"الخطة ب".. ماذا يُعدّ مادورو لإغراق ترامب في حرب استنزاف طويلة؟
تتسارع التقديرات الأمنية الغربية حول ما تسميه إدارة نيكولاس مادورو بـ "الخطة ب"، وهي منظومة مقاومة غير نظامية تُعدّها كاراكاس لمواجهة أي تصعيد أمريكي محتمل على حدودها البحرية أو داخل أراضيها. وتكشف تقارير بحثية دولية أن هذه الخطة ليست مجرد استعداد دفاعي، بل مشروع شامل لتحويل أي تدخل أمريكي إلى مستنقع استراتيجي طويل، شبيه بالنموذجين العراقي والأفغاني من حيث الاستنزاف، ولكن بميزات جغرافية وسكانية تجعل الانسحاب أكثر تعقيدًا.
وبحسب تقرير موسع نشرته وكالة رويترز، فإن السلطات الفنزويلية حددت ما يزيد عن 280 موقعًا سيتم استخدامها كمراكز مقاومة، تشمل مدنًا متوسطة، وأحياء شعبية في كاراكاس، ومناطق ريفية متداخلة مع الغابات، بحيث تصبح البلاد شبكة متداخلة من "مناطق دفاع لا مركزية" يصعب السيطرة عليها أو إخضاعها بسرعة.
جيش رديف ووحدات ظلية
تعتمد الخطة "ب" وفق تحليلات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) على ثلاث ركائز رئيسة، أولها الميليشيات الشعبية البوليفارية، وهي القوة الأساسية للمقاومة، وتضم مئات الآلاف من المتطوعين المسجلين رسميًا، وإن كانت الأرقام الفعلية أقل بكثير. تلقت هذه الميليشيات تدريبات على حرب العصابات، والكمائن، واستخدام المتفجرات البدائية، والاشتباكات داخل المناطق الحضرية.
وتأتي "وحدات الظل اللامركزية"، كركيزة ثانية يعتمد عليها نظام الرئيس مادورو، وهو مفهوم يقترب من نماذج المقاومة التي طورها حزب الله وإيران. هذه الوحدات تعمل دون هيكلية واضحة، وتتمتع باستقلال نسبي في التكتيك والتنفيذ، ما يجعل استهدافها عسكريًا أمرًا صعبًا.
وستعمد السلطات الفنزويلية على تفكيك مراكز الثقل العسكرية، حيث يدرك النظام أن الجيش النظامي التقليدي لن يصمد أمام تدخل أمريكي واسع. لذلك تنص الخطة على تفكيك الوحدات الكبيرة إلى مجموعات صغيرة، وتوزيع مخازن السلاح في شبكة من الأنفاق والمزارع والمنازل الآمنة، بحيث لا يمكن تدمير القدرة القتالية بضربة واحدة.
ووفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية، فإن تجزئة القوة العسكرية إلى وحدات صغيرة هو عنصر أساسي في إطالة أمد أي مواجهة وإفقاد الخصم ميزة التفوق الناري.
جغرافيا معقدة.. ومسرح مثالي لحرب استنزاف
تشير التقييمات الأمريكية إلى أن فنزويلا تمتلك تضاريس تجعلها واحدة من أصعب البيئات القتالية في نصف الكرة الغربي؛ بدءًا بالغابات الكثيفة التي تشبه الأدغال الكولومبية، مرورًا بالأحياء الحضرية العشوائية المكتظة مثل Petare، التي يُنظر إليها كمسرح مواجهات مثالي للمقاومة المسلحة. كما أنها تملك سواحل طويلة يسهل استخدامها للالتفاف أو تنفيذ عمليات بحرية مفاجئة.
هذه البيئة - عندما تُدمج مع الميليشيات الشعبية - تكوّن، بحسب مجموعة "راند"، "مسرحًا لمواجهة غير متناظرة يُفقد الولايات المتحدة عنصر الحسم السريع".
هل تستطيع واشنطن السيطرة فعلًا؟
تُجمع التحليلات الميدانية لعدد من الخبراء العسكريين الأمريكيين، بينهم ضباط سابقون في القيادة الجنوبية (ساوث كوم)، على نقطة أساسية، وهي أن الولايات المتحدة تستطيع ضرب فنزويلا، لكنها لن تستطيع السيطرة عليها دون تكاليف هائلة.
ويحذر تقرير صادر عن مركز ويلسون من أن أي تدخل مباشر سيفتح الباب أمام 3 تحديات؛ الأول تفكك خطوط الإمداد الأمريكية داخل المناطق الحضرية، خاصة أن حرب المدن تعني فقدان القدرة على تأمين القوات، وتعرضًا مستمرًا لقنابل بدائية وكمائن.
وثانيًا صعوبة تحقيق نصر سياسي؛ فحتى لو نجحت العمليات العسكرية، فإن سقوط نظام مادورو لا يعني بالضرورة قبول الشارع بنظام مدعوم أمريكيًا، خصوصًا مع إرث طويل من العداء التاريخي.
ويعتقد محللون وخبراء أن وجود جماعات تهريب وميليشيات حدودية في كولومبيا والبرازيل قد يفتح مسارات قتال إضافية، بما يتجاوز حسابات واشنطن الأولية.
هل تنجح فنزويلا في نصب الفخ؟
يرى محللون في "فورين بوليسي" أن خطة مادورو ليست مصممة للانتصار العسكري، بل لـ رفع تكلفة التدخل الأمريكي إلى مستوى لا يمكن للبيت الأبيض تحمله سياسيًا، فأي حرب استنزاف - حتى لو كانت منخفضة الشدة - قد تتحول إلى عبء انتخابي على الرئيس ترامب، خصوصًا إذا بدأت صور الجنود الأمريكيين في المدن الفنزويلية تنتشر كما حدث في العراق بعد 2003.
وبحسب خبراء، فإن النظام يراهن على أن العداء الشعبي لأي تدخل أمريكي سيخلق تعبئة واسعة، ولو مؤقتًا. وأن تشابك الجغرافيا والمجتمع سيمنع واشنطن من تحقيق "نصر نظيف". وأن الزمن هو السلاح الأقوى، وبالتالي فإن كل أسبوع من القتال يزيد من تكلفة الحرب، ويعزز موقف مادورو التفاوضي.
تعمل فنزويلا على تحويل نفسها إلى ساحة مقاومة واسعة، لا يمكن إخضاعها بسرعة، ولا يمكن الانتصار فيها دون أثمان سياسية وعسكرية واقتصادية باهظة. وخطة مادورو -التي تمزج بين الميليشيات الشعبية، والوحدات الظلية، وتفكيك الجيش النظامي- تعكس إدراكًا واضحًا بأن الصراع مع واشنطن لن يُحسم بالنيران، بل بالاستنزاف.
ووفقًا للمحللين، فإن الولايات المتحدة في حال واصلت ضرباتها المحدودة، فقد تجد نفسها أمام سؤال استراتيجي صعب: هل تستمر في الضغط، أم تتراجع لتتجنب مستنقعًا يشبه كثيرًا ما واجهته في الشرق الأوسط؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|