الصحافة

سوريا : جريمة كادت تشعل فتنة في حمص... ماذا حصل؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شهدت أحياء عدة في حمص، بدءا من صباح الأحد، توترا أمنيا راح منسوبه يتعالى على وقع التحريض الطائفي غير المسبوق منذ شهر تموز. وهذا التوتر جاء على نحو « تلقائي» وسريع، بعد انتشار أخبار الجريمة المروعة التي شهدتها بلدة زيدل، جنوب حمص ذات الغالبية السنية والأقلية المسيحية، حيث أقدم مجهولون على قتل عبد الله العبود وزوجته داخل منزلهما. وقبل أن يغادر هؤلاء عمدوا إلى كتابة عبارات على جدران المنزل، من نوع « يا حسين»، و«يا علي»، والعبارات وفقا لما تظهره الصور المنشورة، كانت قد كتبت بدم الضحايا لخلق حالة من السعار الطائفي، كانت لازمة كما يبدو، لتعميق «الصدع» الذي شهدته حمص منذ نهاية العام 2011 وحتى اليوم.

وفور انتشار أخبار الجريمة، رفعت مئات الصفحات شعار «الأخذ بالثأر»، فيما أكدت العديد من تلك الصفحات، أن العبارات التي تركها الجناة «بينة» وأن لا حاجة لأدلة أخرى، الأمر الذي كان من نتيجته تقاطر المئات من المسحلين من «بني خالد» إلى حي «المهاجرين«، ذي الغالبية العلوية، وسرعان ما تمدد هؤلاء إلى أحياء عدة في المدينة، مثل حي «الأرمن» و«الفردوس» و «شارع الستين». وقد أظهرت عشرات المقاطع المصورة قيام مجموعات من العشائر بإطلاق الرصاص العشوائي، وحرق السيارات، وتكسير المنازل والممتلكات.

وفي اتصال أجرته «الديار» صباح الأحد مع ( م. أ )، وهو من سكان حي «المهاجرين»، أكد أن «عمل قوات الأمن يقتصر حتى الآن على تفريق المهاجمين، من دون قيامها باعتقال أحد منهم»، على الرغم من أن وزارة الداخلية السورية كانت قد أكدت في منشور لها على «فيسبوك»، بأنها «اتخذت جميع التدابير اللازمة لضمان حماية المدنيين واستقرار المنطقة»، وكذلك فعل مدير الأمن الداخلي في حمص العميد مرهف النعسان، الذي ذكر إن «الجهات المختصة باشرت فور تلقي البلاغ بتطويق المكان، وجمع الأدلة، وفتح تحقيق موسع للكشف عن ملابسات الجريمة، وتحديد هوية القاتلين وملاحقتهم، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن المدنيين، واستقرار المنطقة».

لكن كل ذلك لم يكن له أثر كبير في كبح ما يجري على الأرض، فقد استمرت الإنتهاكات على وتيرتها المتصاعدة إلى بعد الظهر، الأمر الذي دعا ناشطون من الأحياء التي تتعرض للإعتداء، إلى اعتبار قوات الأمن «متواطئة» أو «متعاطفة» على أقل تقدير مع المهاجمين، ومن المؤكد أن المواقف التي صدرت عن العديد من الأطراف المحلية والدولية، كانت قد ساعدت في احتواء الموقف.

فبعد ظهر الاحد عمدت وزارة الداخلية إلى إرسال تعزيزات كبيرة إلى المدينة، بغرض فرض سيطرتها التامة عليها، وقد جاء ذلك بالتزامن مع تصدير خطاب «تهدوي»، كان الأبرز منه منشورها الذي ذكر إن «التحقيقات الأولية تؤكد أن جريمة زيدل جنائية وليست طائفية»، ولعل ذلك ساعد كثيرا في خروج «أولياء الدم»، الذين ظهروا في مقطع مصور يطالبون فيه الحكومة بـ «تحمل مسؤولياتها» و«تقديم الجناة إلى العدالة».

وعلى الأرض ساعد قرار الحكومة بفرض حظر تجول تام على المدينة، ما بين الخامسة من عصر الأحد والخامسة من فجر الإثنين، وجرى تمديد القرار إلى الخامسة من عصر الإثنين، وكل هذا، ادى الى عودة الهدوء إلى المدينة من جديد، بالرغم من «الضجيج» الذي عمل العديدون على إثارته.

ولربما قرأ العديد من هؤلاء تصريح المبعوث توم براك على إنه «إشارة» مشجعة على «الإستثمار» لمن يريد، حين قال «أتابع عن كثب التطورات المقلقة في حمص، بما في ذلك الهجمات ضد المدنيين والممتلكات»، لكنه أضاف «أتابع جهود السلطات الإنتقالية لمعالجة الموضوع، وأشدد إلى الحاجة الملحة لإعادة الهدوء، وحماية المدنيين واحترام القانون»، من دون أن يعني ذلك أن كل الأصوات، التي خرجت مطالبة بوقف الإعتداء على الآمنين وحماية السلم الأهلي، كانت تندرج تحت بند «الإستثمار» المذكور.

في صورة المشهد المرتسمة حتى منتصف ليل الأحد، وبعيدا عن الأخبار التي تناقلتها صفحات عديدة، لم تسجل أي حادثة قتل على الإطلاق، لكن الثابت هو وقوع 23 من المصابين بطلق ناري، وقد نقلوا بسيارات إسعاف حكومية إلى مستشفيي الزهراء وكرم اللوز، على ما أكده الطبيب م .د في اتصال مع «الديار».

ان العمل على تصدير هذه الصورة، لا يعني بالتأكيد أن السلوك الأمني والإعلامي للحكومة كان «ورديا»، أو لا تشوبه شائبة، فالمؤكد أن ثمة مآخذ كانت واضحة على ذلك السلوك:

- في السلوك الأمني، يمكن القول أن تدخل قوات الأمن جاء متأخرا، ولا يمكن اعتبار التبريرات التي قدمت، من نوع استقدام تعزيزات من مسافات بعيدة، على إنها كافية.

- في السلوك الثاني، قدم الإعلام الرسمي مشهدا بدا غير محايدا فيه، من حيث أنه ركز على جريمة زيدل المدانة بالتأكيد، ثم أهمل بدرجة كبيرة مشاهد السلاح المتفلت، الذي أظهرت عشرات المقاطع، أنه كان يتمتع بالحرية والجرأة الكاملين، وهو يمارس فعل الإستباحة القصوى لأحياء المدنيين الآمنين.

آلاف المدنيين في حمص عاشوا يوما من الرعب والذعر والهروب، فيما من المؤكد أن المتراصفين على ضفتي الحدث، كانوا قد جهدوا للإستثمار فيه. فعلى الضفة «المستثمرة» في جريمة زيدل، كانت الأهداف تصل إلى حدود أن تصبح «الهوية» تهمة بحد ذاتها، وعلى الضفة «المستثمرة» في جريمة الإنتهاكات، كانت الأهداف تصل إلى حدود تكرار «سيناريو السويداء»، أو آخر شبيه له.

والمؤكد حتى الآن، إن كلا «الإستثماران» قد فشل، ولعل السبب البارز الذي يقف وراء ذلك الفشل، هو التغير الملحوظ في أداء الحكومة، عن ذاك الذي حصل في شهري آذار وتموز الفائتين في الساحل والسويداء على التوالي، ولربما يحسب لذاك الأداء الآن، وبعد عودة الهدوء النسبي لمدينة حمص، أنه كان أكثر إيجابية، وأكثر حرصا على وحدة النسيج المجتمعي، وأكثر قدرة على «وأد» النيران في مهدها.

عبد المنعم علي عيسى - الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا