الجيش يوسّع شبكة شراكاته… هيكل في هولندا وأسس مرحلة عسكرية جديدة
لماذا إطلاق سراح رياض سلامة منطقي؟
إخلاء سبيل رياض سلامة منطقي. لم يفاجئني – علمًا أنني تفاجأت عندما أوقف أصلًا. كنت أتوقع له بعد انتهاء فترة حاكميّته بمصرف لبنان أن يصبح وزيرًا، أو مرشحًا رئاسيًّا، أو نجمًا من نجوم شاشاتنا. لماذا أمضى سنة بسجن مريح، مع السيجار، والهاتف الخاصّ، وأشهر نقاهة بمستشفى بحنس بحجّة "تدهور وضعه الصحّي"؟ أفترض أن الضغط الدولي أجبر شركاءه في المنظومة الحاكمة على التظاهر بمحاسبته. أفترض أن الضغظ خف اليوم، إمّا لانشغال الخارج بمسائل أهمّ من لبنان، أو ليأسه منه، أو لأيّ سبب آخر لعلّ قادم الأيّام تظهره. تاليًا، رياض سلامة إلى الحريّة.
لماذا أقول إن إطلاق سراح رياض سلامة منطقي؟ لأسباب ثلاثة متصلة: أوّلًا، رياض سلامة كان مدير أعمال المنظومة الحاكمة؛ لم يكن وحده المنظومة نفسها. ثانيًا، هذه المنظومة فوق القانون لأنها مكوّنة من زعماء مكوّنات لبنانيّة تكره بعضها بعضًا، ما يوفر حماية لقادتها. محاسبة زعيم من هؤلاء الزعماء دونه الحرب الأهليّة؛ وليس صدفة أنها لم تتوقف عام 1990 الّا وقد أطبقوا على الدولة وتقاسموها. ثالثًا، الأكيد أن رياض سلامة يعرف من سرق ماذا. أمّا وأنه لم يفضح أحدًا طوال فترة توقيفه، وكان مطواعًا تمامًا قبلها، فحريّته دين على المنظومة التي خدمها. يلوح في البال هناك قانون الصمت (Omerta Law) الذي يمنع رجال المافيا بصقليّة من التعاون مع السلطات إذا أوقفوا. مع فارق بالحالة اللبنانيّة أن المافيا هي زعماء الطوائف، والسلطات منهم ولهم. السلطات، بمعنى آخر، هي هم. المافيا ببلادنا الزاهرة لن تحاسب نفسها.
قبل سنوات، كان انحيازي لعاميّة 17 تشرين تامًّا. لا أزال أعتبرها واحدة من المحطّات النبيلة بتاريخنا المعاصر، إلى جانب لحظة 14 آذار. بظروف وأوجه مختلفة، يمكن القول إن المحطّتين تعبير عن البحث اللبناني الطويل عن دولة، عن حياة طبيعيّة. لماذا فشلت هذه كما تلك؟ جوهر الجواب عندي مسألة الهويّة. إذا كان المسيحيّون والسنة والدروز رأوا بالحكم السوري العلوي وبنظام الملالي الإيراني أعداء لهم، فجلّ الشيعة رأوا بالأسد والملالي حلفاء. هذا لجهة بحث 14 آذار عن السيادة. وإذا كانت شرائح وازنة من المسيحيّين والسنّة والدروز أبدت استعدادها للتمرّد على المنظومة الحاكمة، واقترعت لنوّاب تغييريّين مسيحيّين وسنّة ودروز كتعبير عن رفضها لها، فإن ولاء الشيعة للمنظومة، و"الثنائي" قلب قلبها، ظلّ تامًّا. تاليًا، تمكّن حسن نصراللّه من إجهاض 17 تشرين على مرحلتين: أوّلًا، عندما أطلق زبانيته ضدّها لترويعها بالشارع على وقع صيحات "شيعة، شيعة، شيعة" الشهيرة. وثانيًا، عندما حصد حزبه، مع ربيبته "أمل"، على أصوات شيعيّة فاقت نسبتها التسعين بالمئة من المقترعين. الاستنفار الشيعي الدائم، العدائي، والمسلّح، خلق استنفارًا مقابلًا؛ وهذا لا مفرّ منه بالمعادلة اللبنانيّة. وبهذه الظروف، لا السيادة ممكنة، ولا محاسبة الفاسدين. هذه الخلفيّة السياسيّة تفسّر لماذا أطلقت السلطات اللبنانيّة سراح رياض سلامة، بدل أن يبدأ التحقيق مع أمثال نبيه برّي، ووليد جنبلاط، وجبران باسيل، ونجيب ميقاتي، وعلي حسن خليل، ونهاد المشنوق، وجميل السيّد، ووفيق صفا، وغيرهم كثر من أقطاب سياسة لبنان. ونفس الخلفيّة تفسّر أيضا لماذا لن يحصل أهل ضحايا انفجار المرفأ على العدالة. الديناميكيّات التي تمنع العدالة من مساءلة من سرق اللبنانيّين هي هي تتحرّك لحماية من قتلهم.
ما خلاصات كلّ ذلك؟ أوّلًا، المنظومة نتاج النظام. من يتوهّم الإبقاء على النظام، مع تغيير المنظومة، لا يفهمه، ولا يفهمها. لذلك أضحك كثيرًا في كلّ مرّة يبدأ عهد رئاسي بلبنان، ويتفاءل لبنانيّون بأن "عهد الإصلاح بدأ" (للتذكير: هذا ما قالوه لنا عندما انتخب إميل لحّود. المزحة السمجة تتكرّر مذّاك). ثانيًا، لا إصلاح ما بقيت النخب الحاكمة قادرة على الاختباء وراء مكوّنات متنابذة. وثالثًا، المكوّنات ستبقى كذلك ما بقي النظام اللبناني يضعها بمواجهة بعضها البعض بسباق دائم محموم للسيطرة على المركز. بسياسة لبنان، من ليس عنده ما يقول بمسألة النظام، ليس عنده ما يقول، نقطة.
هشام بو ناصيف -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|