سعيّد يريد إحراج منصوري حتى إخراجه… هل تتكرر تجربة ناصر السعيدي؟
طفت إلى السطح مؤخراً الخلافات “الدفينة” بين حاكم مصرف لبنان كريم سعيّد ونائبه الأول وسيم منصوري، والتي بات عمرها ٨ أشهر، أي منذ تولي سعيّد مهامه كحاكم للمركزي، ولو أنه حاول أكثر من مرة نفيها. لكن المحيطين بهما يؤكدون أن سبب النزاع بينهما له شقّان: الأول شخصي يتعلق باعتداد الحاكم بنفسه وطباعه “الجردية”، أي أنه يسمّي الأشياء بأسمائها وبشكل فجّ، مستنداً إلى أنه أتى إلى الحاكمية مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية وأطراف مصرفية، ولا يضع في حسابه مراعاة أي طرف داخلي، حتى لو كان بوزن الرئيس نبيه بري، لأن مضايقة نائب الحاكم الأول تعني مضايقة رئيس المجلس النيابي. في حين أن شخصية منصوري (المعتدّ بنفسه أيضاً) تحرص على عدم قطع “شعرة معاوية” حتى مع أخصامه.
السبب الثاني للخلافات هو عام وسياسي، وله علاقة بمحاصرة كل ما له علاقة بالثنائي الشيعي ولا سيما على الصعيد المالي، وهذه أبرز توصيات وزارة الخزانة الأميركية. ويُعد منصوري ممثلاً للثنائي في مصرف لبنان، في الوقت الذي يملك فيه سعيّد صلاحيات مستمدة من قانون النقد والتسليف لمحاصرته وإحراجه حتى إخراجه، تماماً كما حصل سابقاً بين الحاكم السابق رياض سلامة والوزير السابق ناصر السعيدي (الذي كان نائباً أول لحاكم مصرف لبنان قبل تعيينه وزيراً للاقتصاد والتجارة). وفي هذا الإطار، لا يمكن عزل أداء سعيّد تجاه منصوري عن موقع الثنائي الشيعي السياسي في البلد، الذي بات أضعف من السابق ولا يمكنه فرض شروطه في الشأن الداخلي، بل لا خيار أمامه سوى القبول بالموجود.
اليوم، الفرصة متاحة أمام سعيّد لتكرار تجربة السعيدي، خصوصاً أن الوضع السياسي للثنائي لم يعد مؤثراً وقاطعاً في السياسات الداخلية على غرار ما كان قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة. والدليل أن المدّعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو يعمل حالياً على استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩، لكنه يحتاج إلى تعاون هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها الحاكم، لكن سعيّد يرفض ذلك لأن شعيتو محسوب على الثنائي، ولا يريد الدخول في ملف التحويلات إلى الخارج على طريقة النيابة العامة المالية.
في الشق المهني، يجزم مصدر مطّلع أن سعيّد لم يكن متحمساً لإعادة تعيين منصوري كنائب حاكم أول، وعمل على منع ذلك بكل الوسائل، منها على الصعيد الإعلامي، حيث تم تسريب أخبار بأن منصوري كان يبالغ في مصروفات السفر إلى حد التربّح غير المبرر، وتم التسريب أيضاً أن هناك عقداً قانونياً للمصرف المركزي مع مكتب محاماة له صلة مع منصوري.
حين تم تعيين منصوري نائباً للحاكم، شعر بقوة الدعم من الرئيس بري وأنه انتصر على محاولات سعيّد لإبعاده. والمناكفات الشخصية بين الرجلين بدأت منذ يوم التسلم والتسليم. كان منصوري مُنتشياً لأنه عاد إلى منصبه رغماً عن إرادة سعيّد، وفي خطابه الطويل أسهب بالكلام عن إنجازاته، مما أزعج الحاكم. وفي الشكل، كانت كرسيّه (من حيث الارتفاع) توازي كرسي الحاكم، بينما كراسي النواب الآخرين كانت أكثر انخفاضاً.
ردّ سعيّد كان بمحاصرته وتقريب النائب الثالث سليم شاهين. ومنذ استلام الحاكم مهامه، لم يحضر منصوري اجتماعات المجلس المركزي سوى مرتين، وتم إبعاده أيضاً عن اجتماعات قانون إصلاح المصارف، وقانون الفجوة المالية، وكيفية محاربة اقتصاد الكاش. ومسودة قانون الفجوة المالية كتبت بين سعيّد وشاهين من دون إطلاع منصوري عليها بالتفصيل. ومنذ بداية ولايته، حاول سعيّد فرض هيمنته على التشريعات المتعلقة بقانون إصلاح المصارف والفجوة المالية ومحاصرة اقتصاد الكاش ومحاصرة حزب الله، وتعريف الأزمة المالية بأنها أزمة نظامية، لكي تكون له اليد العليا ويفرض مخرجاً استثنائياً للأزمة وللمصارف من خارج القواعد والأصول العالمية ومنهجية صندوق النقد. بعدها بدأت التسريبات (عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي) بأن منصوري يتحمل (جزئياً) مسؤولية تفشي اقتصاد الكاش كونه كان متساهلاً مع شركات تحويل الأموال.
برأي المطلعين، هذه المحاصرة لمنصوري ستنسحب على المرحلة المقبلة، لأن قانون إصلاح المصارف الذي تم إقراره يفترض أن يكون النائب الأول موجوداً في الهيئة المصرفية العليا التي يجب تشكيلها. وبحسب قانون النقد والتسليف، الحاكم هو من يوزع المهام على نواب الحاكم، ومن المستبعد أن يوكّل سعيّد هذه المهمة لمنصوري في ظل الخلافات الموجودة، لأنه ليس واضحاً في قانون النقد والتسليف ما هي مهام نواب الحاكم بالتحديد، بل يعود للحاكم كيف يوزع المهام على النواب. وحتى اللحظة، هناك محاصرة وإهمال شديد لمنصوري وسيستمر ذلك في المرحلة المقبلة. لذلك، هناك من ينصحه بقبول رئاسة مجلس إدارة بنك إنترا (ومن المرشحين أيضاً الوزير السابق غازي وزنة)، بدلاً من البقاء مهمشاً خلال ولاية الحاكم لست سنوات.
حالياً هناك تعيينات جديدة وقريبة في بنك إنترا وكازينو لبنان والميدل إيست. بنك إنترا سيكون له دور لأن جزءاً من أصوله سيدخل للتعويض على المودعين، لأن موجودات مصرف لبنان في هذه المؤسسات الثلاث ستتحول إلى ضمانات للسندات التي ستُعطى لكبار المودعين، ما يعني أنه سيكون لمنصوري دور فاعل في إدارة هذه العملية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|