محليات

خطاب قاسم: تثبيت السقف الدفاعي قبل اتّساع المسار التفاوضي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شكّل خطاب أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم المحطة الأكثر ترقّباً بعد اجتماع "الميكانيزم"، وذلك ليس لكونه تعليقاً على مسار تفاوضي فحسب، بل لاعتباره مؤشراً على كيفية إدارة "الحزب" للمرحلة السياسية المفتوحة على ضغوط خارجية وانقسامات داخلية. فالخطاب أتى في لحظة تُقرأ فيها الخيارات اللبنانية داخل سياق تناقضي يُظهر مساراً تفاوضياً يتحرّك تحت ضغط ميداني وبيئة دولية تبحث عن مكاسب سياسية، ومشهداً داخلياً يحاول بعض أطرافه الاستثمار في اللحظة لإعادة توزيع الأدوار. ومن هنا لم يكن مضمون الخطاب معزولاً عن هذا المشهد، بل محاولة لإعادة ضبط قواعد النقاش قبل أن يفرض الخارج إطاره الخاص.

ضمن هذا السياق، بدأ الشيخ قاسم بإعادة تنظيم الإطار الداخلي للخلاف السياسي، مذكّراً بأن النقاش داخل البلد يجب أن يبقى محكوماً بالدستور لا بموازين تُصنع خارج المؤسسات. وبذلك وجّه رسالة بأن الشرعية الوطنية لا تُستعاد عبر الضغط الدولي ولا تتحوّل إلى مادة للمزايدات الداخلية، بل تُحدَّد بنتائج العملية الديمقراطية. ولعلّ هذه المقاربة، وفق مصادر سياسية متابعة، تسمح بفصل الخلاف الطبيعي عن التوظيف السياسي الذي تسعى بعض القوى إلى بنائه انطلاقاً من اللحظة التفاوضية.

ومن هذا المدخل، انتقل الخطاب إلى جوهر الموقف، أي تثبيت مفهوم الاستراتيجية الدفاعية كإطار وحيد لأي نقاش يتعلق بالسلاح ودوره. فالأمين العام لم يتعامل مع الملف بوصفه ذريعة خلافية، بل باعتباره جزءاً من منظومة وطنية لا يمكن إخراجها من يد اللبنانيين تحت أي عنوان، في محاولة لإعادة وضع النقاش في موقعه الطبيعي داخل المؤسسات. حيث تم طرح هذا المفهوم ليس كصيغة تفاوضية بل كمرجعية سياسية تضمن إبقاء القرار الدفاعي داخل الدولة وتمنع تحويله إلى ورقة يجري تدويرها دولياً. وهذا التحديد، بحسب المصادر، يختصر موقف "الحزب" بأن النقاش حول السلاح ممكن، لكن ضمن إطار وطني واضح لا يتجاوز الحدود التي يضعها لبنان لنفسه.

وتوازياً مع ذلك، قدّم الخطاب قراءة مختلفة للسلوك الإسرائيلي، إذ وضعه في سياق مشروع توسّعي لا علاقة له بوجود السلاح بقدر ما يرتبط بالسعي إلى تعديل موقع لبنان داخل الخريطة الاستراتيجية للمنطقة. ومن خلال هذا الطرح، يتراجع الادعاء بأن التصعيد ناتج عن قدرات المقاومة، ليظهر كأداة ضغط تُستخدم لفرض شروط سياسية. وبذلك، ترى المصادر أن النقاش عاد إلى أساسه الطبيعي، حيث تبيّن أن جوهر المشكلة ليس السلاح، بل المسار الذي تحاول إسرائيل من خلاله تغيير الواقع الحدودي وتقليص قدرة لبنان على خوض أي تفاوض من موقع متماسك.

وفي قراءته لاجتماع "الميكانيزم"، اعتبر الشيخ قاسم أنّ مشاركة الوفد المدني لم تُنتج مساراً تفاوضياً أكثر ثباتاً، بل منحت العدو مجالاً إضافياً للضغط، الأمر الذي تحوّل سريعاً إلى مدخل لتشديد المواجهة على المستويين السياسي والميداني. وتقول المصادر أن هذا التقييم لا يقتصر على توصيف تفصيل إجرائي، بل يؤكّد أن أي خطوة تفاوضية لا ترتكز إلى عناصر قوة واضحة ستتحوّل إلى نقطة ضعف تُستغل ضد لبنان، سواء من خلال توسيع الاعتداءات أو عبر محاولة فرض شروط تفاوضية غير متوازنة. وبهذه المقاربة، أعاد "الحزب" رسم الإطار النقدي للمسار القائم، لأن استمرار التفاوض بلا أوراق سيجعل منه آلية تضغط على الدولة بدلاً من أن تفتح أمامها نافذة تسوية.

وفي تحديده لطبيعة الضغط الخارجي، وسّع الخطاب الدائرة لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بما يعكس قناعة "الحزب" بأن المعركة لم تعد محصورة في القدرة العسكرية، بل تمتد إلى البيئة التي تحيط بها. وهذه المقاربة، وفق المصادر، تُخرج النقاش من نطاق إدارة سلاح إلى نطاق إدارة توازن سياسي، إذ تضع الضغوط الدولية في سياق محاولة لإعادة تشكيل السلطة الداخلية انطلاقاً من نقاط الضعف الاقتصادية والمالية. ومن هنا جاء التشديد على أنّ القدرة الدفاعية ليست بنداً تفاوضياً، بل الحدّ الذي يمنع تحويل الأزمة الداخلية إلى تفويض خارجي بإعادة هندسة الدولة.

أما على المستوى الداخلي، فقد ربط الخطاب بين وحدة الموقف والقدرة على حماية التفاوض، معتبراً أنّ الانقسام يفتح منافذ يستخدمها الخارج لتعميق الضغط. وفي هذا السياق لا يقدّم "الحزب" معياراً أخلاقياً بقدر ما يضع شرطاً سياسياً واضحاً بأن التفاوض لا يمكن أن يُدار من موقع متماسك ما دام جزء من الداخل يتماهى مع سرديات العدو أو يترك الباب مفتوحاً أمام اشتراطات لا تمتّ بصلة إلى المصلحة الوطنية.

وتقود قراءة كل هذه العناصر إلى خلاصة مفادها أنّ الخطاب لم يكن دفاعاً عن السلاح ولا اعتراضاً على التفاوض، بل سعياً لتحديد إطار يمنع انزلاق لبنان نحو تسوية تُصاغ بمعزل عن توازناته. فالشيخ قاسم وضع ثلاث قواعد يراد لها أن تشكّل أساس المرحلة المقبلة: الحفاظ على وحدة القرار الداخلي بما يمنع تضخّم الضغط الدولي، إبقاء الاستراتيجية الدفاعية مرجعية وطنية غير قابلة للنقاش او الانتقال إلى أي طاولة خارجية، ومنع تحويل التفاوض إلى منصة لإعادة إنتاج موازين داخلية لا تخدم الاستقرار.

وعليه، يمكن القول إن الخطاب شكّل محاولة متقدمة لقطع الطريق على مسار تفاوضي قد يتحوّل إلى مساحة اختبار لحدود الضعف اللبناني. وتوضح مصادر مطّلعة أن "حزب الله" لا يعارض الوصول إلى تسوية، لكنه يرفض أن تُبنى على مقايضات تُضعف موقع الدولة أو تمسّ بالقدرة الدفاعية التي يرى فيها الضمانة الوحيدة لمنع انزلاق لبنان إلى حسابات تُفرض عليه من الخارج. وفي هذا الإطار، لا يأتي الخطاب بوصفه تعليقاً على لحظة سياسية، بل كعملية إعادة صياغة للسقف الذي يجب أن يدخل لبنان من خلاله أي تفاوض، بحيث يبقى طرفاً يصوغ شروطه لا طرفاً يُملى عليه ما يجب أن يقبل به.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا