تحطيم الدولة في لبنان وسوريا
هذا ما كان يخطط له ريتشارد بيرل، أمير الظلام، حين كان مستشاراً في وزارة الدفاع ابان عهد الرئيس دورج دبلبو بوش: تفكيك البنى السوسيولوجية للدول العربية من الداخل، ما يتيح "لاسرائيل" البقاء الأبدي وسط الحطام. آنذاك كان ينظم محاضرات داخل البنتاغون ضد المملكة العربية السعودية، دون أن ندري لماذا اختارها هي بالذات، لكنه كان يدعو الى احتلال حقول النفط ليبقى العرب على قارعة القرن، وهم كذلك على كل حال...
صقور "اللوبي اليهودي" تمكنوا في تلك الحقبة، من فرض بعض الشخصيات اليهودية الحديدية داخل البنتاغون، ليشتهر بوجه خاص الثلاثي بول ولفوويتز وريتشار بيرل ودوغلاس فايث، بالسياسات العمياء ضد العرب...
بيرل كان يعتقد أن الدولة العبرية لا تستطيع، بالرغم من الترسانة النووية، البقاء وسط "تلك القبائل الشريرة"، والتي لا يمكن لها أن تتكيف مع دولة تأخذ بالديمقراطية الغربية، وبمقتضيات الحداثة، من هنا تفكيك أو تفتيت البلدان العربية. وهذا ما حدث في العراق عقب غزوه عام 2003، اذ تولى بول بريمر هندسة الخارطة الطائفية للبلاد، وبالصورة التي تضع أرض الرافدين على فوهة البركان. الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة، والفتنة الاثنية بين العرب والأكراد، وحتى بين العرب والاشوريين والتركمان والكلدان.
من يعود الى المحاضرات التي ألقيت في البنتاغون، وكان بيرل يختار موضوعاتها، يلاحظ أن المحاضرين الذين كان ولاؤهم مطلقاً "لاسرائيل"، كانوا يتطرقون الى الخارطة الطائفية والاثنية في كل من لبنان وسوريا، وامكانات تفجيرها. وها أننا اليوم نشاهد ذلك السيناريو، الذي أوصل الى السلطة في سوريا مجموعة تقوم على الاستقطاب الطائفي، بتطهير البلاد من اي طائفة أخرى. وهذا ما حصل للعلويين وللدروز، الذين هبت الحكومة الاسرائيلية لنجدتهم (بعدما أتاحت للفصائل تنفيذ المجزرة). واذ بدأت الحملة ضد المسيحيين بتفجير احدى كنائس دمشق، على أن تستكمل السلسلة في سائر الأنحاء السورية، ظهرت التكشيرة الأميركية والتكشيرة الأوروبية التي حالت دون المضي في تنفيذ المسلسل.
العلويون وحدهم بقوا في العراء، لا مظلة اقليمية أو دولية لإبقائهم بمأمن من سواطير السلطة. واذ حدثت المذبحة الكبرى في آذار الماضي، استكملت عمليات القتل والاختطاف، خصوصاً النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب، دون أن يرف جفن للحكومات التي ترفع عادة شعار "حقوق الانسان"، أو المنظمات الانسانية الدولية التي طالما رفعت صوتها في وجه النظام السابق اثناء الحرب الداخلية، والمبرمجة في البلاد.
الآن ترتكب الفظاعات في مدينة حمص، التي كان لها دورها حتى في العصر البرونزي والعصر الحديدي، والتي عرفت بالعيش المشترك بين كل مكوناتها الطائفية، حيث يعيش العلويون في حالة من الرعب، وحيث تتلاحق عمليات القتل والاختطاف والاغتصاب، حتى من قبل القوى الأمنية، ما أثار الغضب العام. فكانت اتنفاضة الثلاثاء السلمية، لتسجل للسلطة ابتعادها عن استخدام القوة لقمع المتظاهرين.
وكان ابن تيمية الذي تعتمد السلطة الحالية في سوريا آراءه في التعامل مع الطوائف الأخرى، يرى في العلويين "صنفاً من أصناف القرامطة الباطنية، وهم أشد كفراً من اليهود والنصارى". ورأى المستشرق اليسوعي الفرنسي (البلجيكي) أن العلويين "من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم، وادّعوا انهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني". وكان قد لاحظ أنه "في كل مكان زرناه تقريباً، الكثير من الفتيات اللواتي يبدو فيهن شكل النمط اليوناني القديم، أنف مستقيم، شعر اشقر، سحنة بيضاء، عيون زرقاء".
وكان المفكر العراقي حسن مهدي الشيرازي، الذي اغتيل في بيروت عام 1980، قد قال "للعلويين والشيعة كلمتان متلازمتان، فكل شيعي علوي العقيدة، وكل علوي شيعي المذهب". وقال مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني أن "هؤلاء العلويين مسلمون، وأنه يجب على عامة المسلمين أن يتعاونوا معهم على البر والتقوى". مع العلم أن الدولة السورية اعترفت بشيعية العلويين بالمرسوم الاشتراعي رقم 3 لعام 1952.
في هذه الحال اي مجتمع، واي دولة في سوريا التي أغفلت كل ما فعله ويفعله "الاسرائيليون"، من قمة جبل الشيخ الى قرى القنيطرة ودرعا، لتتركز عملياتها العسكرية على الأقليات. في لبنان، وقد شاهدنا الفظاعات التي أرتكبت أثناء الحرب الأهلية، والتي تثبت ايضاً تمزق النسيج الاجتماعي. وهذا ما يحدث الآن أيضاً، وان من خلال "الحرب الباردة". أيضاً اي دولة يمكن أن تقوم في لبنان في ظل هذا الحطام الداخلي؟
دائماً الحرب الأهلية على الأبواب، لكن الوضع في لبنان مختلف عن الوضع في سوريا، حيث توجد طائفة الأكثرية، التي تستطيع فرض قانونها بالاستيعاب الدموي للأقليات.
أكثر من مرة كنا قد ذكّرنا بما فعله الاسبان بعد انتهاء الحرب الأهلية. وقّعوا على "ميثاق النسيان" (Pacto del olvido). ولكن يبدو أن مجتمعاتنا، بالاجترار القبلي والطائفي للماضي، لم تعرف ما تعنيه "ثقافة النسيان"، لتستوطن الكراهية، وحتى التبعية، في عظامها. نحن أعداء بعضنا البعض، وضد وجود بعضنا البعض. "اسرائيل" عدوة ثانوية. تابعوا الشاشات لتتبينوا هذه الحقيقة التي بقدر ما هي حقيقية هي صادمة. أي دولة في هذه الحال...؟!
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|