الصحافة

إسرائيل تتشبث بجبل الشيخ.. وسوريا أمام تحديات سيادية معقدة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يمرّ لبنان اليوم بمحطة دقيقة، مع حلول الذكرى الأولى لتفاهم وقف الأعمال العدائية الذي وُقّع في السابع والعشرين من تشرين الثاني، في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، وبحضور دولي كثيف شاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية التي رأت في هذا التفاهم فرصة لكبح تمدد الحرب ومنع الانهيار الشامل على الجبهة اللبنانية. غير أنّ مرور عام كامل على الاتفاق لم ينجح في تحويله إلى إطار ثابت لوقف النار، إذ بقيت الخروقات الإسرائيلية هي العنوان الأبرز، وتحوّل الجنوب إلى مسرح يومي لعمليات عسكرية توقع الشهداء والجرحى، وتدفع آلاف العائلات إلى النزوح أو العيش في دائرة الخوف الدائم. فالأرض التي كان يُفترض أن تستعيد نبضها وحياة أهلها لا تزال تحت وطأة قصف متكرر، ودمار متجدد، وتهجير قسري يحول دون عودة المواطنين إلى منازلهم وقراهم، بل يجعل من كل محاولة للعودة مغامرة محفوفة بالموت.

العام الذي تلا التفاهم كشف بوضوح أنّ إسرائيل لم تتعامل معه بوصفه التزاماً قانونياً أو سياسياً، بل بوصفه إطاراً ظرفياً تتحرك ضمنه وفق حسابات أمنية آنية، فتواصل احتلال نقاط جديدة في الجنوب، وتقوم بإنشاء مناطق عازلة بحكم الأمر الواقع، وتفرض واقعاً ميدانياً يتناقض مع جوهر القرار 1701 الذي يشكل الركيزة الأساسية لأي تثبيت طويل الأمد للحدود. ولهذا يشدد العديد من المسؤولين والخبراء على أنّ الأولوية الوطنية اليوم ليست فقط وقف الخروقات، بل إخراج إسرائيل من النقاط المحتلة عبر مسار واضح يعيد الاعتبار لاتفاق الهدنة الموقع عام 1949. فهذا الاتفاق، بما يمثله من وثيقة قانونية دولية، قادر، إذا ما تم تثبيته من جديد عبر لجنة أمنية وقانونية مشتركة، على توفير الأساس الصلب لترسيم نقاط الحدود بدقة وجعل الانسحاب الإسرائيلي أمراً تلقائياً وغير قابل للتأويل، خصوصاً إذا جرى ذلك تحت مظلة ضمانات دولية أو أممية قادرة على صون الاستقرار على المدى الطويل.

إنّ التطبيق الكامل لتفاهم وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك وقف إطلاق النار وسحب الجيش الإسرائيلي من أي نقطة تقدم إليها خلال العام الماضي، هو الشرط الأولي لعودة الدولة إلى بسط سلطتها واستعادة الاستقرار في الجنوب، ومن ثم على كامل الأراضي اللبنانية. فالمعادلة واضحة؛ لا يمكن إطلاق ورش الإعمار ولا إعادة السكان ولا تفعيل المؤسسات الأمنية والإدارية في بيئة مهددة يومياً بالنار. وحتى جنوب الليطاني الذي تُفترض حمايته تحت القرار 1701 لا يزال في عين الاستهداف، ما يضاعف الحاجة إلى رؤية وطنية متكاملة تنطلق من توحيد الجهود والابتعاد عن السجالات التي مزقت الموقف الداخلي في محطات مصيرية سابقة.

وتأتي هذه الذكرى في لحظة مفصلية تستدعي من اللبنانيين، كما تشير المداولات السياسية الهادئة التي تجري خلف الكواليس، ترك خلافاتهم جانباً والترفع عن الانقسامات لصوغ موقف موحد يحمي الوطن ويحصّن وحدته. فلبنان، رغم تناقضاته الظاهرة، أثبت في أكثر من محطة أن تضامن أبنائه هو خط الدفاع الأول والأكثر فاعلية في مواجهة الاعتداءات، وأن اللحمة الداخلية قادرة على تعطيل الكثير من أهداف إسرائيل التي تراهن على الشقاق الداخلي. وما حدث في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أيام وفي عدد من المناطق كان رسالة واضحة بأن الأهداف الإسرائيلية ليست تكتيكية ولا معزولة، بل جزء من استراتيجية تسعى إلى زعزعة الاستقرار وإحداث صدمة أمنية وسياسية. وإزاء هذا الواقع، لا يجد لبنان خياراً سوى التمسك بالشرعية الدولية والقانون الدولي، والدعوة مجدداً إلى تفعيل دور الدول الراعية للتفاهم للضغط على إسرائيل من أجل التنفيذ الفعلي للقرارات الدولية.

إنّ الاستقرار في الجنوب لم يعد شأناً محلياً أو ميدانياً فحسب، بل بات مدخلاً ضرورياً لاستقرار أوسع في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش على وقع تحولات كبرى وتوترات متصاعدة. فإعادة إعمار الجنوب بما هو مشروع تنموي أو إنساني، فانه رسالة إلى المنطقة بأن لبنان قادر على تجاوز الألم وفتح نافذة نحو مرحلة جديدة عنوانها الأمن والعودة إلى الحياة الطبيعية. وفي الوقت نفسه، فإن حماية أهل الجنوب وصون كرامتهم هما حجر الأساس في حماية الوطن بأكمله، إذ لا يمكن الحديث عن سيادة أو وحدة أو استقرار إذا بقيت القرى الحدودية جبهة مفتوحة، وإذا بقي أهلها يعيشون في دائرة الإلغاء والنزوح.

وبمرور هذه السنة الأولى على التفاهم، يزداد الاقتناع بأن لبنان يقف أمام امتحان مزدوج؛ امتحان الحفاظ على ما تبقى من الهدنة، وامتحان القدرة على تحويل هذا الاتفاق من وثيقة سياسية إلى مسار فعلي يضمن وقف العدوان، ويعيد الاعتبار للقرارات الدولية، ويمنح لبنان فرصة لإعادة بناء دولته ومجتمعه. وفي المحصلة، فإن وحدة اللبنانيين، بكل أطيافهم، هي المفتاح، لأن خلاص الجنوب هو خلاص الوطن كله، وبسلامته تكون سلامة أبنائه أجمعين، ولأن الذكرى لا تتحول إلى عبء إلا إذا تكررت أحداثها.. أما إذا استُخلصت منها الدروس، فقد تكون بداية الطريق نحو مستقبل أكثر صلابة واستقراراً.

داود رمال – أخبار اليوم

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا