الصحافة

أحمد الشرع... "الجهادي" الذي وقعت أميركا في حبّه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شكّل عام 2021 نقطة تحوّل بارزة في مسار «أبو محمد الجولاني»، زعيم «هيئة تحرير الشام»، الذي سيصبح لاحقاً رئيساً انتقالياً لسوريا، وذلك بعد تخلّيه عن لقبه، واعتماده اسمه الحقيقي: أحمد الشرع. إذ في هذا العام تحديداً، أعلنت الولايات المتحدة التوصّل إلى اتفاق يقضي بانسحابها من أفغانستان، لتتسلّم حركة «طالبان» السلطة، وفقاً لاتفاق يقضي بحماية المصالح الأميركية، الأمر الذي التقطه «الشرع» و«هيئته»، باعتباره ركيزة يمكن البناء عليها لتحديد مصيرهما. قبل التحوّل المذكور بخمسة أعوام، كانت «جبهة النصرة» قد أعلنت فكّ ارتباطها بتنظيم «القاعدة» وتغيير اسمها إلى «هيئة تحرير الشام»، التي ضمّت فصائل أخرى قامت بحلّ نفسها واندمجت ضمن التشكيل الجديد الذي أسّس حكومة في إدلب، حملت اسم «حكومة الإنقاذ» التي تولّت إدارة المحافظة وقدّمت نموذجاً يمكن تسويقه لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وكانت أثارت المظاهر الاحتفالية الكبيرة التي عمّت مناطق سيطرة «الهيئة» بعد الإعلان عن اتفاق «طالبان» مع واشنطن، وما تبعها من ندوات ونقاشات داخلية وبيانات تهنئة للحركة، أثارت تساؤلات عدة حينها، لتأتي الإجابة بعد سنوات قليلة، عندما سقط النظام السوري، وصعد الشرع إلى سدّة الحكم، وحصل على مباركة أميركية وأوروبية عاجلة. على أن خطوات «الجولاني» لم تكن سهلة أو سلسة؛ إذ واجه جملة من العراقيل في طريقه إلى التحوّل، أهمّها بروز معارضة داخل أروقة تنظيمه، ووجود فصائل أجنبية عدة تعمل بشكل منفرد، ليخوض، والحال هذه، سلسلة من العمليات الأمنية والعسكرية، بعضها استهدف المكوّنات الداخلية (اعتقالات وتحقيقات ضدّ ما قيل إنها شبكة استخباراتية قامت بتسريب معلومات لجهة غربية)، وأخرى خارجية استهدفت الفصائل الأجنبية، التي تمّ فرط عقد بعضها، وضمّ بعضها الآخر إلى «الهيئة»، أو على أقلّ تقدير توقيع اتفاقية تحالف معها تُحافظ على هيكليتها، وتمنع المواجهات معها، وتفرض عليها، في الوقت نفسه، الالتزام بالقوانين التي تحدّدها «تحرير الشام».

أمّا على الصعيد الخارجي، فأسّست «الهيئة» عدداً من مكاتب الاتصال السياسي، وعمدت إلى فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة، وذلك عبر بوابة «المساعدات» التي كانت تتحكّم «الهيئة» في عمليات توزيعها ضمن مناطق سيطرتها. على أن تجربة «الهيئة» وتشكيلها القوي، واعتمادها على مصادر تمويل خاصة (فرض إتاوات على المنتجات الزراعية والتحكم بمعابر التهريب وإقامة شركات خدمية)، شجّعا تركيا على زيادة دعمها لهذا التشكيل، خصوصاً في ظلّ وجود تجربة أخرى مكلفة في الشمال السوري، متمثّلة في فصائل «الجيش الوطني» و«الحكومة المؤقتة» (شكّلها «الائتلاف» المعارض الذي كان ينشط من إسطنبول)، التي اعتمدت على الدعم التركي المستمر، من دون أن تنجح في بناء مؤسّسات قوية، بل وخاضت في ما بينها سلسلة طويلة من الصراعات على النفوذ.

وفي أثناء ذلك، عمل الشرع، وبدعم تركي أيضاً، على توسيع قنوات التواصل مع «التحالف الدولي ضد داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة، خصوصاً بعد القضاء على آخر معاقل التنظيم في مخيم الباغوز في ريف دير الزور، ولجوء زعيمه حينها، «أبو بكر البغدادي»، إلى قرية باريشا في ريف إدلب، قرب الحدود مع تركيا، حيث قادت واشنطن لاحقاً عملية إنزال جوي أدت إلى مقتله. والجدير ذكره، هنا، أن «البغدادي»، وقبل اغتياله بنحو 8 سنوات، كان الداعم الأبرز لـ«الجولاني» في تأسيس «جبهة النصرة»، ثمّ خاضا سلسلة طويلة من المعارك، في ظلّ رفض الثاني الخضوع للأوّل، الذي أعلن حينها إقامة «دولته الإسلامية» في العراق والشام. وفي عام 2013، وضعت الولايات المتحدة اسم «الجولاني» على لوائح الإرهاب، وقدّمت عرضاً بقيمة 10 ملايين دولار لكلّ من يدلي بمعلومات عن مكان إقامته. غير أن هذا الإعلان لم يؤثّر في سياسة الرجل الذي كان قبل بضع سنوات سجيناً في أحد معتقلات العراق، بعد أن قبضت دورية أميركية عليه خلال عملية زرع عبوة ناسفة. وفي أثناء رحلة صعوده، وثّق «الجولاني» علاقته مع شخصيات سورية تنشط في قطر، أبرزها أحمد زيدان، مراسل قناة «الجزيرة» سابقاً في باكستان. كما متّن صِلاته بقطر نفسها، ليشكّل ما يشبه التحالف مع كلّ من الدوحة وأنقرة، وهما العاصمتان اللتان حافظتا على حالة القطيعة مع النظام السابق، برغم الانفتاح العربي عليه، والذي سبق سقوطه.

كذلك، تقاطعت مصالح «الجولاني» مع المصالح الأوروبية والأميركية وحتى الإسرائيلية، في سوريا، إذ قدّم الرجل نفسه باعتباره الشخص المناسب لمحاصرة النفوذ الإيراني، وقطع طرق إمداد المقاومة في لبنان، كما صدّر ذاته بصفته «رجل دولة»، متعهّداً بعدم امتداد النشاط العسكري إلى خارج حدود سوريا. وفي هذا السياق، كشف السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، خلال تصريحات أدلى بها أمام «مجلس العلاقات الدولية في بالتيمور»، مطلع شهر أيار الماضي، عن دور شارك فيه، عبر منظمة بريطانية، لإخراج الشرع من عالم الإرهاب، وإعادة تسويقه على أنه رجل سياسي. ورغم نفي «رئاسة الجمهورية» تلك المعلومات، وإدراج اللقاءات التي جرت بين فورد والشرع عام 2023 في سياق الاجتماعات العامة التي أجراها «الجولاني» حينها مع سياسيين غربيين، يكشف هذا التفصيل عن أدوار مركّبة لعبتها قوى عدة في عملية تهيئة الرجل لمرحلة ما بعد سقوط الأسد.

وفور صعوده إلى السلطة، أعلن الشرع عن تغييرات كبيرة وجوهرية في تركيبة جماعته، مؤكداً أن «الثورة انتهت»؛ كما توجّه بكلّ ما أوتي من قوة نحو واشنطن، مقدّماً تعهدات بحفظ «أمن الجوار» بما يشمل إسرائيل، والمشاركة في «محاربة الإرهاب». وبناءً على تلك التعهدات، احتضنته الولايات المتحدة بدعم سعودي وقطري وتركي، وبدأت مساراً سريعاً لرفع العقوبات عنه - وإن جزئياً -، وشطب اسمه من قوائم الإرهاب. وبالاندفاعة نفسها، توجّه الشرع نحو أوروبا عبر بوابتَي فرنسا وألمانيا، ناسجاً علاقات متينة مع باريس، التي تبحث عن دور أكبر في سوريا، مستعمرتها السابقة، وبرلين، التي ترغب في التخلّص من عبء اللاجئين السوريين. وتوجّه لاحقاً أيضاً نحو موسكو وبكين، لينسج خريطة علاقات سياسية قوية، بدت كفيلة بطيّ الصفحات القاتمة من تاريخه، وبلورة موقعه الجديد باعتباره رئيساً انتقالياً لسوريا، يعمل على ترسيخ نفوذه والاستعداد لما بعد «المرحلة الانتقالية»، والتي كان حدّدها بخمس سنوات.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا