لبنان بين المطرقة والسّندان!!
ليس صدفة أن تهبط على لبنان ثلاثة تطورات أميركية المرجع في فترة زمنية واحدة: قرار الرئيس دونالد ترامب إعلان حركة الإخوان المسلمين منظمة إرهابيىة، غارة إسرائيل على حركة حماس “إبنة الإخوان المسلمين” في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بصيدا، وإلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى واشنطن.
من السخافة بمكان إعتبار هذا التسلسل في حقبة زمنية محدودة مجرد صدفة، لذلك لا بد من التساؤل: ماذا تريد أميركا وإسرائيل من لبنان المنهمك بإعداد ترتيبات إستقبال أول حبر أعظم أميركي الجنسية البابا لاون الرابع عشر ما يعيد إلى الذاكرة تجربة دعم الكنيسة الكاثوليكية للمناضل ليش فاليسا الذي أسس حركة “تضامن” العمالية في بولندا وأسقط النظام الشيوعي وفاز بجائزة نوبل للسلام في العام 1983 وكان أول رئيس لبلاده ينتخب ديمقراطيا في العام 1990، ما يطرح السؤال التالي:
هل سيظهر ليش فاليسا لبناني بعد زيارة البابا لاون الرابع عشر الذي يحمل الإسم الأميركي روبرت فرانسيس بريفوست؟؟
أما غارة إسرائيل على هدف لحركة “حماس” في مخيم عين الحلوة فقد أعادتني إلى ما قاله لي صديقي صياد السمك الفلسطيني أبو حسين عكاوي قبل أكثر من عشرين سنة.
إلتقيته قرب مرفأ الصيادين في منطقة عين المريسة العام 2002 بعد قمة بيروت العربية مرتديا “شرواله” الأبيض وبيده مظلته البيضاء. قال لي: “رميت مفتاح الدار بعد القمة. العرب موافقين على سلام مقابل إنسحاب إسرائيل من أراضي ال 67، إحنا ما إلناش علاقة بأراضي ال 67، إحنا لاجئين من سنة 48 .”
كان أبو حسين يعلّق مفتاح داره في بيته المكون من غرفة واحدة تحت صورة لوالده يحمل سمكة تونا كبيرة وحوله عدة مراكب يقول إنها لصيادين في مرفأ عكا بفلسطين.
قمة بيروت العربية التي عقدت في 27 آذار العام 2002 أقرت مبادرة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وكان ولياً للعهد، وذكرت في البند “ج” من الفقرة الثانية لبيانها الختامي أن مجلس القمة يطالب إسرائيل ب “… قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.”
كلمات أبو حسين وصورة والده ومفتاح داره نقلت في ذهني الغارة الإسرائيلية على عين الحلوة إلى مدينة عكا الواقعة في الجزء الساحلي الشمالي الغربي لفلسطين وهي جزء من منطقة الجليل التي تحتلها إسرائيل من سنة 1948 ، ولا تبعد عن الحدود الجنوبية اللبنانية أكثر من 21 كيلومترا، فهل تريد إسرائيل لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مصير منطقة الجليل التي غادروها سنة 48 إلى لبنان؟؟؟ وماذا سيحل باللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم المزدحمة باللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من مخيمات سوريا مع إنطلاقة الثورة السورية سنة 2011 إذا تكررت الغارات الإسرائيلية على المخيمات بلبنان؟؟؟
القوى المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية تعي أبعاد وإرتدادات الدهاء الإسرائيلي في إستخدام حركة “حماس” بصفتيها “العدو الإرهابي الإيراني، والخطر النووي” لتهجير ما تبقى من فلسطينيين جنوبي وشمالي إسرائيل.
لا بد من التوقف ملياً أمام أبعاد الغارة على عين الحلوة كونها الأولى منذ مغادرة عناصر حماس لمخيمات اللاجئين بعد إنفجار عبوة في مكتب لها بمخيم برج الشمالي في منطقة صور بجنوب لبنان في 12 كانون الأول العام 2021 زعمت أنه ناتج عن ماس كهربائي في قسم يحتوي على قارورات غاز لمرضي كورونا، فيما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية ووكالات الأنباء الدولية أنه ناتج عن إنفجار عبوة في مخزن للإسلحة والذخيرة أسفل مسجد “عدي بن كعب” التابع لحماس في المخيم.
وقد سحبت “حماس” عناصرها من المخيمات بناء على طلب فصائل منظمة التحرير لتحييد اللاجئين عن الإستهداف الإسرائيلي، إلا أن حزب الله إعاد حماس إلى المخيمات بالتزامن مع إعلانه مساندة حرب السنوار في غزة في 8 تشرين الثاني العام 2023.
قيادات القوى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات لبنان واقعة “بين المطرقة والسدان”، أي بين خيارين كلاهما سيء فلا تقبل ببقاء حماس في المخيمات لأن ذلك سيؤي إلى غارات تقتل وتشتت السكان ولا تستطيع إرغام حماس على مغادرة المخيمات لأن ذلك سيؤدي إلى إشتباكات تسفر في نتيجتها عن تشتيت سكان المخيمات، وهو ما تريده إسرائيل أساساً، فما العمل؟؟؟؟
لا جواب، حتى الآن، علماً بأنه يتردد في الغرف المقفلة الحديث عن “خطة أو فرضيات خطة” لهدم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ثم منحهم حقوقهم الإجتماعية، أي حقوق العمل والتملك من دون تجنيس، وتعويضات تمكّنهم من شراء مساكن وتمويل أعمال تعيلهم في لبنان، ما ينهي، عملياً، حق العودة، لأنهم جميعهم من منطقة الجليل التي نزحوا منها سنة 1948 هرباّ من الإحتلال الإسرائيلي وتستحيل إعادتهم إليها، هذا إذا كانوا يرغبون أصلا في العودة إليها وإذا كانت إسرائيل توافق على إستيعابهم ومنحهم جنسيتها …!
أما مسألة إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، فيكشف دبلوماسي أنها “نتيجة تراكمات تقارير مورغان أورتاغوس” عن لقاءاتها في لبنان، خصوصا لقاءاتها في شهر نيسان مع الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش ووزير الخارجية ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والتي أعربت فيها عن “عدم إنسجام مواقف المسؤولين اللبنانيين حيال نزع سلاح حزب الله حيث يوجد من يرغب في أن يؤمن له تسوية تحفظ له ماء وجهه.”
وشدد الدبلوماسي على أن تقارير أورتاغوس “أثنت على إستعداد لبنان لمكافحة تبييض الأموال وتجفيف تمويل الإرهاب عبر التعاون مع صندوق النقد الدولي” وهو ما بدأت تظهر نتائجه في إجراءات “إعرف عميلك” (Know Your Client) التي فرضها مصرف لبنان على مؤسسات الصرافة مؤخراً.
وتعود بي الذاكرة إلى “أبو حسين العكاوي” رحمه الله الذي توفي العام 2003 قبل أن يحقق حلمه بأن يشاهد مرفأ عكا من تلة في جنوب لبنان بمنظاره الذي إكتسبه في حرب الإنقاذ مع القائد الطرابلسي فوزي القاوقجي الذي عينته جامعة الدول العربية للمشاركة في تحرير فلسطين.
هل كان “أبو حسين”، الذي لم أعرف يوماً إسم عائلته، سيقبل بالعودة إلى عكا أم سيفضل البقاء في لبنان مع أولاده الثلاثة الذين ولدوا في لبنان وإن بلا مفتاح داره في عكا؟؟؟
محمد سلام - "هنا لبنان"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|