وقف النار المستحيل: الحزب لا يستسلم وإسرائيل لا توقف الحرب
عام مرّ على تفاهم وقف الأعمال العدائية بين لبنان واسرائيل، والذي تمّ برعاية أميركية – فرنسية. ولم تتجاوب إسرائيل مع كلّ المحاولات للوصول إلى وقف للنار ومع الحركة المكوكية الدبلوماسية، إلا بعد تحقيق بنك أهدافها، وأبرزه اغتيال قيادات حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصرالله.
عام مرّ على اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، كان مليئاً بالتحدّيات والمتغيّرات الميدانية والعسكرية والجيوسياسية من لبنان إلى سوريا والعراق، أفضت إلى تبدّل في موازين القوى.
حزب الله ما قبل وقف النار وما بعده
في قراءة لمجريات الأحداث التي أعقبت دخول الاتفاق حيز التنفيذ، لا بدّ من التوقف عند خطة حصر السلاح التي بدأ بتنفيذها الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني. خطة لعبت دوراً أساسياً في الحد من قدرات الحزب جنوبي النهر وبسط سلطة الجيش اللبناني. لكن في موازاة ذلك، لم تتوقف الضربات الاسرائيلية على الجنوب والبقاع والاغتيالات بحجة "أمن الشمال".
وعليه خسر حزب الله بعد اتفاق وقف النار أكثر من خمسين في المئة من قدراته القيادية والعسكرية والبشرية. أما اليوم فهو يتجه نحو إعادة بث المعنويات والثقة، وفق الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد يعرب صخر في حديث إلى "المدن". هدف الحزب "إبقاء السيطرة على بيئته حفاظاً على المكتسبات السياسية التي حققها على مرّ السنوات".
ترتيب البيت الداخلي لا يقتصر على الهيكلية، وإنما ينسحب على القدرات العسكرية. "بعد خسارته جزءاً كبيراً من الترسانة العسكرية التي راكمها على مدى ثلاثين عاماً، يحاول حزب الله ترميم نفسه، مستفيداً من خبرته في التسليح وتصنيع المسيّرات والصواريخ القصيرة المدى. لكنه لم يصل إلى ما كان عليه سابقاً". أما مجاهرة الحزب بالتعافي فهو وقوع في فخ اسرائيل، التي توحي بالتمهيد لعمل ما في لبنان، عبر التسويق لفكرة إعادة بناء قدرات حزب الله، وفق صخر.
ولكن في مقابل هذا الرأي، ثمة قراءة مختلفة لباحثين مقرّبين من بيئة الحزب. لا ينفي أحد الباحثين السياسيين الذين تحدثت إليهم المدن حاجة حزب الله إلى استخلاص العبر، مشيراً إلى أن قوة الردع السابقة لم تعد موجودة. لكنه يرى في الوقت عينه أن ما جرى ليس انتصاراً لاسرائيل، وإنما جولة في الحرب، لأن الحزب حافظ على جزء كبير من قدراته، "وأكبر دليل على ذلك هو قلق اسرائيل التي تواصل ضغطها لتسليم سلاح حزب الله، وما يحصل هو فرصة لإعادة بناء الردع".
"طوفان الأقصى" نقطة مفصلية في تبدّل عقيدة اسرائيل
شكل "طوفان الاقصى"، وما تبعه من حرب إسناد، نقطة تحوّلٍ في العقيدة الاسرائيليّة، وهذا ما رتّب تبدّلاً في موازين القوى بين اسرائيل من جهة، التي تتمتّع بقدرات تكنولوجية فائقة ودعمٍ دولي وعربي واسع، ومحور الممانعة الذي لم تظهر ساحاته وحدة في ما بينها من جهة أخرى.
حرب تبدّلت بعدها صورة حزب الله التي رُسمت لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين إبان حرب ال ٢٠٠٦، وخلقت قوة ردع استمرت حتى ال ٢٠٢٣. فقد سقطت بعد حرب الاسناد هالة "المقاومة"، وما كان وهماً سكِر به اللبنانيون منذ سنوات. أما في بيئة الحزب، فثمة قناعة أن المقاومة بقيت صامدة في قواعدها، على الرغم من كل الخسائر، إلى حين توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي التزمت به، خلافاً لاسرائيل التي تنتهكه يومياً.
في مقارنة سريعة بين مرحلتي ما قبل حرب الإسناد وما بعدها، يقول العميد الركن يعرب صخر إن التوازنات تبدلت لأن عقيدة اسرائيل تغيرت، شارحاً ما يلي. "ما بين ال 2000 وال 2023 كانت اسرائيل مطمئنة لأمنها، لأن أميركا كانت قد أوكلت منطقة الشرق الأوسط لإيران، وهو ما أرسى توازناً بين قوتين إقليميتين هما إيران واسرائيل، وضمَن لإسرائيل الأمن والأمان بشكل أساسي عند حدودها الشمالية.
أما بعد معركة طوفان الأقصى وفتح جبهة لبنان تحت عنوان "وحدة الساحات"، "فاستشعرت اسرائيل تهديداً وجوديّاً، وعليه قلبت الطاولة على حماس، وعقدت العزم على توجيه ضربة حاسمة لحزب الله. إسرائيل، وخوفاً من طوفان سوري أو لبناني، قرّرت إنهاء وظيفة حزب الله الإقليمية، مستغلّة التوجه الإقليمي والعربي الذي تضبط إيقاعه المملكة العربية السعودية والتفاعلات الغربية والدوليّة، لإنهاء عصر القوى المسلّحة غير الشرعية التي تشكلّ تهديدا وجودياً لها". من هنا لا يستبعد صخر أن تنفّذ إسرائيل في المرحلة المقبلة اغتيالات سياسية لانهاء حالة حزب الله سياسياً أيضاً.
بعد عام إسرائيل تتوسع وتعيق عمل الجيش اللبناني
تظهر جردة حساب عسكريّة أن إسرائيل توسّع احتلالها للأراضي اللبنانية منذ ما بعد وقف إطلاق النار، وهو ما يسقط بالتالي ذريعة استهداف مواقع حزب الله وبناه التحتية. فالجيش الاسرائيلي ومنذ 27 تشرين الثاني 2024 قضم ثمانية آلاف متر مربع من الأراضي اللبنانية، تتوزع على النحو الآتي: خمس تلال خلق في محيطها مناطق عازلة في اللبونة وجبل بلاط وجبل الباط ومركبا والحمامص. في الموازاة خلق الاحتلال منطقتين عازلتين من جهة الضهيرة وعلى طريق كفركلا العديسة ضمن مساحة 0.75 كيلومتر مربع حصّنت بدشم .
مساحة الثمانية آلاف متر تقريباً، تضاف إلى 17 خرقاً دائماً للخط الأزرق منذ ما قبل الحرب وخروقات بالجملة في النقاط ال 13 المتحفظ على ترسيمها من قبل لبنان تواصلت حتى ما بعد وقف إطلاق النار، آخرها كان في العديسة حيث استكمل الجيش الاسرائيلي تحصين مركز كبير له، وفي رميش حيث بنى T wall وفي يارون حيث تخطى خرق الجدار مساحة الـ 4000 متر مربع.
بذلك وفي حصيلة التلال المحتلة والمناطق العازلة والخروقات الدائمة وفي النقاط الـ 13 تكون المساحة المحتلة من قبل إسرائيل هي 11 كيلومتراً مربعاً تقريباً. أما حصيلة الخروقات حتى تاريخ 26/11/2025؛ أي عشية الذكرى السنوية لتفاهم وقف الأعمال العدائية، فهي 2223 خرقاً بريّاً، 3033 خرقاً جوياً و 171 بحريّاً.
دعاية إسرائيلية زائفة تدحضها إنجازات الجيش اللبناني
خلافاً للدعاية الإسرائيلة والحملات التي تساق ضد الجيش اللبناني في الداخل والخارج ، تسجّل للمؤسسة العسكرية إنجازات كبيرة على الحدود الجنوبية مع اسرائيل على الرغم من التحدّيات اللوجيستية والجغرافية والأمنية المحيطة بعمله.
منذ 27 تشرين الثاني 2024، عزز الجيش اللبناني وجوده على طول الحدود لوجستياً وبشريّاً بحيث يبلغ مجموع مراكزه العسكرية المئتين. جزء منه استُحدث بعد وقف النار، وجزء آخر يُحصّن ويُعزّز بما يتناسب مع خطّة الانتشار. بناء عليه، ارتفع عديد الجيش المنتشر على الحدود من حوالى الأربعة آلاف وخمسمئة عسكري منذ ما قبل الحرب إلى حوالى العشرة آلاف اليوم.
تعزيز انتشار الجيش، يهدف إلى بسط سلطته على طول المنطقة الحدودية عبر توسيع نطاق المراقبة ومنع الخروقات والتعديات، كما الحؤول دون قيام أي نشاط عسكري غير اعتيادي على الحدود. فالجيش وبامكانات قليلة لكن بعزيمة كبيرة وعقيدة صلبة يستكمل تنفيذ مندرجات القرار 1701 الذي يرتكز إليه اتفاق وقف النار، عبر مصادرة أسلحة وتفجير ذخائر والسيطرة على مخازن أسلحة وذخائر وتسيير دوريات متواصلة واحتواء السلاح على كافة الأراضي اللبنانية. في حين أن العائق الأساسي يبقى احتلال اسرائيل لنقاط ومساحات واسعة من الأراضي اللبنانية، وهو ما يحول دون استكمال الجيش اللبناني لمهامه في مناطق يحكمها الاحتلال الاسرائيلي بالنار ويفرمِل عودة الجيش إلى مراكزه الواقعة في الأرضي المحتلّة.
لارا الهاشم - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|