الصحافة

السعودية تُدخل الشرع تحت عباءتها: هاكُم "الجهاد"... بحلّته الجديدة!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

حوّل الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، بوصوله إلى السلطة، مَن يمكن تسميتهم الآن بـ«الجهاديين الجدد» إلى ذراع علنية للولايات المتحدة لتنفيذ مهمّات لمصلحتها في المنطقة. وهذه، قد تكون المرّة الأولى التي تتحالف فيها واشنطن علناً مع دولة يَحكمها «جهاديون»، علماً أن العلاقة مع الأَخيرين كانت على الدوام سرّاً مفضوحاً، وذلك بفعل رغبة الأميركيين في أن لا تُحسب عليهم نتائج تلك المهمات. ولعلّ وثائق 11 أيلول التي لا تزال الولايات المتحدة تصنّف بعضها سرياً، رغم الكشف عن معظمها، نظراً إلى ما تتضمّنه من مصدر إحراج لأجهزة الدولة الأميركية وقادة دول حليفة، تمثّل دليلاً على هذا الواقع. ومع أن واشنطن توحي بأن العلاقة مع الشرع، إنما جاءت بعد تخلّي الرجل عن ماضيه الجهادي، بل وانخراطه في مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه الصِّلة قائمة منذ سنوات عبر حلفاء أميركا في تركيا وقطر، حين مثّلت الأولى معبراً للجهاديين إلى سوريا، بينما تولّت الثانية تمويل تسليحهم ورواتبهم، وانكفأت السعودية عن الساحة السورية في ظلّ وجود النظام السابق الذي لم تكن مُعارِضة له. وبحسب تقارير صحافية غربية، فإن كثيراً من قادة «داعش» وتنظيم «القاعدة» الذين سقطوا في الحملة على الإرهاب، ما بعد عام 2016، قُتلوا في المناطق التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» بزعامة الشرع في شمال سوريا، حيث سيقت اتهامات كثيرة إلى الأخيرة بالتواطؤ في قتلهم.

لا يعني هذا السياق الطويل من العلاقة المُفترضة مع «الجهاديين»، أن الأمور كان مخطَّطاً لها منذ البداية. فبالتأكيد، لعب الصراع نفسه الدور الأساسي في إنضاج الظروف لما وصلت إليه الأوضاع اليوم، وإنما كان الأميركيون يمسكون بالأوراق اللازمة، بشكل مباشر أو عبر حلفائهم في سوريا وخارجها، بما سمح لهم بالانتقال إلى الحالة الراهنة. أمّا من تولّى تخريج الأمر إلى العلن، فهو ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي استدعى الشرع إلى لقاء مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارة الأخير للرياض ضمن جولة خليجية في الربيع الماضي؛ وهو الذي يلعب الدور الأكبر في إدماج الرئيس السوري الانتقالي في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة؛ كما أنه مَن فتح أمامه أبواب البيت الأبيض. وللمفارقة، فإن السعودية نفسها كانت الواسطة بين الأميركيين والجهاديين عند بداية صعود الأخيرين في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين استخدمتهم الولايات المتحدة لطرد السوفيات من أفغانستان، ووفّرت لهم أسلحة نوعية مكّنتهم من ذلك. حينها، كانت العلاقة سراً مُعلناً، إلّا أنها لم تحمل الحرج نفسه الذي نضحت به حين انتقل الأميركيون، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى علاقة مع «الجهاديين» تدمج بين تصويرهم كعدو يمثّل خطراً على الديمقراطية، وبين استخدامهم بصورة غير مباشرة لتحقيق أهداف محدّدة، ولا سيما خلال احتلال العراق، حيث استخدمتهم واشنطن في إثارة الفتنة، ووأد المقاومة التي واجهتها.

ولعلّ أحد الشهود على البدايات، كما على إخراج العلاقة الراهنة بين الأميركيين والشرع، هو تركي الفيصل الذي رعى الجهاد الأول بصفته رئيساً للمخابرات السعودية العامة، ثمّ ها هو يشهد على التجديد، من وراء الستارة، كأحد القلائل من كبار الأسرة الذين تحالفوا مع ابن سلمان. ولم تكن مصادفة أن الأخير عندما مازحه ترامب سائلاً إياه خلال لقائهما في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، عن أفضل الرؤساء الأميركيين بالنسبة إليه «بخلاف ترامب»، كان جوابه: «ريغان وروزفلت. أما أنت، فمن مستوى آخر». وبالفعل، أراد ابن سلمان للزيارة أن تمثّل تأسيساً ثانياً للعلاقة الأميركية - السعودية على ركائز تضمن مستقبل حكمه، تماماً كما فعل جدّه، حين عقد معاهدة مع الرئيس الأميركي الأسبق، فرانكلين روزفلت، عام 1945. أمّا أهمية الشرع في هذا السياق، فتكمن في أنه مستعدّ، بما يمثّله، لنقل سوريا إلى الموقع الذي يساعد ترامب وابن سلمان في تعزيز أهدافهما المشتركة؛ فهو إذ يقدّم إخراج إيران و«حزب الله» من سوريا بصفته إنجازاً له، فإنه في الوقت نفسه وافق على الجلوس مع الإسرائيليين عبر وزير خارجيته، حتى وإن لم يكن بالإمكان الوصول إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل حتى الآن.

الوضع الذي يقيم فيه الشرع حالياً، يجعله متأرجحاً بين احتمالَين: الأوّل، هو دفع الثمن اللازم لإسرائيل، وهذا يشترط القدرة، وليس الرغبة فقط، كما يشترط قبول حلفائه في تركيا والسعودية خصوصاً بذلك؛ والثاني، أن يكون المشروع الأميركي - الإسرائيلي يتجاوزه هو والرياض وأنقرة، وبالتالي أن تتمّ الإطاحة به حين ينتهي دوره، بعد أن يقدّم ما يمكنه تقديمه، ثمّ تنتقل واشنطن وتل أبيب إلى تنفيذ مشروعهما المتمثّل بتفتيت سوريا إلى دويلات. والتأرجح بين الاحتمالَين المذكورَين يقع في صلب ما يبدو على السطح خلافاً بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ إذ يريد الأول ترتيبات واسعة للمنطقة ككلّ، بينما يسعى الثاني إلى احتلال مزيد من الأراضي، تمهيداً لضمّها لاحقاً، أو إبقائها مدى أمنياً حيوياً لإسرائيل، وهو ما لا تستطيع دول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة القبول به، كونه يهدّد كياناتها ذاتها، ولا سيما تركيا التي تطالب الأميركيين بفعل المزيد لكبح جماح إسرائيل.

يبدو الشرع شخصية مركزية في هذا الصراع الذي يجري كلّه تحت السقف الأميركي، وهذه نقطة القوة الرئيسية له في مواجهة إسرائيل، التي لولا هذا التوازن، لما تردّدت حتى في اغتياله في وضح النهار. لكن مشكلة الشرع الحقيقية تكمن في عدم قدرته على تسويق سياسته هذه في الشارع السوري، ولا سيما أنه لا يمسك به تماماً، وله أعداء كثيرون فيه، بعضهم يملكون السلاح مثله، وآخرون يملكون تأثيراً؛ والحديث هنا عن المكوّن السنّي تحديداً وليس عن غيره. ومع هذا، يمكن الرجل أن يبقى الأول، بفارق كبير عن باقي القوى؛ وأن يظلّ كذلك القادر على الحركة أكثر من غيره، بفعل علاقاته الدولية وتحالفاته الإقليمية والكاريزما التي يمتلكها، والتي لا تزال حتى الآن تسمح له بإقناع أنصاره بالرهان على الوقت لترتيب أوضاع سوريا. لكن الرجل قد يواجه معارضة متعاظمة بين القوى المسلحة والسياسية إذا قبِل بتوقيع اتفاق مذلّ مع إسرائيل، التي لا تبدو معنيّة بمجرّد ترتيبات أمنية تسمح لنظامه بالاستقرار، وترى الفرصة سانحة لتحقيق أكثر ممّا تقدّم بكثير، بما يشمل اعترافاً من السلطة القائمة في دمشق باحتلالها للجولان، وربما أيضاً بالأراضي التي احتلّتها بعد سقوط نظام الأسد، وبيدها الطويلة في باقي أنحاء سوريا عبر تحالفاتها مع «قسد» ودروز السويداء، وربما لاحقاً جهات في الساحل السوري.

حسين ابراهيم -الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا