محليات

من العسكري إلى المدني… تغيير في قواعد التفاوض

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في خطوة تحمل أبعاداً سياسية ودبلوماسية تتجاوز التغيير في تركيبة وفد رسمي، اتخذ لبنان قراراً بضمّ السفير الاسبق لدى واشنطن سيمون كرم إلى وفده المشارك في لجنة الميكانيزم، ونقل رئاسة الوفد من المستوى العسكري إلى المدني ليصبح كرم رئيساً له في مرحلة مصيرية من عمر اللجنة المنشأة بموجب إطار وقف الأعمال العدائية.

هذا القرار الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعد تنسيق مباشر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، هو نتاج قراءة عميقة لطبيعة المرحلة الجديدة التي دخلها ملف وقف الأعمال العدائية، خصوصاً بعد تلقي بيروت إشعاراً أميركياً بأن الجانب الإسرائيلي وافق على ضمّ عضو مدني إلى وفده، ما سمح بإعادة صوغ قواعد اللعبة داخل اللجنة، وفتح الباب أمام تحوّل في شكل المشاركة اللبنانية ووظيفتها.

وفق هذا المسار، رأى لبنان أن انتقال رئاسة الوفد إلى شخصية مدنية تمتلك خبرة تفاوضية وقانونية ودبلوماسية واسعة يشكل فرصة لإعادة تموضع الدولة داخل اللجنة، وتحويل المشاركة من دور تقني – ميداني إلى حضور سياسي – قانوني قادر على حماية الحقوق اللبنانية وترسيخ موقع الدولة في كل ما يتصل بالحدود والالتزامات الدولية. واللافت أن اختيار سيمون كرم جاء كنتيجة خلاصة مسار طويل في الخدمة الدبلوماسية وملفات التفاوض المعقّدة، إذ سبق للرجل أن شغل منصب سفير لبنان لدى الولايات المتحدة، ما أتاح له بناء شبكة علاقات راسخة داخل دوائر القرار الأميركي ومراكزه المؤثرة. إلى جانب ذلك، يحمل كرم رصيداً تفاوضياً نوعياً بوصفه عضواً في وفد لبنان إلى مفاوضات مدريد بين العرب وإسرائيل، ما يعطيه قدرة استثنائية على إدارة نقاشات تقنية وسياسية دقيقة ومعقدة تتطلب معرفة تفصيلية بتوازنات الصراع وبالحدود الفعلية الممكن التحرك ضمنها.

وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو واضحاً أن الدولة اللبنانية قررت الدفع بشخصية قادرة على مخاطبة الشريك الأميركي بلغة المؤسسات، وعلى قراءة مواقف الأطراف الدولية المشاركة في آلية وقف الأعمال العدائية، بما يمنح الوفد اللبناني فرصة أكبر للتأثير والمبادرة. كما أن حضور كرم في اجتماع الناقورة يشكّل بداية مرحلة جديدة تتراجع فيها المقاربة العسكرية المباشرة لمصلحة رؤية مدنية تستند إلى القانون الدولي وخبرة التفاوض وتفاصيل الملفات الحدودية. ويأتي هذا التحوّل ليعكس قناعة لبنانية بأن السيادة والأمن لا يُصانان فقط عبر الميدان، بل أيضاً عبر امتلاك الدولة قرارها في طاولة التفاوض، وبأن نقل رئاسة الوفد إلى شخصية مدنية يعزز قدرة لبنان على توجيه النقاشات بما يخدم مصالحه العليا.

ويحمل هذا التعيين أيضاً رسالة واضحة بأن لبنان يريد إعادة بناء سرديته الرسمية داخل اللجنة، بحيث تصبح المداولات منصة لتثبيت الحقوق وقراءة المرحلة لا مجرد بحث في ترتيبات ميدانية. ومع انتقال القيادة إلى شخصية تجمع بين الخبرة القانونية والدبلوماسية، تصبح اللجنة أمام دينامية جديدة تتقدم فيها المقاربة السياسية – الدستورية إلى جانب الدعم التقني الذي يوفره الجانب العسكري، في صيغة متكاملة قد تفتح الباب أمام إعادة تنظيم العلاقة بين لبنان والمؤسسات الدولية المعنية بحفظ الاستقرار جنوباً.

وفي ظل التوترات الإقليمية وتعقيدات المشهد الحدودي، يبدو أنّ الدولة اللبنانية اختارت توقيتاً استثنائيا لاستعادة أدواتها، وتأكيد حضورها الفاعل في واحدة من أكثر اللجان أهمية منذ بدء العمل بإعلان وقف الأعمال العدائية، بما يعكس إرادة واضحة في تثبيت القرار السيادي وصون الاستقرار عبر مقاربة سياسية رصينة ومتوازنة.

داود رمال – "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا