حرب السفن تتأجج.. كيف نقلت أوكرانيا الصراع إلى مياه البحر الأسود؟
لم يعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا محصورًا في خطوط الجبهة البرية، إذ انتقل، بشكل متسارع، إلى مياه البحر الأسود، التي تشهد تحولًا نوعيًا قد يعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.
ونفّذت المسيّرات الأوكرانية، خلال الأيام الماضية، سلسلة هجمات استهدفت سفنًا مدنية، ما دفع موسكو إلى العودة مجددًا إلى لغة التهديد المباشر بالسيطرة على المدن الساحلية الأوكرانية، في مشهد يعيد فتح ملفات حساسة مرتبطة بنيكولايف، وأوديسا، ومستقبل الوجود الأوكراني على البحر.
وبدأت الأزمة الأخيرة تحديدًا في 28 نوفمبر الماضي، حين تعرّضت ناقلتا النفط كايروس وفيرات لهجوم بطائرات مسيّرة تابعة للبحرية الأوكرانية أثناء عبورهما المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا.
ولم تمضِ 24 ساعة حتى تعرضت فيرات لهجوم ثانٍ أكد أن الأمر لم يكن حادثًا معزولًا، وبعد يومين تعرضت السفينة الروسية ميدفولغا 2 لهجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية انتحارية أثناء توجهها من روسيا إلى جورجيا.
هذا التصعيد البحري المفاجئ أثار قلق أنقرة، التي اعتبرت أن الهجمات تمثل خطرًا مباشرًا على سلامة الملاحة، والأرواح، والبيئة، في مياهها الإقليمية.
وعلى الرغم من أن تركيا لم تحدد الجهة المنفذة، فإن وسائل إعلام أوكرانية ودولية – أبرزها وكالة "أسوشيتد برس" – نشرت لقطات فيديو تؤكد مسؤولية كييف، التي لم تتردد في تبني العمليات، وقدمت أدلة مصورة أعدّتها أجهزتها الاستخباراتية، في رسالة واضحة موجهة إلى موسكو والغرب في آن واحد.
وحاولت بعض وسائل الإعلام الغربية تفسير هذه الضربات باعتبارها استهدافًا لجهود روسيا في بيع النفط عالميًا، وقطع ما تصفه بشريان تمويل الحرب عبر أسطول الأشباح. في المقابل، ردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلغة غير مسبوقة، واصفًا الهجمات الأوكرانية بأنها "قرصنة بحرية"، ومؤكدًا قدرة روسيا على عزل أوكرانيا تمامًا عن البحر إذا استمرت في استهداف السفن المدنية.
ووفقًا للمراقبين، يمثل هذا التهديد إشارة مباشرة إلى احتمال التوجه نحو السيطرة على نيكولايف وأوديسا، آخر المنافذ البحرية الإستراتيجية لأوكرانيا، بما يعني عمليًا شل اقتصادها، وعزلها تجاريًا، وإعادة خريطة النفوذ البحري إلى ما يشبه الوضع ما قبل العام 1991.
ويرى الخبراء أن تصاعد استهداف السفن في البحر الأسود فتح مرحلة جديدة من المخاطر، إذ تعتبر موسكو هذه الهجمات مبررًا لتوسيع عملياتها نحو نيكولايف وأوديسا، بينما تتعامل أوكرانيا معها كغطاء قانوني يتيح لها الضغط على روسيا.
ويضيف الخبراء أن التقدم الروسي ميدانيًا، وطول أمد المفاوضات، يرفعان احتمالات التصعيد، وسط اتهامات أوروبية بالسعي إلى إفشال خطة ترامب للسلام، ما يجعل المدينتين الإستراتيجيتين في قلب أي مواجهة مقبلة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الهجمات التخريبية التي تنفذها القوات أو المخابرات الأوكرانية، والتي امتدت إلى المياه التجارية التركية مؤخرًا، تعكس تطورًا خطيرًا في نوعية الاستهدافات التي "تحرض عليها الاستخبارات الغربية، خاصة البريطانية"، على حد وصفه.
ورأى أيوب في تصريح لـ"إرم نيوز" أن هذه العمليات تثير تساؤلات حول محاولة عرقلة المفاوضات، وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام، معتبرًا أن المكاسب العسكرية الروسية الأخيرة عززت قناعة موسكو بأن أوكرانيا والدول الداعمة لها لم تعد تملك القدرة السابقة على المواجهة.
وأضاف أن استهداف السفن قد يوفر مبررًا لروسيا لتوسيع نطاق عملياتها، خاصة أن أي وقف لإطلاق النار، وفق خطوط التماس الحالية، سيعني تحقيق موسكو جزءًا كبيرًا من أهدافها، بما في ذلك منع انضمام أوكرانيا للناتو، وتقليص قدرات جيشها.
وتوقع أيوب أن تصبح نيكولايف وأوديسا محورًا رئيساً للعمليات في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أن السيطرة عليهما ستحرم أوكرانيا من منفذ بحري، وتحد من حركة أسطول الناتو.
ولفت إلى أن تحذيرات ترامب لكييف والدول الأوروبية من خسائر أكبر في حال عرقلة مبادرته تأتي في وقت تراهن فيه أوروبا على إطالة أمد الصراع، واستنزاف موسكو، موضحًا أن التقدم الميداني يشكل العامل الحاسم لروسيا، وأن ردّها على أي تصعيد غربي قد يشمل خاركيف، وأوديسا، ونيكولايف.
وأشار، في الوقت نفسه، إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يراهن على عامل الوقت لتجنب سيناريو سلام قد ينهي مستقبله السياسي ما دامت موسكو لم تحسم المعركة بالكامل.
من جانبه، أكد محمد العروقي، الخبير في الشؤون الأوكرانية، أن روسيا كانت، منذ بداية الحرب، تنظر إلى نيكولايف، وأوديسا، وخاركيف، وسومي، كأهداف إستراتيجية، نظرًا لأهميتها في الخطين الشرقي والجنوب الشرقي لأوكرانيا، وبما يخدم رؤيتها لإقامة ما تسميه "روسيا الجديدة" في تلك المناطق.
وأشار في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أنه لا يستبعد إطلاقًا لجوء موسكو إلى قصف مكثف أو عملية برية في أوديسا إذا تصاعدت الأزمة، إلى جانب تكثيف الهجمات على نيكولايف.
وأضاف العروقي أن المشهد أصبح أكثر تعقيدًا، وأن تداعياته ستظهر قريبًا، في ظل مفاوضات وصفها بـ"الماراثونية" بين الجانبين، والتي تتأثر مباشرة بالتطورات العسكرية في البحر الأسود.
ولفت إلى أن الضربات الأوكرانية التي استهدفت سفنًا في المنطقة الاقتصادية للبحر الأسود أضرت كذلك بتركيا، وأثرت على علاقاتها مع روسيا، مؤكدًا أن استهداف أوكرانيا لما يعرف بـ"أسطول الظل الروسي" يمنحها غطاءً قانونيًا دوليًا لمواصلة تلك العمليات، وهو ما يعد مؤشرًا على توتر وتصعيد أكبر في المرحلة المقبلة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|