الهيئات الزراعية: لمكافحة تهريب زيت الزيتون وعدم اعطاء اجازات الاستيراد
البيئة الشيعية... من "أوَلي البأس" إلى سنة أُولى يأس
في 26 تشرين الثاني 2024، أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا عن تفاهم مشترك بين لبنان وإسرائيل لوقف الأعمال العدائية بدأ تنفيذه فجر اليوم التالي، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وأعرب عن أمله في أن يضع هذا الاتفاق حدًا للعنف والدمار ومعاناة الناس في البلدين، كما ولدت لجنة وقف الأعمال الحربية "الميكانيزم" برئاسة أميركية لمتابعة ما تم الاتفاق عليه عمليًا .
خرج لبنان من هذه الحرب بحوالى 4500 شهيد و16000 جريح، وتدمير شبه كلي لقرى ما يعرف بالحافة الأمامية الممتدة من الناقورة إلى شبعا والتي شهدت تدميرًا ممنهجًا، كما تم تدمير حوإلى 240 ألف وحدة سكنية في المناطق اللبنانية وخسائر قدرها البنك الدولي بـ 14 مليار دولار.
رغم عملية الاحتواء التي قام بها "حزب الله" من خلال دفع بعض تعويضات وبدلات إيواء من خلال مؤسسة "جهاد البناء" وبدعم وتيسير من البلديات، إلا أن هذا الأمر لم يكن كافيًا على الناس لتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار وخسائر، خاصة في ظلّ غياب الدولة اللبنانية بكافة أجهزتها عن الانخراط في ورشة الإغاثة وإعادة الإعمار، وها هي السنة تمر وتنتهي قيمة بدلات الإيواء التي أعطيت بعد نهاية الحرب، وهناك الكثير من العائلات لم ترجع بعد إلى منازلها ولم تنته من ترميمها، وهي عرضة للتشرد في ظل عم قدرتها على دفع بدل الإيجار، وسط غياب تام للدولة اللبنانية ومجلس الجنوب و"حزب الله" عن هذا الموضوع.
حالة فقدان مصادر الرزق بشكل كامل وجزئي هي السمة الأبرز لأهالي الجنوب والبقاع ولا سيما الحافة الأمامية، حيث أنه بعد مرور سنة على وقف إطلاق النار، لا يزال أهالي تلك المناطق غير قادرين على العودة الكاملة إلى بيوتهم وأرزاقهم ولا حتى استثمارها إلا بشكل جزئي وبعد تدخل الأمم المتحدة لتأمين وصول البعض إلى أرزاقهم، كما حصل في عملية قطف الزيتون في بعض المناطق الجنوبية، ما انعكس على البيئة بشكل عام، وشهدت مختلف المناطق الشيعية نزوحًا جماعيًا باتجاه المدارس الرسمية بفعل ما تعرض له الكثير من الأهالي من خسائر مادية وفقدان للمدخرات التي تبخرت خلال فترة التهجير وبعدها، يضاف إلى ذلك هاجس عدم الأمان والخوف مما يمكن أن يحصل إذا ما اندلعت حرب جديدة، ما جعل الأهالي أسرى لفكرتي التهجير والمأوى المحتمل، ويضطر الكثير منهم لتأمين مكان دائم في مناطق أخرى يتم اللجوء إليها في حال حدوث أي طارئ، وبالتالي زيادة في التكاليف والالتزامات المادية، ما يزيد من الضغط المتواجد أصلًا.
يمرّ المجتمع الشيعي، ولا سيما أهالي المناطق التي تعرضت للاعتداءات الإسرائيلية، بضغوط نفسية جماعية تؤثر على طبيعة المواقف وتوجهات وأفعال هذا المجتمع، فبحسب المتخصص بالمعالجة النفسية الدكتور داوود فرج، مرّ المجتمع الشيعي في عدة مراحل من الصدمات النفسية، إذ مرّ بمرحلة أولى وهي فترة حضانة للصدمة حيث حالة الإنكار بشكل لاواعٍ، ومن ثم مرحلة الاعتراف مع الرفض والتي تمظهرت بشكل الاعتراض، ثم مرحلة الغضب التي تمظهرت بالإطار العدواني واستعمال الأساليب العنفية بمختلف عناوينها من شتم وعنف جسدي وصولًا إلى ازدراء رموز الجماعات الأخرى، ومن ثم مرحلة الحداد التي تمظهرت فيها مشاعر الاكتئاب والسوداوية ومشاعر التسليم واليأس، والتي يعيش فيها حاليًا المجتمع، ويرى الدكتور فرج أن الشيعة بعد مرورهم بهذه المراحل من الصدمات على مدى السنة الماضية، أضحوا بحاجة إلى خلاص، ويتم ذلك من خلال تحويل هذه الانفعالات والعدوانية والطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية من خلال بناء مشروع وطني حقيقي يحتويهم ويحافظ على كيانهم ومعنوياتهم ويكون باب أمل للتغيير بالتعبير عن احتياجات هؤلاء الناس واستثمار طاقاتهم ويخلصهم من المخاوف والوجع والألم واليأس والإحباط.
يترافق الإنكار النفسي مع الإنكار السياسي، فرغم النكسات الكبيرة التي تعرض لها الجسم العسكري لـ "حزب الله"، لا يزال الثنائي "أمل" و "حزب الله" ممسكَين بمقاليد الشيعية السياسية والهيمنة على مناطق تلك البيئة بفعل التلزيم الذي لا يزال مستمرًا من قبل الدولة اللبنانية الحاضرة شكلًا والغائبة فعلًا، ورغم هذا التسيّد لتلك المناطق الذي ظهر في الانتخابات البلدية الأخيرة، إلا أن حالة من التململ بدأت تظهر في تلك المناطق، وتعلو بعض الأصوات الرافضة لسياسة الاستئثار المتبعة من قبل "الثنائي" وتشدد هذه الأصوات على مصلحة اللبنانيين الشيعة ورفضهم أن يكونوا وقودًا لغيرهم أو ورقة على طاولة المفاوصات الأميركية الإيرانية، ومن هنا، يعتبر رئيس "ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين" وأحد مؤسسي "لقاء اللبنانيين الشيعة" جاد أخوي أنه بعد عام على اتفاق وقف الأعمال العدائية، يتبيّن أن الواقع السياسي والشعبي في البيئة الشيعية يعيش تحوّلًا صامتًا، فـ "الثنائي" لا يزال قادرًا على الهيمنة وتنظيم الشارع بفضل بنيته الأمنية والحزبية وشبكات الخدمات العامة والخاصة الموضوعة بتصرفه، لكنه لم يعد يتمتع بالهامش نفسه من الهيبة والشرعية المطلقة داخل بيئته. في المقابل، برزت خلال العام تغيّرات واضحة: تعب شعبي واسع، أسئلة جدّية حول جدوى المواجهة الأخيرة، تراجع قدرة "الحزب" على شراء الولاء بسبب الأزمة الاقتصادية، وتزايد المزاج الداعي إلى "عودة الدولة"، كما ظهرت أصوات نقدية شيعية أكثر جرأة، وإن بقيت غير منظمة، ومع ذلك، يبقى التغيير ممكنًا عبر مسار طويل يقوم على تشكيل إطار سياسي شيعي مستقل، وخطاب وطني واضح، وخوض المعارك والاستحقاقات السياسية، وكسر احتكار التمثيل عبر التحالفات العابرة للطوائف. باختصار، الثنائي ما زال ممسكًا بالواقع الشيعي… لكن قبضته لم تعد كاملة، والبيئة تتهيأ تدريجيًا لمرحلة مختلفة إذا وُجد البديل المنظم.
عباس هدلا- "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|