لبنان مكشوف ماليّا وسياسيا: عقوبات جاهزة؟
مع اقتراب العهد من إكمال عامه الأوّل، بات من الضروريّ إجراء جردة شاملة للأوضاع السياسيّة والماليّة والأمنيّة في لبنان. في هذه السلسلة من المقالات، سنرسم صورة واضحة للمشهد العامّ بكل تفاصيله وتعقيداته.
بات لبنان اليوم مكشوفاً على كلّ المستويات، ليس فقط “الحزب” المخترق، بل حتّى مؤسّسات الدولة وإداراتها وأجهزتها الأمنيّة وقصور العدل، بالإضافة إلى الحسابات العامّة والخاصّة، والدفاتر السرّيّة للعديد من المسؤولين. كلّ الصناديق السود أصبحت معروفة ومكشوفة، ولا خيمة فوق رأس أحد. وهذا ما أُعلم به المسؤولون اللبنانيّون منذ فترة.
أوّل لقاء جمع قائد الجيش رودولف هيكل بالمبعوثة الأميركيّة مورغان أورتاغوس لم يكن جيّداً كما أصبح معلوماً. لكن بعدئذٍ أصبحت العلاقة جيّدة لدرجة أنّ لقاءهما الثاني كان من أفضل اللقاءات.
بالنسبة لواشنطن، العلاقة مع المؤسّسة العسكريّة ثابتة واستراتيجيّة ولا يؤثّر عليها أيّ عهد مهما كان سيّئاً. وبالتالي لا تدعو واشنطن إلى إقالة قائد الجيش، وقائد الجيش ليس بوارد الاستقالة. هو ثابت، يعمل تحت عباءة السلطة السياسيّة، يتحرّك وفق المعطى، ومتمسّك بثوابت وعقيدة المؤسّسة العسكريّة اللبنانيّة التي تقول إنّ إسرائيل هي عدوّ ومحتلّة لأراضٍ لبنانيّة.
سوء إدارة
في تقويم عمل الجيش، برز بيان لجنة “الميكانيزم” ما قبل الأخير الذي يُشيد بعمل الجيش. إلّا أنّ الإشكاليّة التي رافقت الاجتماع الأخير هي:
– أوّلاً: مطالبة إسرائيل بدخول الجيش إلى عشرات المنازل جنوب الليطاني على أنها تحوي سلاحاً، والجيش رفض على اعتبار أنّ المنازل مدنيّة، آخذاً بالاعتبار حرمة المنازل.
بناءً على هذه الإشكاليّة، بدأت إسرائيل باستهداف هذه المنازل بعد إبلاغ أهلها بالخروج منها. وهذا ما حصل في بلدة “يارون”، ثمّ انتقل إلى مناطق أخرى، ولن يتوقّف قبل أن تنتهي إسرائيل من بنك أهدافها في لائحة المنازل التي وضعتها.
– ثانياً: اتّهام إسرائيل الجيش اللبناني بعدم الدخول إلى مراكز الحزب، والمشاركة في تسهيل مرور السلاح إلى جنوب الليطاني، مقابل رفض الجيش لهذه الادعاءات وتأكيده أنّ احتلال إسرائيل يعيق استكمال انتشاره جنوبا.
ليست كافيةً هذه الإشكاليّات المتعلّقة بعمل الجيش وغيرها من الكلام عن تسهيل عمل “الحزب” في جنوب الليطاني بأشكال عدّة، لإبطال زيارة قائد المؤسّسة العسكريّة للولايات المتّحدة الأميركيّة. تتحدّث الدوائر الدبلوماسيّة في واشنطن عن سوء إدارة سياسيّة للبلاد وعن توقيت وتحضير سيّئ لهذه الزيارة، فكان إلغاء مواعيد هيكل رسالة مباشرة إلى السلطة السياسيّة.
لا يلبّي شروط المرحلة؟
بعيداً من الأوهام التي يحاول البعض تسويقها على أنّها حقائق، وبعيداً عن محاولات استرضاء الجميع، لأنّ ذلك لا يحجب حقيقة الموقف. فقدت واشنطن ثقتها وفقدت حماستها تجاه لبنان، وصارت أقرب إلى التخلّي عنه ووضعه في عهدة حليفتها إسرائيل بعدما آلت كلّ المبادرات الدبلوماسيّة إلى الفشل.
تستغرب مصادر دبلوماسية أميركية، أن يعلّق لبنان آمالاً ويبني حقائق في العمل السياسي على خلفية سؤال عرضي للرئيس ترامب على هامش لقائه عمدة نيويورك. لأن جواب ترامب مرتجل لدرجة أنه دعا العمدة للانضمام إلى الاجتماع حول السلام في الشرق الأوسط! وبحسب المعلومات، لا دعوة أميركيّة لرئيس الجمهوريّة للقاء الرئيس ترامب، لأنّ أيّ دعوة ستحصل تحتاج إلى مسار يفترض بلبنان أن يأخذه بشكل جدّيّ وبكلّ مكوّناته.
لم يلتقِ رئيس سوريا أحمد الشرع، على سبيل المثال، ترامب إلّا بعد عمل طويل بين فريقَي العمل وفق أجندة واضحة، على الرغم من كلّ الإشكاليّات المطروحة حول الواقع السوريّ الذي لا يخلو من الأزمات المختلفة، كانت داخليّة أم خارجيّة.
في الخلاصة، لم يحمل خطاب الرئيس في عيد الاستقلال جديداً بحسب الدوائر الدبلوماسيّة في واشنطن. فهو متوازن لبنانيّاً بشكل سليم وعاقل، لكنّه لا يلبّي شروط المرحلة بعد.
لبنان مكشوف ماليّاً: عقوبات جاهزة؟
بعد كلام المبعوث الأميركيّ توم بارّاك عن دخول أموال إلى “الحزب” بعد الحرب، تبيّن بحسب الدوائر المقرّبة من الخزانة الأميركيّة أنّ أجهزة رسميّة وشخصيّات سياسية رفيعة المستوى متورّطة بتسهيل دخول هذه الأموال. وبالتالي أصبحت جاهزةً في وزارة الخزانة رزمةٌ من العقوبات على عدد من رجال الأعمال، موثّقة بأدلّة تثبت تهريب وتبييض أموال لـ”الحزب” أو لمنظومة الفساد في لبنان. إلّا أنّ إعلان هذه العقوبات وأسماء هذه الشخصيّات الرفيعة جدّاً في مواقعها الرسميّة حاليّاً ينتظر لحظة سياسيّة لم تأتِ بعد.
كان وفدُ الخزانة الأميركيّة الذي زار لبنان مؤخراً واضحاً بكلامه في لقاءاته كافّة، وهو لم يطلب بحسب معلومات “أساس” موعداً من عين التينة بل تعمّد أن يغيب عنها لأنّ موقف واشنطن من برّي ليس أقلّ قسوة من موقفها تجاه رئيس الجمهورية، فتعتبر أنّها راهنت طويلاً على الرئيس برّي ليلعب دوراً مفصليّاً في هذه المرحلة، وهو اليوم بحسب تقديراتها لا يلبّي المهمّة.
أعطى وفد الخزانة الأميركيّة مهلة ستّين يوماً، وهي ليست “مزحة”. الجدير بالذكر أنّ المطلوب من لبنان الدخول إلى مسار الإصلاحات الاقتصاديّة التي تؤدّي إلى منع اقتصاد الكاش، كإعادة هيكلة المصارف، إقرار قانون الانتظام الماليّ لاستعادة الثقة وضبط الحدود البرّيّة والبحريّة والجوّيّة. وهي ورشة تشارك فيها المملكة العربية السعوديّة بشخص الأمير يزيد بن فرحان، وتحديداً في زيارته التقنيّة الأخيرة لضبط الحدود، على أن يتمّ السماح لاحقاً للصادرات اللبنانيّة بأن تصل إلى أراضي المملكة.
إذاً هي مهلة لآخر العام، وما بعدها عقوبات وتهديد بتحويل لبنان إلى القائمة السوداء، وهذا ما يمكن أن يكون أخطر من الحرب نفسها. إذ تمنع اللائحةُ السوداء لبنانَ من استيراد الكثير من الموادّ حتّى الأساسّية منها، وفي ذلك حصار مطبق يرثه لبنان عن سوريا.
عايدت الخارجيّة الأميركيّة لبنان بالاستقلال. لكن لا يُفترض أن يؤخذ اللبنانيون بالصياغات الدبلوماسيّة لأنّ السياسة الأميركيّة تجاه لبنان تصل في تقويمها إلى أنّ الرهان على السلطة اللبنانيّة هو رهان خاطئ، وإذا لم تسلك مع واشنطن فستُترك لتل أبيب.
بغضّ النظر عن صوابيّة هذه القراءة، تبقى تداعياتها خطرة على كلّ اللبنانيين وليس فقط على “خصوم واشنطن” في لبنان، لأنّ التداعيات ستطال الجميع دون استثناء. لذلك لا يزال في الكواليس من يعمل بهدوء وبعقل بارد لكي يجنّب لبنان السقوط في هذه الهوّة الكبيرة بين قراءة واشنطن والقراءة اللبنانيّة الخاصّة والمختلفة. وهذا ما لا تزال تعوّل عليه بعض الدوائر قبل إعلان الفشل التامّ.
جوزفين ديب - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|