حتى تكون الحرب مُستحيلة...
لا تستطيع الدولة أن تتحمل تبعات أي حرب جديدة، اذا أخذنا بالاعتبار الى أين يمكن أن يصل الجنون الإسرائيلي. كما أن حزب الله ما زال يعاني من التداعيات الكارثية للحرب الأخيرة. ما يعني أنه من الضروي عودة اللقاءات الحوارية بين الرئيس جوزف عون والنائب محمد رعد، بحثاً عن الطريقة الممكنة لوضع خارطة الطريق الخاصة بحصرية السلاح، وقد بلغت التهديدات الاسرائيليىة ذروتها، وبتغطية أميركية كاملة، بعدما كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد قال انه لا يثق بأن الحزب سيسلم سلاحه تلقائياً، كاشفاً أن واشنطن حددت المهلة النهائية لنزع السلاح آخر العام الحالي.
لا ندري اذا كانت قيادة الحزب بصدد تفويض الرئيس نبيه بري التباحث في الحل مع رئيس الجمهورية، الذي قد يكون قد تبلور لديه تصور ما حول معالجة المسألة، بعدما كانت القيادة إياها قد فوضت رئيس المجلس النيابي، وهو الضنين بمصلحة الدولة كما بمصلحة الحزب، اتخاذ ما يراه مناسباً بالنسبة الى اتفاق وقف النار. بمعنى أن البحث عن الحل بات ضرورة وجودية، في ضوء الاختلال في موازين القوى، وعدم وجود أي ظهير خارجي، في حين أن مطار “بن غوريون” احتفى منذ أيام بالطائرة رقم 1000 ، المحملة بالأسلحة والأعتدة الأميركية والألمانية والكندية، إضافة الى رسو السفينة 150 في الموانئ الإسرائيلية.
الوقت يمر سريعاً. وعندما يفترض بالحرب أن تكون مستحيلة، بعدما هددت “تل أبيب” بضربات أكثر وحشية، وأكثر اتساعاً، كيف يمكن أن يكون السلام مستحيلاً أيضاً. في حين تأتي النصائح أو التحذيرات من كل حدب وصوب، وعلى أساس أن هذه اللحظة تحتاج الى الكثير من الشجاعة، وبعدما تبين لقيادة حزب الله أن الحصار الداخلي أكثر خطورة بكثير. واذا كان الحزب قد وقف في ذروة قوته ضد أي صدام داخلي، وهو الذي على بيّنة من الجهات التي تدفع في هذا الاتجاه، خصوصاً بعد التغيير الذي حصل في سوريا، وأدى الى حدوث تغيير دراماتيكي في معادلات القوة، ثمة من يرى ببعض الواقعية استطراداً ببعض التنازل، انطلاقاً من مبدأ أن نخسر شيئاّ أفضل من أن نخسر كل شيء، ودون الالتفات الى ببغاءات (أو غربان) الشاشات، الذين بغرائزية منقطعة النظير، يتولون التعبئة الطائفية والسياسية في أكثر وجوهها بشاعة، ما يعكس مدى الهلهلة في البنى السوسيولوجية للمجتمع وحتى للدولة اللبنانية، بقابلية الانفجار.
والطريف أنه مثلما يقال في “تل أبيب” أن بنيامين نتنياهو يذهب الى الحرب هرباً من الزنزانة، يقال في واشنطن أن ترامب يذهب الى المال هرباً من العاصفة التي بدأت تهز الحزب الجمهوري، بصورة تهدد “المسيرة الأمبراطورية” للرجل، لنكون أمام ذلك الكلام الأشبه ما يكون الى الهذيان، حين يقول إن السلآم بفضله قام في الشرق الأوسط، وحيث ما يزال القتل اليومي في غزة، ودون أن يدري سكان القطاع أي مصير ينتظرهم بتحويل المقبرة الى “ريفييرا الشرق الأوسط”. بلغة صاعقة تحدث المعلق في مجلة “تايم” فريد زكريا عن ذاك السلام التراجيدي الذي “يرقد تحت الأنقاض”!
كم نكون سذّجاً اذا راهنا على ضمانات تقدمها “إسرائيل”، وهي التي تعتبر أنها “سحقت كل القوى المضادة” في المنطقة، ودون أن تلنزم يوماً بالمواثيق والقرارت الدولية، ما دامت الثقافة التوراتية قد أناطت بالقادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين” صلاحيات ما فوق البشرية، ليس فقط لادارة الشرق الأوسط، وانما لادارة العالم. لا مجال أيضاً للضمانات الأميركية. أي ضمانات اذا كان ترامب قد قال ان ما فعله “لإسرائيل” لم يفعله أي رئيس آخر، بتقديم العرب قرابين الى “يهوه”، بعدما كان سفيره الى أورشليم مايكل هاكابي قد صرح بأن تغيير الشرق الأوسط سيكون بأبعاد توراتية.
ما علينا الا أن نقرأ “التوراة” لكي نكتشف ألا وجود لنا لا في المكان ولا في الزمان، ودائماً برغبة “رب الجنود”، أي “يهوه” الذي لا يرى فينا سوى الكائنات ما دون البشرية. في هذه الحال يحق “لإسرائيل”، وبتفويض الهي، أن تقرر متى تكون الحرب، وكيف يكون السلام، ليصرح الرئيس جوزف عون بأنه أطلق عدة مبادرات بهدف التفاوض لايجاد حلول مستدامة للوضع الراهن، لكنه لم يتلق أي ردة فعل عملية، على الرغم من التجاوب الدولي معها، وكان آخرها عشية عيد الاستقلال.
من زمان قال لي الصحافي الفرنسي اليهودي (الليبرالي) أندريه فونتين، وكنت بصدد ترجمة كتابه عن الحرب الباردة، أن “إسرائيل” تتقن اللعب على نقاط الضعف لدى العرب، دون أن يعرف العرب يوماً نقاط ضعفها، والدخول الى منطقة اللاوعي لدى “المجتمع الإسرائيلي”. هكذا كان الصراع دوماً بين نقاط “القوة الإسرائيلية” ونقاط الضعف العربية.
اذا كانت “السياسة الاسرائيليىة” تقوم على العبث بنقاط الضعف اللبنانية، وحيث الضعف البنيوي بكل ما تعنيه الكلمة، لا يعود هناك من مجال لأي توازن ديبلوماسي، ما دام التوازن الاستراتيجي أكثر من أن يكون مستحيلا. لا ضمانات داخلية، حيث صراع الكراهيات على اشده، ولا ضمانات خارجية، وعلى أي وفد مفاوض أن يذهب الى ردهة المفاوضات، فقط ليوقع على صك الاستسلام.
المطلوب تعرية حزب الله عسكرياً وسياسياً. هنا المأزق الكبير، بل الأزمة الكبرى، ليبقى الرهان الوحيد على المساعي المصرية لبلورة مبادرة، يمكن أن تقوم على معالجة متوازنة للمسألة التي تشترط (اسرائيلياً) إزالة حزب الله حتى من الخارطة السياسية والعسكرية، الأمر الذي تدعمه ادارة دونالد ترامب يقوة .
ويقال أن المسافة، بما في ذلك المسافة العاطفية، قصيرة جداً بين حارة حريك وعين التينة، اذا علمنا أي أثقال يحملها حزب الله على كتفيه، في هذه الحال لماذا لا يكون الرئيس نبيه بري صوت الحزب هذه المرة، مثلما كان العام الماضي وفي الشهر إياه أيضاً؟
ولكن عندما نعود الى الشروط التي طرحتها “تل أبيب” على دمشق، ندرك أي نوع من الشروط يمكن أن يفرض علينا. لنسأل اذا حدث وتم نزع سلاح حزب الله، هل يصبح لبنان في مأمن من مخالب “الحاخامات”؟ في كل الأحوال، الأولوية الآن، الأولوية الوجودية، أن تكون الحرب مستحيلة...
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|