هل تعيد واشنطن النظر بالمساعدات؟
شهدت العلاقة بين الإدارة الأمريكية والجيش اللبناني نكسة كبيرة غير مسبوقة بعد إلغاء اجتماعات مهمة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن ما دفعه إلى إلغاء زيارته التي كانت ستبحث في سبل دعم المؤسسة العسكرية واستمرار تقديم المساعدات. هذا التطور ليس مجرد أزمة بروتوكولية، بل يحمل دلالات استراتيجية عميقة، وقد يمهِّد لمراجعة شاملة لطبيعة التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وقيادة الجيش اللبناني التي منذ عام 1983 تعتمد على المساعدات الأمريكية ويرتدي ضباطها وعناصرها لباس الجيش الأمريكي.
وقد جاء إلغاء الاجتماعات من جانب واشنطن على خلفية بيان أصدره الجيش اللبناني قبل أيام من الزيارة، ألقى فيه باللوم الكلي على «العدو الإسرائيلي» في الانتهاكات ضد السيادة اللبنانية، متجاهلاً دور «حزب الله» في عرقلة خطة حصر السلاح بيد الدولة. ما دفع مسؤولين في الكونغرس الأمريكي إلى إستنكار البيان والتعبير عن «خيبة أمل» من عدم جدية الجيش في تطبيق خطة نزع السلاح.
ومَن يراجع تاريخ التعاون العسكري بين الجيش اللبناني وواشنطن يدرك الأهمية التي توليها الإدارة الأمريكية للمؤسسة العسكرية والتي بلغت أوجها تحت قيادة العماد جوزف عون والتي أهّلته ليصبح رئيساً للجمهورية بدعم أمريكي كامل. أما إلغاء الاجتماعات فيدل على أن الدعم الأمريكي ليس بلا حدود بل هو بات يرتبط بالتزام فعلي بسلسلة من الخطوات السياسية والأمنية أبرزها التخلي عن المماطلة والتسويف في ما يخص خطة حصر السلاح جنوب وشمال نهر الليطاني. ومن الواضح أن واشنطن أصابت من خلال رسالتها رئاسة الجمهورية التي هي من اختارت العماد رودولف هيكل لقيادة الجيش، وبالتالي تتوقع الإدارة الأمريكية من الرئيس جوزف عون أن يكون أكثر فاعلية في تطبيق خطاب القسم لناحية احتكار السلاح بيد الدولة، تحت طائلة إعادة النظر بالمساعدات في حال استمر التردد وغاب الالتزام السياسي.
غير أن الخطورة هو ما تسرّب عن مطالبة الموفدة الأمريكية مورغان اورتاغوس بإقالة قائد الجيش والتحريض عليه منذ فترة، ولاسيما بعد اجتماع متوتر في مقر وزارة الدفاع في اليرزة بين اورتاغوس وهيكل، حيث تتهم المبعوثة الأمريكية القائد بعدم تنفيذ المطلوب منه في مواجهة «حزب الله». وتزايد منسوب الاستياء بعد اقتراح قائد الجيش في جلسة مجلس الوزراء تجميد خطة حصر السلاح جنوب نهر الليطاني إلى حين وقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب الجيش الإسرائيلي.
وقد أكد عضو الحزب الجمهوري ومدير التحالف الأمريكي الشرق الأوسطي للديمقراطية توم حرب المطلب الأمريكي باستقالة قائد الجيش أو إقالته، وقال «إن الاسرائيليين يعرفون أن لا جدية لدى قيادة الجيش وأن هناك تنسيقاً مستمراً بين مسؤول وحدة الارتباط في حزب الله وفيق صفا وبين قيادة الجيش ليس على تسليم سلاحه وإنما على تحايلهم مع الجيش»، كاشفاً «عن وجود لائحة من ضباط الجيش المتعاطفين مع الحزب مطلوب إحالتهم على التقاعد في أسرع وقت لتنقية المؤسسات وعلى رأسها وزارة الدفاع».
وقال توم حرب اللبناني الأصل «إن الأمريكيين يتساءلون إن كانت الحكومة اللبنانية ستلجأ بعد هذه الصدمة إلى إقالة قائد الجيش أو دفعه لتقديم استقالته وتعيين قائد جيش سيادي غير مرتهن لحزب الله على أن تُفتَح بعدها صفحة جديدة من العلاقة بين الجيش وواشنطن بعد شعور الإدارة الأمريكية بحصول تغيير جذري».
إلا أن العارفين بطبيعة العلاقة بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش يستبعدون الإقدام على خطوة الإقالة أو الاستقالة بدليل تواجد الرئيس والقائد معاً قبل يومين في ثكنة بنوا بركات في صور عشية عيد الاستقلال، وتقدير الرئيس عون للجهود التي يبذلها هيكل مع معاونيه في تمكين المؤسسة العسكرية من القيام بمهامها بإخلاص وتفان.
ومن المعلوم أن الجيش اللبناني يخضع في النهاية لتوجهات السلطة السياسية، وهو غير عاجز عن تأدية المهام المطلوبة منه مهما كانت كبيرة بدليل خوضه بنجاح معركة «فجر الجرود» وكذلك خوضه المعركة المستمرة منذ فترة ضد تجار المخدرات في البقاع. وجاء توقيف نوح زعيتر أكبر تاجر مخدرات ليثبت أن الجيش عندما يحظى بالغطاء السياسي ويُتخذ القرار لا يتوانى عن تحمل مسؤولياته وتنفيذ المطلوب منه بكل كفاءة وشجاعة.
وقد رأى البعض أن توقيف نوح زعيتر الذي له صلات بـ «حزب الله» أريد منه بعث رسالة إيجابية إلى الإدارة الأمريكية بعد أزمة الزيارة، إضافة إلى خلو أمر اليوم للعسكريين من عبارة «العدو الإسرائيلي»، لكن خصوم «الحزب» في الداخل اللبناني رفضوا أي صفقة أو مقايضة بين «الحزب» والسلطة تقوم على رفع الغطاء والحماية عن تجار المخدرات والكبتاغون مقابل الاحتفاظ بسلاحه، معتبرين أن إلغاء أو إرجاء زيارة قائد الجيش اللبناني إلى الولايات المتحدة لم يكن ليتم لولا تمسك الشيخ نعيم قاسم بسلاحه، وبالتالي في اعتقادهم أنه من غير المقبول أن يبقى لبنان أسيرًا لدائرة الحرب لأن هناك مَن يريد الإبقاء على السلاح بموازاة مَن لا يريد الدخول في مواجهة معه بقوة الموقف.
من هنا، جاء موقف واشنطن بإلغاء زيارة العماد هيكل ليتردد صداها في قصر بعبدا ودفع الرئاسة الأولى إلى إظهار خطوات ملموسة وعدم الاكتفاء بخطط غير مؤمنة التنفيذ ومن دون مهل زمنية. وقد تكون الدعوة المرتقبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس اللبناني لزيارة واشنطن آخر فرصة لتصحيح الأداء والإفادة من الفرصة السانحة لبسط سيطرة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها وتصحيح العلاقة مع قائد الجيش.
سعد الياس - القدس العربي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|