المفاوضات لم تبدأ بعد...لماذا استعجال السيناريوهات قبل فرز المواقف والنيات!؟
استغربت مراجع سياسية وديبلوماسية مجموعة الأحكام المسبقة التي تطلق من وقت لآخر، على تناقضاتها، من أكثر من جهة بشأن ما هو منتظر من المفاوضات الجارية عبر "الميكانيزم" كما أرادها لبنان، ملبياً دعوة أميركية وفرنسية مباشرة بتسمية مدنية على رأس الوفد المفاوض، باعتبارهما من رعاة تفاهم 27 ت 2 2024 الذي شكلها وكلفها مراقبة تنفيذ البنود التي تحدث عنها على الرغم من الغموض الذي لف الكثير من بنودها.
وقالت المراجع لـ "المركزية" ان الغلو في التعاطي مع قرار رفع مستوى التمثيل في المفاوضات وتكليف مدني على رأس الوفدين اللبناني والاسرائيلي لا يعني شيئا مهما حتى الآن، في انتظار ما يمكن ان تتناوله المفاوضات، بدءا من الجلسة الثانية المقررة في 19 كانون الأول الجاري وما يمكن ان يأتي به الوفدان من أفكار جديدة يمكن ان تنقلها من حالة المراوحة التي تعيشها، الى ما يمكن ان يشكل خطوات إيجابية ينتظرها الجميع بمن فيهم الجانب الأميركي بصفته الراعي الاساسي للتفاهم ومعه نائبه الفرنسي بالإضافة الى القوى العربية والغربية التي شجعت على تزخيم المفاوضات بما يؤدي الى الانتقال من مرحلة "تجميد العمليات العدائية" الى وقف شامل لإطلاق النار.
ولذلك، كشفت المصادر أن المطلوب في هذه المرحلة التخفيف من حالات التشنج الداخلية لإمرار المرحلة الدقيقة بأقل الخسائر الممكنة. وهو امر يفرض على أصحاب النظريات الخيالية، والتروي في الحكم على مصير القرارات الجريئة التي اتخذت في الأيام القليلة الماضية ولا سيما تلك التي جاءت تجاوبا – ولو كان متأخرا - مع مطالب الوسطاء ونصائح الأصدقاء في مواجهة حالة الانكار التي يعيشها قلائل تجاه ما هو مرتقب من مخاطر في حال بقيت المواقف الحادة الداعية الى التمسك بسلاح فقد كل ادواره على جميع المستويات الداخلية والإقليمية. وهو في درجة بات فيها عبئا على أصحابه وبيئته الحاضنة التي بدأت تتلمس بنسبة كبيرة حجم الخسائر المنظورة وغير المنظورة، وتلك المرتقبة ان بقيت التحديات قائمة بلا ما يبررها او يثبت الحاجة اليها .
انطلاقا من هذه المعطيات، دعت المراجع الديبلوماسية المسؤولين اللبنانيين الى المزيد من الوضوح في المواقف والتوجهات ووقف التناقض الذي لم يعد يحتمل على المستوى الوطني. وفي كلام ربما يكون موجها الى رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفتيه التشريعية والحركية، أن من يرغب بمخاطبة بيئته الضيقة السياسية والحزبية كما المذهبية، عليه ان يعود الى منطق "المذكرات الداخلية" فلا يربط بينها وبين ما يحتاجه الرأي العام والمجتمع الدولي من وضوح وشفافية في التعاطي مع القضايا الوطنية الحساسة التي باتت تمس مستقبل البلد وربما كيانه، ولا تقف عند مصلحة حزبية محدودة او طائفة محددة للغاية أيا كانت التكلفة المقدرة في مثل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد.
وانطلاقا مما تقدم، تعترف هذه المراجع ان المطلوب اليوم الالتفاف حول الوفد اللبناني المفاوض وتقدير ما ينتظره من استحقاقات قد تكون معقدة وصعبة ولا يمكن مواجهتها بدون موقف لبناني موحد. ولا يمكن بعد اليوم التشكيك بأي قرار بحجم تسمية السفير سيمون كرم لرئاسة الوفد المفاوض مع إسرائيل، او التبرؤ منه قبل ان تنطلق المفاوضات، ومعاينة ما يعرض عليه من العروض الاسرائيلية التي باتت رهن ما يتعرض له رئيس الحكومة الإسرائيلية من ضغوط داخلية وأميركية في آن نتيجة الإفراط في استخدام القوة والتفوق الذي يعتد به بدون أي سقوف. وهو ما بات يهدد ما حققته الإدارة الأميركية من مجموعة الهدن الأمنية في غزة ولبنان الى درجة بات فيها الرئيس دونالد ترامب مضطرا الى لجم نتنياهو بطريقة علنية، فيما كانت مثل هذه التوجهات تجري سابقا في الكواليس الديبلوماسية وعبر القنوات الأكثر سرية.
ولفتت المراجع إلى ان ما يعيشه لبنان اليوم وضعه في عين العاصفة بين مجموعة من الخيارات الكبرى المؤدية الى رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط بدليل ان الغليان لن يبقى محصورا بساحته. وان النقاش الدائر في العراق حول ما يسمى بـ "العقوبات المفروضة على الكيانات الإرهابية" ومصير "السلاح غير الشرعي" المطروح على الهيئات المختصة منذ مطلع الصيف الماضي، خير دليل بأن التغيير سيكون شاملا ولن يبقى محصورا بالساحة اللبنانية فحسب. كما ان التحول الكبير في سوريا لن يبقى ضمن حدودها الجغرافية وان العراق هو الهدف التالي بطريقة ديمقراطية وسلمية. وقد تسبق الإنجازات المطلوبة على ساحته ما يجري تحضيره على الساحتين السورية واللبنانية، ولكن المهم ان تمر الإصلاحات المطلوبة بدون ان تسيل الدماء في شوارعه كما كان متوقعا في بغداد. بعدما لم تتمكن الهيئة المكلفة بمكافحة الارهاب وتبييض الأموال من ان تمرر قرارها المتخذ بفرض عقوبات على "حزب الله" و"الحوثيين" بأكثرية أعضائها بفعل رد الفعل المتوقع في الشارع العراقي الذي ما زال يكابر على ما هو مطلوب من متغيرات لا بد أنها آتية وفي وقت قريب.
وانطلاقا مما تقدم، يبقى من المهم جدا ان نرصد ما سيأتي به الجانبان الإسرائيلي والأميركي من طروحات في الجلسة المقبلة، وهو امر يفقه رئيس الوفد المفاوض ومن خلفه من عيّنه أهميته، وما على المراقبين سوى انتظار أولى الملفات التي ستفتح. وإن أحسن لبنان التعاطي معها سيؤدي الى أولى الخطوات التي تحاكي ما حققه الجيش في الجنوب ، ولا يستغرب العارفون امكان ان تبدأ إسرائيل الانسحاب من موقعين محتلين على الأقل لتبدأ من بعدها عملية الفرز بين المواقف والنيات على حقيقتها.
طوني جبران - المركزية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|