عربي ودولي

بين موسكو وكييف.. كيف تقود واشنطن سباق "السلام الإجباري" قبل نهاية العام؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كشفت مصادر أمريكية وأوروبية وروسية لـ"إرم نيوز"، عن خطوات متنامية؛ من أجل التوصل لتسوية سياسية للحرب الروسية الأوكرانية "قابلة للتنفيذ" قبل نهاية العام.

ويبدو أن ملف الحرب الأوكرانية انتقل بشكل جليّ إلى حراك واضح المعالم، يُعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة باتت تعتبر اللحظة الراهنة مناسبة لفرض تفاهم، أو على الأقل وضع خطوطه الأساسية، مستندةً إلى جمود الميدان وتراجع شهية الدعم لدى العواصم الغربية.

ويتزامن كل ذلك مع تصريحات لافتة صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن فيها أن الخطة الأمريكية يمكن أن تكون "أساساً للسلام" إذا تعاملت معها كييف بجدّية، محذراً من أن رفضها سيكون دافعاً لتقدّم القوات الروسية.

هذا الخطاب، الذي يجمع بين الترحيب المشروط والضغط العسكري، بدا جزءاً من مشهد أكثر تعقيداً، تُدرك موسكو فيه أن واشنطن تضع سقفاً جديداً للحرب، وأن اللحظة قد تكون مناسبة لشرعنة مكاسبها دون تكلفة إضافية.

وفي خضمّ هذا الحراك المتسارع، برزت تفاصيل أكثر وضوحاً حول مضمون الخطة الأمريكية التي تقترحها إدارة الرئيس دونالد ترامب كإطار للتسوية.

فالوثيقة، المؤلفة من 28 بنداً، تقوم على إعادة تشكيل ميزان الأمن في المنطقة عبر مزيج من القيود العسكرية على أوكرانيا، وضمانات سياسية وأمنية من واشنطن، ومقاربة أكثر ليونة تجاه موقع روسيا في النظام الدولي.

وتتضمّن الخطة تخفيض حجم القوات الأوكرانية إلى نحو 600 ألف جندي، وتعليق المسار العملي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والقبول بترتيبات تُبقي المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الروسية ضمن معادلة التفاوض، مقابل التزامات أمريكية وغربية بتأمين حماية جوهرية للمراكز الهيكلية للدولة الأوكرانية، ومنع أي هجوم واسع مستقبلي عليها.

تسوية انتقالية أمريكية
يقول مصدر رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية إن "واشنطن لا تسعى إلى فرض سلام مثالي بقدر ما تريد التأكيد على منع ولادة حرب ثانية قد تكون أكثر خطورة من الأولى".

وأضاف المصدر، لـ"إرم نيوز"، أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى الخطة الحالية بوصفها "ترتيباً انتقالياً" يهدف إلى تجميد خطوط التماس بطريقة تمنع موسكو من توسيع نفوذها، وفي الوقت نفسه تتيح لكييف فرصة إعادة بناء قدراتها الاقتصادية والمؤسسية بعيداً عن ضغط الجبهات.

وأوضح أن "بعض البنود الحساسة في الخطة، مثل تخفيض حجم الجيش الأوكراني أو تعليق المسار نحو الناتو، ليست تنازلات مجانية لروسيا كما يروّج البعض، بل أدوات لإخراج الحرب من المنطق الذي جعلها تستنزف الجميع".

ولفت المصدر إلى أن واشنطن تدرك أن أي التزام أمني طويل الأمد لأوكرانيا يجب أن يكون قابلاً للتنفيذ، وأن ذلك يستلزم ــ بحسب قوله ــ "تقليص مستوى الاحتكاك العسكري مع روسيا الآن، من أجل إنشاء بيئة تسمح للضمانات الغربية بأن تكون ذات مصداقية".

وكشف الدبلوماسي الأمريكي أن الخطة تحوي أيضاً جانباً "غير معلن" يتعلق بإعادة ضبط العلاقة بين موسكو والغرب، معتبراً أن واشنطن لا تُمانع في إعادة دمج روسيا اقتصادياً "إذا التزمت بوقف شامل ومستدام للعمليات الهجومية"، لأن الولايات المتحدة ترى أن "دفع روسيا بالكامل نحو الصين سيغيّر موازين القوة العالمية بطريقة قد يصعب احتواؤها لاحقاً".

وبحسب المصدر، فإن الإدارة الأمريكية تعتقد أن أوكرانيا قادرة على الخروج من هذا الاتفاق "غير منهزمة"، إذا تعاملت معه باعتباره محطة لتقوية الداخل.

وأشار إلى أن واشنطن تتوقّع أن تواجه كييف ضغوطاً شعبية وسياسية، لكنها ترى أن البديل عن التسوية الحالية "قد يكون فقدان الدعم الأمريكي في لحظة حرجة"، وهو ما وصفه المصدر بأنه "خطر أكبر من بنود الخطة نفسها".

ويختم قائلاً: "نحن لا نطلب من الأوكرانيين أن يسلّموا مستقبلهم لروسيا، بل أن يمنحوا أنفسهم فرصة لإعادة تشكيل أولوياتهم. الحرب لن تُحسم عسكرياً في الأشهر المقبلة، لكن يمكن احتواؤها سياسياً بطريقة تمنع الأسوأ. هذا هو المنطق الذي يقف خلف الخطة، وليس الرغبة في مكافأة موسكو أو الضغط على كييف للقبول بانتصار ناقص".

مقاربة واقعية
من جانبه، قال مصدر أوروبي في بروكسل إن القارة تنظر إلى اللحظة الحالية باعتبارها "نافذة ضيقة لوقف النزيف قبل أن تتسع الدائرة أكثر"، مؤكداً أن الأولوية الأوروبية لم تعد محصورة في دعم أوكرانيا عسكرياً فحسب، وإنما في "منع تحوّل الحرب إلى عامل تفكك داخل الاتحاد نفسه"، خصوصاً بعد تصاعد الأصوات الداخلية المطالِبة بمراجعة سياسة الدعم المفتوح.

وأضاف المصدر، لـ"إرم نيوز"، أن الخطة الأمريكية، رغم ما تحمله من بنود حسّاسة، تبدو في نظر عدد من العواصم الأوروبية "فرصة لالتقاط الأنفاس".

لكنه شدد على أن أوروبا لا ترى في المقترح "وصفة جاهزة للسلام"، بل "إطاراً أولياً" يمكن البناء عليه إذا ضُمنت فيه ثلاثة عناصر متمثلة بـ"حماية البنية السيادية لأوكرانيا، ومنع أي توسع روسي جديد، وتحديد آلية مراقبة دولية تُجبر موسكو على الالتزام بما تتعهد به".

وأشار الدبلوماسي الأوروبي إلى أن القارة "منقسمة في التفاصيل ومتوافقة في الجوهر"، موضحاً أن بعض الدول تميل إلى تشديد الضغط العسكري على روسيا قبل أي تفاوض، في حين ترى دول أخرى أن استمرار الحرب بالمعدّل نفسه سيؤدي إلى إنهاك أوكرانيا والاتحاد الأوروبي معاً.

"لا يمكن لأوروبا أن تدخل عاماً جديداً بهذه الوتيرة من الاستنزاف"، يقول المصدر، مضيفاً أن القارة تدرك أن اقتصادها، كما أمنها الطاقي والاجتماعي، لم يعد يتحمل حرباً مفتوحة بلا أفق.

ويرى المصدر أن التعامل مع المبادرة الأمريكية بواقعية "أمر لا مفرّ منه"، وأن على كييف أن توازن بين حماية سيادتها والحفاظ على التحالف السياسي والاقتصادي مع الغرب.

"لا أحد في أوروبا يريد فرض تنازلات على الأوكرانيين"، يقول المصدر، ويستدرك: "لكن الجميع يدرك أن الحرب وصلت إلى نقطة يصعب فيها الحديث عن انتصار كامل. المطلوب وقف آمن، مدعوم بضمانات قوية، يسمح بإعادة بناء الدولة الأوكرانية ويمنع أي مغامرة روسية مستقبلية".

براغماتية روسية مشروطة
يذكر مصدر دبلوماسي روسي، يعمل في ملف المفاوضات، أن موسكو تنظر إلى التطورات الأخيرة بوصفها "تحولاً ضرورياً" بعد أشهر طويلة من الجمود العسكري والسياسي، وأن روسيا تقرأ الخطة الأمريكية كإطار يمكن البناء عليه إذا توفرت ضمانات جدية بعدم استعادة دورة التصعيد.

وأضاف المصدر، لـ"إرم نيوز"، أن الموقف الروسي "أكثر براغماتية مما يعتقد البعض"، مؤكداً أن موسكو لا تربط التسوية برغبة في فرض شروط قاسية على كييف، بقدر ما هي "حريصة على إنهاء حالة عدم اليقين على حدودها".

ويرى أن النقاط التي تتحدث عن تخفيض القدرات العسكرية الأوكرانية أو إعادة صياغة مسار الانضمام إلى الناتو "ليست مطالب إذلالية، بل إجراءات روسية تعتبرها موسكو ضرورية لتقليل مستوى التهديد الذي تراه متصاعداً منذ عام 2014".

وأشار الدبلوماسي إلى أن روسيا تدرك أن أي اتفاق هشّ سيكون بلا قيمة، قائلاً: "لا نريد اتفاقاً ينهار بعد 6 أشهر، لأن ذلك سيعيد الجميع إلى وضع أكثر خطورة".

لذلك، تدفع موسكو - وفق تعبيره - نحو ترتيبات تضمن مراقبة دولية للالتزامات الأمنية، وتقديم ضمانات اقتصادية متبادلة، وتحديد خطوط تماس واضحة تمنع الاحتكاك المباشر.

ويؤكد أن روسيا مستعدة للالتزام بوقف كامل للعمليات الهجومية "إذا أصبح الاتفاق قابلاً للتطبيق، ومبنياً على فهم واقعي لموازين القوى".

احتواء وقائي
من ناحيته، اعتبر الخبير الأمريكي في شؤون الأمن الدولي وإدارة النزاعات، أندرو مايلز، أن الخطة الأمريكية المطروحة هي محاولة لإعادة ضبط المسار الاستراتيجي للحرب قبل أن يستحيل ضبط هذا الصراع المُنهِك للولايات المتحدة ولأوروبا معاً.

وقال مايلز إن "واشنطن وصلت إلى قناعة مفادها أن استثمار عامين ونصف العام في الدعم العسكري وصل إلى حدوده القصوى، وأن استمرار الحرب بهذه الوتيرة قد يفتح الباب أمام فراغات خطرة لا يمكن ضبطها".

ويشير إلى أن جوهر المقاربة الأمريكية يقوم على مبدأ "الاحتواء الوقائي"، أي منع توسّع الحرب، ومنع سقوط أوكرانيا، ومنع الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.

واعتبر أن البنود المتعلقة بتخفيض مستوى التسليح الأوكراني أو إعادة تقييم مسار الانضمام للناتو ليست "جوائز لروسيا"، وفق تعبيره، وإنما هي إجراءات يراد منها خلق بيئة سياسية يمكن من خلالها للضمانات الأمريكية أن تكون قابلة للتطبيق.

فرصة لتثبيت الحدود
من جانبه، اعتبر المحلل الروسي يفغيني كاراسوف، المتخصص في الشؤون الاستراتيجية الروسية وسياسات الأمن الإقليمي، أن موسكو تنظر إلى الخطة الأمريكية باعتبارها أول اعتراف عملي من واشنطن بأن الصراع لا يمكن حسمه عسكرياً، وأن المسار السياسي بات حتمياً.

وأوضح كاراسوف، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن روسيا لا ترى في المقترح الأمريكي انتصاراً، بل فرصة لتثبيت الحدود الجديدة ووقف نزيف الحرب.

وقال كاراسوف إن موسكو ليست في موقع الساعي إلى فرض شروط مذلة على كييف، لأن ذلك سيعيد إنتاج صراع جديد بعد سنوات قليلة.

وشدّد على أن أي اتفاق ناجح يجب أن يمنع تكرار سيناريو اقتراب الناتو من الحدود الروسية كما حدث في العقد الماضي، لذلك فإن البنود المتعلقة بتخفيض القدرات الهجومية الأوكرانية "من وجهة النظر الروسية ليست مطلباً عدوانياً، بل ضمانة لعدم عودة التوتر إلى مستوياته السابقة".

ويعتقد كاراسوف أن الترحيب الحذر الذي عبّر عنه بوتين بالخطة الأمريكية هو نتيجة حسابات ترى أن هذه اللحظة مناسبة لإغلاق ملف الحرب تدريجياً، بشرط ألا تُفرض على موسكو ترتيبات تمسّ بهامش أمنها الإقليمي.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا