القاهرة: شهرُ الفُرَصِ الأخيرة

بعد أن اصطدمت محاولةُ رئيسِ المخابراتِ المصري حسن رشاد الأخيرة في لبنان برسالة “الحزب” إلى الرؤساء الثلاثة، تعودُ مصر من بابِ خارجيتِها، في إعلانٍ واضحٍ عن أزمة لبنان، وفي دعمٍ لمبادرةِ رئيسِ الجمهورية في التفاوض أولاً، وللاستعدادِ الذي يبديه الجيشُ لتسلّمِ جميعِ النقاطِ المحتلّة في جنوب لبنان، وفي دعمٍ واضحٍ للحكومة ورئيسها وقراراتها بحصر السلاح بيد الدولة، وذلك بالتشاور مع باريس والرياض.

هذه الرسالة المصرية هي واحدةٌ من رسائلٍ دوليةٍ متشابهة في الجوهر، ومختلفةٍ في الأسلوب، ستليها رسالةٌ أميركية تحملها الموفدة مورغان أورتاغوس إلى الرؤساء الأسبوع المقبل. واشنطن التي لا تتواصل مع أيّ من الرؤساء الثلاثة قررت، بالتنسيق مع إسرائيل، أن تبعث برسالةٍ أخرى مع أورتاغوس، تتضمّن حصرَ السلاح في جنوب الليطاني قبل نهاية العام، والتحضيرَ للتفاوض المباشر مع إسرائيل.

رسالةُ القاهرة: نافذةٌ لا تزالُ مفتوحة

تستعيد القاهرةُ مبادرتها بتفاصيل أكبر، وأبرزُ ما فيها دعمُ مبادرة الرئيس جوزف عون، شرط حصوله على ضمانةٍ من “الحزب” بالتخلّي عن السلاح. تحدّث الجانب المصري عن مجموعة خطواتٍ على لبنان، ومن خلفه “الحزب”، الالتزامُ بها:

– إعادةُ انتشارِ الجيش اللبناني جنوبَ الليطاني.

– نزع سلاح “الحزب” جنوب الليطاني.

– تجميدُ السلاح شمالَ الليطاني.

– تعهّدُ “الحزب” بعدم إطلاق النار باتجاه إسرائيل.

– انسحابُ إسرائيل من الأراضي اللبنانية.

– الذهابُ إلى مفاوضاتٍ مباشرة في شرم الشيخ.

بعد ذلك يعمل الجانب المصري، بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب، على صياغة ترتيبٍ جديد يؤدي إلى استقرارٍ دائم في وقف الغارات والاغتيالات الإسرائيلية، وتثبيت الحدود ضمن منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية.

جاءت هذه الرسالة مفصّلة و”طارئة” على لسان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي صارحَ اللبنانيين بخطورة الوضع، وضرورة قيامهم بخطواتٍ واضحة وعملية وعلنية لتجنّب التصعيد الكبير.

“الحزب”: رفض المبادرة
تقول مصادر مقرّبة من الحزب، إنّ القاهرة عادت بوزير خارجيتها بشروط أكثر قساوة من الشروط التي جاء بها مدير المخابرات اللواء حسن رشاد. مصر التي تحتاج إلى تمكين وقف إطلاق النار في غزة تحسباً لعودة الحرب هناك وانعكاسها على مصر، تريد أن تبادر في لبنان لوقف الحرب لأن تدحرج الأمور قد يوتر الأوضاع في غزة ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء. لكن “الحزب” وكما رفض المبادرة السابقة، يوم أصدر كتاباً إلى الرؤساء الثلاثة أصاب به الرئيس نبيه بري والمبادرة معاً، تقول مصادره إنه لا يزال على موقفه لا سيما وأنّ المبادرة لا تتضمن أي خطوة تقوم بها إسرائيل مقابل كل الخطوات المطلوبة منه.
رفض “الحزب” انعكس في تغريدة لشقيق مسؤول الإعلام في “الحزب” الراحل محمد عفيف، الدكتور صادق النابلسي قال فيها إنّ “مصر كانت تأتي بروح جمال عبد الناصر، أصبحت تأتي بروح أنور السادات. الرسالة المصرية لنا استسلموا”.

تصعيدٌ بعد سقوط المبادرات

على الرغم من الأجواء السلبية التي أحاطت باجتماع وزير الخارجية المصري مع مجموعة من النواب، أكدت مصادر دبلوماسية مصرية لـ”أساس” أنّ الوضع مأزوم، ولكن ليس كما صُوِّر في الإعلام. في الكواليس الدبلوماسية، لا تزال هناك فرصةٌ للحل شرط الالتزام بالشروط الدولية عبر خطواتٍ تدريجية يتخذها لبنان و”الحزب”.

مصادرُ مقرّبةٌ من “الحزب” علّقت على المبادرة مؤكدةً أنّ “الحزب” سيقف خلف الدولة في التعامل معها، لا أمامها، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن لا شيء سيمنع إسرائيل من السعي إلى تجديد حربها على لبنان.

بالتزامن مع انتهاء الزيارة المصرية، يتحضّر لبنان لزيارة الحبر الأعظم الذي تحدّث خلال رحلته إلى تركيا عن إسرائيل و”الحزب”، وعن ضرورة التفاوض المباشر. بعد مغادرته لبنان، تصل أورتاغوس بالعصا الأميركية.

أمّا رئيسُ الجمهورية الذي كان ينتظر مباشرة سفير واشنطن الجديد في بيروت ميشال عيسى مهامه، فهو يواجه، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة، تطويقاً دولياً، وسط عدم مبادرة السفير عيسى إلى أيّ جديد، باستثناء مطالبته الجيش اللبناني باستكمال مهامه جنوب الليطاني، والدخول إلى المنازل الموضوعة تحت “شبهة” إسرائيلية.

غادر الوزير المصري بعدما مهّد رئيسه عبد الفتاح السيسي للزيارة من خلال اتصال هاتفي مع الرئيس اللبناني مهنئاً بالاستقلال ومحذّراً من إبقاء الأمور على حالها، لأن شهر المبادرات والفرص يشارف على الانتهاء، وسيبقى بعدها استحقاق الدمار.

جوزفين ديب -اساس