برّاك يُروِّج لـ"الفرصة الأخيرة": 6 شروط لمنع الحرب
من دون أيّ مقدّمات، تنظر الولايات المتحدة إلى علاقتها مع الرئيس جوزيف عون وقائد الجيش العماد رودولف هيكل من زاوية واحدة لا غير: نزع سلاح حزب الله!
ومنذ ما لا يقلّ عن خمسة أشهر، يتصرّف الأميركيون على أساس أنّ الوقت حان ليُنفِّذ عون تعهّداته في ما يخصّ الحزب، وأنّ المهلة التي طلبها قد انتهت. ولم يعد النقاش يدور حول اتخاذ الحكومة قراراً بحصر السلاح، بل حول كيفية تنفيذ هذا القرار، مع تبدّل جوهري في المقاربة الأميركية يقوم على أنّ واشنطن لا ترى نفسها مضطرة إلى الحصول من إسرائيل على خطوات ميدانية يطالب بها لبنان، بل تعتبر أنّ المسألة محصورة في ما يتوجّب على لبنان أن يقوم به.
ومع تلبّد الغيوم في سماء العلاقة بينه وبين الأميركيين، بدا أنّ رئيس الجمهورية دخل في أزمة حقيقية مع الإدارة نفسها لا مع الموفدين فقط. فبعد الصدمة التي تلقّاها من المبعوثة الأولى مورغان أورتاغوس وطريقة تعاطيها، عاد وواجه النهج ذاته مع المبعوث الجديد توم برّاك، الذي كان صريحاً في التعبير عن تغيّر رأيه في الرئيس عون بعد كل زيارة يقوم بها لبيروت، حتى بات يجاهر بأنّ «الحوار الفعّال» يتمّ اليوم مع الرئيس نبيه برّي.
لكنّ براك لم يقطع التواصل مع الرئيس عون، بل حافظ على خطوط اتصال مفتوحة مع محيط رئيس الجمهورية، مستفيداً من علاقة الصداقة التي تربطه برجل الأعمال السوري - اللبناني - الأميركي جمال دانيال، صديقه في الأعمال وصاحب العلاقات الجيدة في لبنان، والذي تعهّد لعون بإبقاء قنوات الاتصال قائمة، وأمَّن خطاً مباشراً بين برّاك وجان عزيز، بصفته مستشاراً سياسياً للرئيس. ويتردّد أن برّاك كان أكثر صراحة في محادثاته مع عزيز، على أمل أن ينقل الأخير الأجواء كما هي إلى عون، خصوصاً بعد تعثّر «دبلوماسية الأوراق» التي جاء بها برّاك إلى بيروت، والتي أضاف إليها بنوداً تتعلق بالإصلاحات المالية والاقتصادية، بعدما بدا واضحاً التباين بينه وبين أورتاغوس حيال هذه الملفات.
فبرّاك يرى أن «فرقة المصرفيين» التي تهيمن على القطاع المالي والنقدي في لبنان تُعدّ مصدر خطر، في حين كانت أورتاغوس، مأدُبةً بعد أخرى ورحلة إثر رحلة، تُبدي قدراً كبيراً من «التفهّم» لملاحظات المصرفي أنطون الصحناوي بأن الإصلاحات ليست أولوية الآن، وأن المهم قبل كل شيء هو إبعاد حزب الله عن المشهد. وقد كشفت المداولات الأخيرة في العاصمة الأميركية، بما في ذلك ما نُقل عن مسؤولين في الإدارة، أن موقف الصحناوي الذي «يعبّر عن شريحة من اللبنانيين» يحظى بدعم خاص من اللوبي الإسرائيلي، الذي يرى أن لبنان «سيكون أفضل حالاً من دون الحزب».
مع مرور الوقت، بدا أن برّاك وقع أكثر فأكثر في شِباك المصالح الإسرائيلية، وصار يُعبّر بوضوح عن قناعته بأن الخرق الحقيقي في الجدار يبدأ من حسم ملف السلاح. ومع ذلك، لم يكن الرجل مرتاحاً إطلاقاً لما تفعله إسرائيل في سوريا. وقد انتقدها قبل أيام قائلاً لمقرّبين، عقب زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة لجنوب سوريا، إن الأخير «يتعمّد إذلال أحمد الشرع، رغم أن الأخير يتعاون معنا إلى أبعد الحدود».
وكان برّاك قد زار تل أبيب قبل أسابيع، وبحث مع نتنياهو في ملفَّي لبنان وسوريا (يتردّد في إسرائيل أنّه لم يلتقِ «بيبي» الذي لا يكنّ ودّاً له)، وأكّد أنه صارح رئيس حكومة إسرائيل بأن سلوك إسرائيل في لبنان وسوريا لا يساعد الخطة الأميركية لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة. إلا أن ما لفت برّاك بشكل خاص لم يكن فقط «إهمال بيبي المتعمّد لكل الطروحات المتعلقة بسوريا»، بل أيضاً حديثه المتعالي عن لبنان، وتكراره أمام الحاضرين: «حزب الله في جيبتي الصغيرة، ولا أعرف لماذا يخاف منه الناس هناك. ليس أمام لبنان سوى إخضاع الحزب ونزع سلاحه قبل أيّ بحث معنا».
وفي هذه النقطة تحديداً، وبدلاً من أن يواجهه اللبنانيون بأسئلة عن مصير تعهّداته السابقة، سواء تلك المتعلقة بإقناع إسرائيل بوقف الاعتداءات، أو الانسحاب من النقاط المحتلة، أو إطلاق سراح الأسرى، بات برّاك يتحدّث عن «الأمر الواقع الأقوى من الجميع».
الحملة على عون: لا يفهم علينا ولا يريد أن يفهم
بعد آخر زيارة له إلى لبنان، كثُر الحديث عن احتمال إبعاد برّاك عن ملف لبنان، ليتبيّن أنّ هناك تنظيماً جديداً لإدارة ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض، إذ تمّ تكليف شخصية من مجلس الأمن القومي للنيابة عن الرئيس ترامب في التنسيق مع المسؤولين، وتشكّلت «مجموعة عمل» ضمّت برّاك نفسه، والمبعوث ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية مارك روبيو، فيما حُصرت مهمة مورغان أورتاغوس في متابعة ملف لجنة الـ«ميكانيزم» والتنسيق المباشر مع القيادات العسكرية في لبنان وكيان الاحتلال.
في هذه الفترة، صار برّاك كثير الكلام وسريع الانفعال، وازدادت انتقاداته للمسؤولين اللبنانيين، خصوصاً للرئيس عون، حتى إنّه صار يسمّي بعض مستشاريه بالاسم، ويتحدّث عن «فساد» و«سلبطة»، حتى إنه امتنع أخيراً عن الاجتماع المباشر مع جان عزيز في باريس، مكتفياً باتصال هاتفي طويل.
وبات هاجس برّاك في كيفية إيصال رسالة إلى عون، والرئيسين نبيه بري ونواف سلام وقائد الجيش، مفادها أن الأمور تغيّرت تماماً، وأن على لبنان «التعامل بواقعية» وإدراك أن «هناك أموراً كثيرة تغيّرت وتفرض نفسها على الجميع». ومع أنه أقرّ مراراً بأن إسرائيل لا تساعده لا في لبنان ولا في سوريا، تبنّى السردية الإسرائيلية من دون نقاش، فصار يكرّر الرواية عن «تعاظم قوة حزب الله في لبنان»، وينتقد رئيس الحكومة والجيش اللبناني بالقول إنهما «لا يفعلان شيئاً في مواجهة هذا التعاظم»، قبل أن ينتقل دفعة واحدة إلى طرح ما تمّ التعارف عليه كعرض «الفرصة الأخيرة» على القيادة الرسمية في لبنان.
ولدى برّاك، كما لدى مسؤولين أميركيين آخرين، رواية حول زيارة الرئيس عون إلى نيويورك، ومفادها أنه كانت معروضةً على عون زيارة البيت الأبيض، لو أنه التزم شخصياً، ومن خلال الحكومة، ببرنامج عمل محدّد مع جدول زمني لنزع سلاح حزب الله في كل لبنان، وليس فقط جنوب نهر الليطاني.
نحو الشروط الستة
برّاك، بوصفه رجل صفقات، كان يعبّر عن ضيق شديد من ما يسمّيه «المماحكات اللبنانية» في صياغة ما هو متوقّع أو مطلوب. وكان يستخدم كلمات نابية عند سماعه تصريحات لمسؤولين لبنانيين يتحدّثون عن العودة إلى اتفاقية الهدنة أو عن التنفيذ الكامل للقرار 1701. وعندما يسأله متّصلون به عن المقصود، يجيب: «لا يهمّني ما تقولون، ما يهمّني هو نتيجة ما نتوصل إليه، وهو بحسب تعريفنا: إنهاء الصراع العسكري بين لبنان وإسرائيل، ونقطة على السطر».
وكالعادة، يحلو لبرّاك تذكير الجميع بـ«النموذج السوري»، متحدّثاً عن موقع لبنان في المشهد الإقليمي والدولي. ويقول عن أحمد الشرع: «لم يهتم لكل الكلام الدبلوماسي، فهو يعرف المطلوب، وذهب إلى مفاوضات مباشرة وعلنية مع إسرائيل، فرددنا له الجميل بأن وفّرنا له المزيد من الحصانة، وفتحنا الأبواب أمام حكومته للسير قدماً نحو مرحلة تُخرِج سوريا نهائياً من دائرة العزلة». ولا يتوقف برّاك عند هذا الحد، فهو يحرص على التأكيد أنه يتشارك مع ترامب في العديد من الأمور، أبرزها كيفية العمل لإتمام صفقة. لكنه يضيف: «رئيسي ليس طويل البال، وصبره ينفد بسرعة، وعلى لبنان أن يفهم ذلك، ويقتنص الفرصة الأخيرة». وعندما يُسأل مباشرة عن مقصده، يجيب مشيراً إلى ما بات يُعرف اليوم بـ«الشروط الستة»، وهي:
أولاً: على لبنان أن يتصرّف بواقعية، والاعتراف بأن اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 27 تشرين الأول 2024 قد سقط، وأن الأحداث أثبتت عدم فعاليته، وبات من غير المُجدي النقاش حوله.
ثانياً: على لبنان أن يفهم أن المطروح الآن هو الانخراط في محادثات مباشرة بين وفدين لبناني وإسرائيلي برعاية أميركية، على أن يكون التمثيل اللبناني عالي المستوى وحاصلاً على تفويض علني من الحكومة، حتى لو اختار رئيس الجمهورية من يمثّل لبنان. كما يجب على لبنان الاقتناع بأن «المحادثات التقنية» ليس لها مكان على طاولة البحث.
ثالثاً: يمكن للبنان أن يحقّق من خلال المفاوضات المباشرة أكثر بكثير مما يمكن أن يحقّقه عبر المحادثات بالواسطة. وإذا كان المسؤولون اللبنانيون يهتمون بمصالح بلادهم فعليهم مراجعة الاتفاق الذي أبرموه مع إسرائيل بشأن الحدود البرية، حيث أسفر عن الاعتراف بحصص إضافية لإسرائيل ومنحها نفوذاً وحرية حركة واسعة، مقابل طموحات لبنانية بعوائد غير مضمونة وتقييد حرية العمل في البحر.
رابعاً: الاتفاق بين اللبنانيين على أن الوقت قد حان للتخلّص من حالة حزب الله، مع التركيز على الجناح العسكري، وأن واشنطن مستعدّة، بالتعاون مع دول عربية مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، لتوفير تمويل ضخم يساهم في خلق «مخرج مشرّف» للحزب، وتحويله إلى حزب سياسي، مع الحفاظ على نفوذه من خلال برامج إعمار واسعة في المناطق التي تضمّ جمهوره.
خامساً: الحصول على إقرار من حزب الله بالتخلّي عن السلاح، ووضع خطة تشرف عليها الولايات المتحدة تتضمّن جدولاً زمنياً لنزع السلاح. على أن تبدأ المرحلة بإعلان الحزب نفسه التخلّي عن العمل العسكري ضد إسرائيل. عندها، ستساعد أميركا لبنان على التحوّل إلى دولة مكتملة الأركان، تديرها مؤسسات واحدة في السياسة والأمن والاقتصاد.
سادساً: اقتناع الأطراف اللبنانية، سواء السياسية أو أصحاب النفوذ في القطاعين المالي والنقدي، بضرورة الاستماع إلى مطالب صندوق النقد الدولي، ووضع آلية تجعل لبنان منخرطاً في تلبية الشروط العالمية للنشاط المالي، وهو ما سيمكّنه من إطلاق برنامج شامل لمكافحة الفساد.
البديل حرب بلا حدود
كل ما سبق من قراءة للموقف الأميركي لا يكتمل من دون إقران العروض بالتهديدات في حال عدم الانصياع لها. وفي هذا السياق، يبدو أن الحديث لا يقتصر على برّاك وحده، إذ تتولى أورتاغوس جانباً من المهمة، إلى جانب عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، مع ما يُسرّب من تصريحات عن ستيف ويتكوف، مع الإشارة إلى أن البيت الأبيض لا يزال يمتنع حتى اللحظة عن إقحام الرئيس ترامب نفسه في السجال حول لبنان. وجوهر التهديد الأميركي لا يقتصر على أن «نترك لبنان لمصيره، وليتكفّل به نتنياهو أو حتى أحمد الشرع»، بل يشمل أيضاً ما يردّده حلفاء أميركا العرب، خصوصاً الجانبين السعودي والإماراتي، الذين يشيرون إلى أن «عناد لبنان في مواجهة العرض الأميركي يعني تعرّضه لانهيار أكبر وأسرع في المرحلة المقبلة، ولن يكون بمقدور أي سائح عربي زيارته».
أمّا بشأن التهديدات المباشرة للدولة اللبنانية، فهي تصدر أولاً عن اللوبي الناشط في الولايات المتحدة، خصوصاً مع تكرار إرسال التقارير إلى وزارة الخارجية حول ما يُسمّى بـ«السلوك الشائن» لقائد الجيش اللبناني. كما تتضمّن التهديدات التلميح إلى أن روبيو لن يتردّد في إصدار أوامر لتخفيض قيمة برامج المساعدات للبنان، وأن البنتاغون نفسه قد لا يستمر في توفير الدعم العسكري الذي يقدّمه اليوم للجيش اللبناني.
الاخبار - ابراهيم الامين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|