كيفَ كشفت إسرائيل الطّبطبائي؟
كيفَ كشفت إسرائيل مكان هيثم علي الطبطبائي؟ ماذا يعني استهدافه؟ كيف يشبه اغتياله اغتيالَ سلفهِ فؤاد شُكر؟
ليس تفصيلاً أن تغتال إسرائيل المعاون الجهاديّ للأمين العامّ لـ”الحزبِ” هيثم الطبطبائي. إذ إنّ الأخير كانَ يتّخذ إجراءات أمنيّة مُشدّدة، ويتحفّظ بحركته وأماكن وجوده، حتّى جاءَت لحظة الاغتيال ظهر الأحد في المُربّع الأمنيّ لـ”الحزب” في منطقة حارة حريك.
تُؤكّد معلومات “أساس” أنّ الطبطبائي وصلَ إلى الشّقّة المُستهدَفة، وهي مكتبه الخاصّ قبل 45 دقيقة من اغتياله، بعدما غابَ عن الشّقّة التي استُهدِفَ فيها لفترة طويلة. هذا يُعزّز فرضيّة أنّ عنصراً بشريّاً أكّدَ للأجهزة الاستخباريّة الإسرائيليّة وصولَ الهدفِ إلى الشّقّة، فاتّخِذَ القرار بتنفيذ العمليّة خلال دقائق. في عمليّات كهذه تحتاجُ الجهة المُنفّذة إلى تأكيد المعلومة من أكثر من مصدر، وهذا يُعزّز فرضيّة أنّ أكثر من عميلٍ على الأرض أكّدوا وصوله إلى حارة حريك.
لكنّ شخصيّةً بمستوى أبي علي الطبطبائي لا تكون عادةً معروفةً لدى عامّة النّاس، وحتّى لأكثر عناصر “الحزبِ”، إلّا لعدد محدودٍ من المسؤولين ذوي المسؤوليّات العالية، وغالبهم من الرّعيل الأوّل الذي يضمّ الطبطبائي وفؤاد شُكر وعماد مغنيّة وطلال حميّة وخليل حرب ومصطفى بدر الدّين ومحمّد حيدر (أبا علي)، الذي يُعتبر الاسم الأكثر تداولاً إلى جانب حرب لتولّي القيادة العسكريّة.
تشير بعض المعلومات إلى أنّ طلال حميّة مصابٌ بمرضٍ عُضال، بالإضافة إلى أنّ عمله في السّنوات الأخيرة على الإشراف على وحدة العمليّات الخارجيّة تجعل اسمَيْ حيدر وحرب أكثر ترجيحاً للمسؤوليّة.
إذ ليسَ من السّهل أن تتّكل تل أبيب على التّفوّق التكنولوجيّ وحده لتأكيد دخوله الشّقّة المُستهدَفة من عدمه. يؤكّد ذلكَ أنّ الجيش الإسرائيليّ استهدَف 3 شقق بـ6 صواريخ، أحدها لم ينفجر، لتأكيد الاغتيال، وأنّ الصّواريخ التي اغتِيلَ بها المعاون الجهاديّ للأمين العامّ لـ”الحزبِ” تشبه الصّواريخ التي استُعمِلت في اغتيال نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري وفؤاد شُكر.
يشير استهداف الشّقق الـ3 إلى أنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة لم تكن على بيّنةٍ في أيّ شقّة من الشّقق المُستهدَفة يوجد، فأقدمت على استهداف الـ3 في آنٍ واحد.
كان برفقته معاونه قاسم حسين برجاوي، بينما كان بقية عناصر الحزب الثلاثة الذين قضوا في العملية في إحدى الشقق المستهدفة.
كيفَ ضلّلت إسرائيل هيثم الطّبطبائي؟
عمدَت وسائل الإعلام الإسرائيليّة إلى نشرِ صورٍ لأحد عناصر “الحزب” انتشرَت بكثرة بعد الاغتيال وروّجت أنّها تعود لأبي علي الطبطبائي. لكنّ هذا ليسَ تقصيراً من أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة، بل عملٌ تضليليّ واضحٌ لإراحة الهدف قبل الاستهداف.
هذا يُشبه تماماً ما فعلته إسرائيل مع القائد العامّ لكتائب عزّ الدّين القسّام في غزّة محمّد الضيف. إذ دأبت تل أبيب على مدى أعوامٍ طويلة على ترويج روايةٍ تقول إنّ أبا خالد الضّيف مُصابٌ بسبب نجاته من عمليّات مُتعدّدة لاغتيالِهِ، ومُقعدٌ ومبتور القدميْن وأعمى، وإنّ أجهزتها لا تمتلكُ أيّ صورةٍ له، فتبيّن لاحقاً أنّه بحوزةِ تل أبيب العديد من الصّور لمحمّد الضّيف، ومنها ما كانَ مُلتقطاً من مسافاتٍ قريبة منه للغاية.
كذلكَ فعلت تل أبيب وواشنطن مع الطبطبائي. إذ روّجوا لصورةٍ فيها رسم تقريبيّ له، وطابقوها إعلاميّاً مع أحد عناصر المراسم في “الحزبِ”، الذي ظهر أمام عدسات الكاميرا مرّتيْن:
1- في الاستعراض الذي أقامه “الحزب” لـ”قوّة الرّضوان” في أيّار 2023 في جنوب لبنان، قبل أشهر من “طوفان الأقصى” و”حرب الإسناد”، وشاركَ فيه رئيس المجلس التنفيذي حينها والأمين العامّ السّابق هاشم صفيّ الدّين، وبدا الشّخص الذي روّجت إسرائيل أنّه الطبطبائي وهو يُقدّم قطعة سلاحٍ لصفيّ الدّين أمام عدسات الكاميرا.
2- في حفل تأبين قائد وحدة عزيز في “الحزبِ” محمّد نعمة ناصر (أبي نعمة) في تمّوز 2024، أي أثناء حرب الإسناد في مجمّع سيّد الشّهداء في الضّاحية الجنوبيّة. يقول المنطق إنّه لو كانَ الشّخص الذي ظهرَ في الصّور هو أبا علي الطبطبائي لكانت إسرائيل استهدفته فورَ ظهوره إلى العلن. وعادةً ما يتجنّب قادة “الحزبِ” العسكريّون الظّهور في الاحتفالات العامّة وأمام عدسات الإعلام، ولا يرتدون اللباس العسكريّ في حياتهم اليوميّة.
الهدف من هذا التضليل هو طمأنةُ الشّخصيّة المُستهدَفة، والإيحاء أنّ إسرائيل لا تمتلكُ أيّ معلوماتٍ عنها، وذلكَ لدفعها لارتكابِ خطأٍ أمنيّ يؤدّي إلى الاغتيال فور التأكّد من وجود الهدف في مكان الاستهداف.
“بناء القدرة” و”مجدل شمس”..
تُشبه وقائع اغتيال الطبطبائي وتهيئة ظروفها سياسيّاً لحظة اغتيال المعاون الجهاديّ السّابق في “الحزبّ” فؤاد شُكر (السّيّد محسن). هيّأت إسرائيل اغتيال فؤاد شكر بعد حادثة مجدل شمس التي وقعَت في الأسبوع الأخير من تمّوز 2024، بعد سقوطِ صاروخ على ملعب كرة قدم في البلدة الواقعة في هضبة الجولان السّوريّ المُحتلّ وذهبَ ضحيّته 12 شخصاً.
اتّهمَت إسرائيل يومذاك “الحزبَ” وقائد مجمّع الإطلاق في منطقة شبعا علي محمّد يحيى بإطلاق صاروخ من طراز “فلق 1” على البلدة، على الرّغم من نفي “الحزبِ” استهدافه البلدة. توالت الاتّصالات التي قادها الوسيط الأميركيّ يومها آموس هوكستين، وقيل إنّ إسرائيل لن تستهدف الضّاحية الجنوبيّة، وستكتفي باستهداف مواقع لـ”الحزب” في البقاع الشّماليّ.
لم يكد يمرّ يومان على سلسلة الاتّصالات حتّى جاءَ عصر 30 تمّوز واستهدفت إسرائيل مبنى في منطقة حارة حريك كانَ في داخله فؤاد شُكر.
في العودة إلى اغتيال الطبطبائي، دأبت إسرائيل ووسائل إعلامها وتقاريرها السّياسيّة على إثارة عنوان “منع “الحزب” من إعادة بناء قدراته”، وتحدّثت عن تقارير عن أنّ “الحزبَ” يتعافى عسكريّاً، ولوّحَ مسؤولوها بالعمل على إحباط ذلكَ.
رفعت التصريحات الإسرائيليّة مستوى التّوتّر تماماً كما حصلَ بعد “مجدل شمس”. بدأت جولة اتّصالات ومبادرات عربيّة وغربيّة لمنع ارتفاع التّوتّر، حتّى حلّ عصر الأحد 23 الجاري واستهدفت إسرائيل هيثم الطبطبائي في حارة حريك. برّرت ذلكَ في بيان جيشها أنّ الطبطبائي عملَ وأشرف على عمل “الحزب” للتعافي عسكريّاً وإعادة بناء قدرته، مثلما كانت الذّريعة لاغتيال شكر أنّه المشرف على برنامج الصّواريخ الدّقيقة والمسؤول المباشر عن حادثة مجدل شمس.
هل يردّ “الحزب”؟
الصّواب أن يكونَ السّؤال: هل تأمر إيران “الحزبَ” بالرّدّ ما دام القرار العسكريّ بالكامل في يد الحرس الثّوريّ الإيرانيّ منذ اغتيال السّيّديْن حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدّين وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي؟
بات “الحزب” والإيرانيّون أمام خيارات ضيّقة أحلاها مرٌّ:
1- أن يردّ “الحزب” عبر استهداف مواقع إسرائيل في النّقاط الـ5 المُحتلّة في جنوب لبنان. لكنّه في حال أقدمَ على هذه الخطوة سيُؤكّد ما تقوله إسرائيل من أنّه لم ينسحب عسكريّاً من منطقة جنوب نهر الليطانيّ، وستكون لديها الذّريعة لتوسيع عدوانها على لبنان، وربّما احتلال أراضٍ جديدة في جنوب النّهر.
2- أن يردّ على مواقع إسرائيليّة خلف الحدود مع لبنان، أو في العمق الإسرائيليّ. وهذا سيعطي بنيامين نتنياهو ما يريد من ذرائع لشنّ ما تسمّيه إسرائيل حملات جوّيّة استراتيجيّة مكثّفة ضدّ “الحزبِ” لأيّام، وربّما تشهد عمليّات إنزال جوّيّ على عدّة مواقع في عمق لبنان.
3- أن يمتنعَ عن الرّدّ. وهذا سيُحرج “الحزبَ” أمام بيئته الحاضنة، وسيتيحُ لإسرائيل أن تستكمل استهدافها لقياديّيه في الضّاحية الجنوبيّة التي ستتحوّل شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه قرى جنوب لبنان على صعيد الاغتيالات، ولن تُمانع واشنطن استهداف قياديّي “الحزب” في الضّاحية ومناطق أخرى على اعتبار أنّ “الحزبَ” مصنّف منظّمةً إرهابيّة في واشنطن، وأنّ قياديّيه مطلوبون على لوائح الإرهاب الأميركيّة مثل هيثم الطبطبائي وشُكر وعقيل وطلال حميّة.
4- أن يلجأ للرّدّ عبر الحوثيّين نظراً لدور الطبطبائي في تدريب الحوثيّين وتسليحهم والإشراف على عمليّاتهم في مراحل من الصّراع في اليمن. وهذا الرّد ممكن أن تتحمّله إسرائيل نظراً لكونه محدود التأثير سياسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً.
ابراهيم ريحان - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|