وعائدانها، النفطية أو بسبب موقعها الجغرافي بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
لبنان جزء من هذه المنظومة البائسة التي تديرها القيادة الأميركية الوسطى التي تتعامل مع اسرائيل على أنها "الوديعة الأميركية المقدسة" في المنطقة. لا اشارة واحدة إلى الضغط الأميركي على اسرائيل للتوقف، ولو آنياً، عن سياساتها الدموية، بل ممارسة الضغط على لبنان، فهل من مصلحة واشنطن تحويل لبنان، وحتى الشرق الأوسط، الى مقبرة؟
لا شك أننا مع قول العماد رودولف هيكل ان البلاد "تمر بمرحلة مصيرية هي من الأصعب ـ بل الأصعب ـ في تاريخه". المسألة وجودية بكل معنى الكلمة. لبنان في الواجهة. واذ يتعامل دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع كما "الطفل المدلل" يتعامل مع الرئيس جوزف عون كما لو أنه "الابن الضال" بعدما طلب المبعوثون الأميركيون اقالة هيكل الذي اختاره رئيس الجمهورية للمنصب، ليس فقط بسبب كفاءته ومناقبيته، وانما أيضاً بسبب نظرته المتزنة، والمتوازنة، لتركيبة الجيش اللبناني التي هي انعكاس (طبيعي) لتركيبة المجتمع اللبناني.
هذا مع ادراكنا لطبيعة الآفات التي تتحكم بذلك المجتمع والتي جعلته على مستوى مروع من الهلهلة، بسبب اصرار بعض كرادلة الطوائف على تعبئة الغرائز، ما يبدو واضحاً في مسألة الانتخابات المقبلة، حيث يوجد من يخوض المنافسة بالملابس المرقطة. دائماً في اتجاه الصدام الداخلي، بوجود جهات متابعة ترى أنه اذا ما بقي ايقاع الصراع على حاله، لا بد من حصول أمر ما يؤدي الى ارجاء تلك الانتخابات.
اكثر من سفير عربي وأوروبي حذروا من مضي البعض في اضرام النيران، وعلى ذلك النحو الانتحاري، خصوصاً نحو تفكيك الخارطة اللبنانية بالصورة التي تؤدي الى اقامة دويلات اما على شكل صومعة، أوعلى شكل حوزة، أو على شكل مقبرة، كون كل طائفة، بالتشكيل التوتاليتاري، تحمل في طياتها بذور الانفجار الداخلي. العقود القليلة المنصرمة دليل على ذلك. الأميركيون الذين أخذوا على قائد الجيش استخدامه مصطلح "العدو الاسرائيلي"، وتصريحاته حول عرقلة الاسرائيليين، بانتهاكاتهم اليومية، للمهمات التي عهد بها للجيش اتفاق وقف الأعمال العدائية، يريدون احداث انقلاب في لاوعي المؤسسة العسكرية، وفي نظرتها الى اسرائيل كدولة جارة وصديقة حتى ولو باستمرارها في الغارات القاتلة. باختصار أن يكون الجيش اللبناني بامرة مجلس الوزراء الاسرائيلي، لا بامرة مجلس الوزراء اللبناني. تالياً تحويل لبنان الى مستوطنة اسرائيلية !
مشكلة لبنان عدم وجود أي سند اقليمي أو دولي بغياب اي دور للدول العربية، حتى إن محاولة مصر بلورة مبادرة، بموافقة مبدئية من سائر الأطراف، تشق الطريق أمام مفاوضات تؤمن الحد الأدنى من التوازن الديبلوماسي بين الجانبين، تعثرت ان لم تكن ماتت بفعل اللاءات الاسرائيلية، وبعدما لاحظنا كيف تتعاطى مع السلطة السورية التي لم تعلق مرة على قيام الطائرات الاسرائيلية بتدمير كل أثر للجيش السوري، والتي أعلنت عدم عدائها لاسرائيل، "السلام الشامل" الذي ينطوي على الاحتفاظ بالجزء السوري من جبل حرمون، ومرتفعات الجولان، ناهيك بالابقاء على المنطقة العازلة لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
هذا مع عودتنا الى "المواقف التوراتية" لحزبي ايتامار بن غفير"القوة اليهودية" وبسلئيل سموتريتش "الصهيونية الدينية" اللذين يدعوان الى توسيع مساحة اسرائيل للتطابق مع حدود "الوعد الالهي"، وحيث الأجزاء المحتلة من لبنان وسوريا جزء من "أرض الميعاد".
هذا يحملنا الى الذهاب أبعد من ذلك. شئنا أم أبينا، ايران، كقوة مركزية، طرف أساسي في التفاعلات الجيوسياسية في المنطقة، وبالتالي في لبنان، ما يستدعي أن تكون شريكة، كما الدول الأخرى، في تحديد المسار التفاوضي له، ودون اغفال علاقة "حزب الله" بها، ما دامت كل فئة لبنانية على علاقة، قد تكون عضوية، مع جهة اقليمية أو دولية، لتأمين المظلة لها...
ليست الطائفة الشيعية وحدها، وحيث كتب لأكثرية أبنائها أن يكونوا في الجنوب المتاخم لاسرائيل، أمام لحظة وجودية. كل الطوائف الأخرى مهددة بالوقوع بين اشداق الحاخامات، وبرعاية أميركية، ما يحمل رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبان على السؤال "كيف تمكن بنيامين نتنياهو من أن يمتطي ظهر دونالد ترامب ؟"، لكي يمضي في ذلك الطريق التوراتي الى "تغيير الشرق الأوسط"، لكنها رقصة التانغو مع الزلزال. لا بد للراقص أن يقع ...
نبيه البرجي-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|