المسيحيون لرأس كنيستهم: نريد مَن يسمعنا!
يأمل اللبنانيون أن تفتح زيارة البابا لاون الرابع عشر، كوّةً في جدار العتمة المهيمنة على لبنان منذ سنوات. ويتخوّفون، بالتوازي، من تحوّلها إلى ذكرى وحدثٍ رمزي آخر، فيما التحدّيات على أرض الواقع تتطلّب التعامل مع الحقائق كما هي، لا كما تقدّمها الطبقة الحاكمة والقيادات الروحية.
في أحاديث الأهالي، في المدن والقرى وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن لمسُ تعب الناس من الشعارات والشكليات. عند المسيحيين خصوصاً، يظهر حجم الإرهاق الجماعي الطاغي، وانعدام الثقة المتزايد بين الرعية ومسؤوليها الزمنيين والروحيين.
أراد الناس هذه المرّة، وأكثر من الزيارات البابوية السابقة إلى لبنان، إيصال صرختهم وصوتهم مباشرةً إلى الحبر الأعظم، من دون وسطاء، في ظلّ تعاظم مخاوفهم من التحوّلات في المنطقة، وتردّي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتبخّر ودائعهم ونزيف هجرة أبنائهم، وحنقهم المتنامي من فقدان شبكة الأمان الاجتماعي التي تشكّل الكنيسة ركناً أساسياً فيها. ويجاهر الكثيرون منهم بأنّ الكنيسة لم تتحمّل المسؤولية بشكل كافٍ أو أنّ دورها لم يرتقِ إلى حجم الكارثة وتبعاتها.
لم يتردّد الأب داني درغام، المتخصّص في تعليم الكنيسة الاجتماعي - السياسي وفي العلوم السياسية والعلاقات الدولية، من المجاهرة بآرائه علناً حول زيارة البابا والمرتقب منها. في حوار متلفز على محطة «نورسات»، شدّد ضرغام، على أنّ «شباب لبنان، لا يريدون من البابا ومن الكنيسة المحلّية خطاباً كلاسيكياً اعتادوا سماعه طوال 50 سنة وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. يجب أن تُنقل إلى البابا صورة حقيقة عن معاناة المسيحيين في لبنان. ولا نقصد بالمعاناة الظهور بمظهر الضحايا من قبل آخرين مختلفين عنّا. معاناتنا لعقود من يتحمّل مسؤوليتها أيضاً، مسؤولونا السياسيون والحزبيون والكنسيون».
ملّ الناس الصور والبروتوكلات، وتهافت المتسبّبين عن الخراب على مصافحة الحبر الأعظم والظفر بمباركته. صرخة تردّدت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي ونقلها درغام عبر صفحته على موقع «إكس»، متوجّهاً إلى البابا بالقول: «من يموّلون وينفقون على بعض الترتيبات والإجراءات المرتبطة بزيارتكم هم من أصحاب رؤوس الأموال والمصارف والمؤسسات المسؤولة عن سرقة أموال الناس لا سيّما الفقراء...». وفي منشور آخر، يحذر البابا، من أنّ «الذين سيلتقطون الصور معك، سيقتربون منك لإعادة تدوير أدوارهم العقيمة، في حين أنّ غالبيّتهم كانوا من مسبّبي انهياره أو ممّن غطّوه أو برّروه. وهم أنفسهم اليوم يمنعون قيامته».
تنظيم أو ترتيبات تحوّلت إلى مادة دسمة لسخرية اللبنانيين وفكاهتهم. إذ رأى فيه كثيرون تكراراً لما دأب عليه المسؤولون اللبنانيون، الذين يجمّلون الواقع قدر المستطاع أمام المسؤولين الأجانب، فيما يُترك اللبنانيون لمصيرهم بلا أدنى متطلّبات الكرامة والحقوق. لذا، ناشد هؤلاء البابا البقاء في لبنان، أو زيارته بشكل متكرر كي تبقى الطرقات مزفتة والإنارة مضاءة، والأمن حاضر بقوة.
دعوات كثيفة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي طالبت البابا بعدم لقاء المسؤولين السياسيين ولا الدينيين، وإنما زيارة الناس البسيطة. ومن المنشورات التي لاقت رواجاً كبيراً ما كتبه المواطن غالب دويهي، الذي نادى البابا إلى زيارة «المدارس والجامعات والتلامذة والأساتذة وهني بخبروك كل شي. تعا زور المرضى بمستشفياتك وهني بخبروك كل شي. تعا زور السفارات وشوف مين واقف هونيك وليش واقف. زور الرعايا الصغيرة بالضيع وإذا لقيت بعد حدا هونيك، هو بخبرك كل شي. تعا بالسرّ وزور المحكمة الروحية وشوف أبناءك، مش المسؤولين عنها، وهني بخبروك...».
في حديث مع مجموعة شباب في مقهى في منطقة أنطلياس، تتردّد الهواجس الحياتية نفسها. يجمع الشبان على أنّ «المستقبل مقلق. لا نرى أي أفق. المصاريف زادت والمداخيل تراجعت». خمسة شبان في العقد الثالث من العمر، ثلاثة منهم عاطلون عن العمل، ومن يعملون رواتبهم لا تكفيهم. يقول أحدهم ويدعى شربل، ويعمل في اختصاص التسويق، إنّ «العائلة ركيزة من ركائز الإيمان، وهي كنيسة مصغّرة. والزواج سرّ مقدّس. كيف نصمد في أرضنا؟ كيف تنمو هذه الكنيسة الصغيرة إذا كنا كشباب غير قادرين على الزواج ولا على شراء أو حتى استئجار مسكن لائق؟».
وعلى سيرة السلام وهو العنوان الكبير لزيارة قداسته، يطرح الشباب أسئلة عن المستقبل الذي ينتظر لبنان بعد زيارة البابا والتهديدات التي تطلق في هذا الشأن. يسأل طوني: «هل يمكن للفاتيكان أن يوفّر مظلة حماية للبنان من أي حرب مستقبلية؟ هل لزيارة البابا في هذا التوقيت دلالات معيّنة؟ وماذا لو هاجمتنا إسرائيل بعد هذه الزيارة؟ ما هي ارتدادات هكذا فعل عالمياً وفي الأوساط المسيحية قاطبةً؟». ويلفت إلى أنّ «الحرب قد لا تطاولنا كفئة بشكل مباشر في حال وقعت. صحيح. لكن هل بمقدورنا كبلد وكلبنانيين أن نتحمّل حرب أخرى بهكذا شراسة؟».
الفرح بقدوم البابا كبير. رمزية الرسالة عميقة. لكن، القلق يتسلسل إلى النفوس. ليست الزيارة الأولى لبابا إلى لبنان. سبقه باباوات آخرون، أبرزهم البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في ظل الوصاية السورية والاحتلال الإسرائيلي، ولم يتغيّر شيء. لا، بل تفاقمت الأمور في البلد نحو الأسوأ.
في هذا السياق، كتب الصحافي نبيل يوسف، عبر صفحة «بلاد البترون»، أنّ «المطران ميشال عون، قدّر أن يتجاوز عدد المشاركين في القداس الإلهي الذي سيترأّسه الحبر الأعظم 100 ألف شخص. وممكن أن يتجاوز العدد هذا الرقم. فيما قدّر عدد المشاركين في زيارة البابا بنديكتوس سنة 2012 بحوالي نصف مليون شخص. وقارب العدد المليون في أثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني. فلماذا هذا التراجع في أعداد المشاركين؟». ليجيب نفسه أنّ الأسباب مرتبطة «بيأس الشباب، والهوّة الكبيرة بين الأكثرية الساحقة من الناس، ولا سيّما فئة الشباب والقيّمين على الكنيسة، إضافة إلى هجرة الشباب الكثيفة».
رضا صوايا - الأخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|