عام على صعود أحمد الشرع: سلطة الخطاب المزدوج
بالتزامن مع ذكرى سقوط النظام السابق، وفي أثناء مشاركته في «منتدى الدوحة»، أكّد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، استمرار السياسة التي ينتهجها في الداخل، معلناً بقاء سلطته لمدّة أربع سنوات قادمة، وفق الإعلان الدستوري الذي حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات. وفي موقف نادر، هاجم إسرائيل، واصفاً إياها بـ«الإرهابية»، وذلك في ردّ مباشر على تصريحات إسرائيلية سابقة استحضرت ماضيه وشكّكت في موثوقية التعامل معه.
وبالنظر إلى التصريحات التي يطلقها مسؤولو السلطة الانتقالية، وعلى رأسهم الشرع، يمكن التمييز بين نوعين من الخطابات، الأول موجّه إلى الخارج والثاني يخصّ الداخل. والملاحظ أنّ ثمّة فوارق عديدة في ما بين تلك الخطابات؛ فبينما يتمّ الحديث عن بناء دولة مؤسسات تضمّ جميع السوريين، يتمّ تصدير الأزمات المستمرّة في شمال شرق البلاد وجنوبها على أنها نتيجة مباشرة لمواقف «الآخرين»، سواء «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) أو «الدروز في السويداء»، بالإضافة إلى إسرائيل.
في موازاة ذلك، يُلاحظ غياب أي خطاب جمعي تصالحي يمكن أن يفتح الباب، أو يسرّع إجراءات لمّ شتات البلاد، في ظلّ حال الاحتقان الطائفية التي تعيشها سوريا، وخصوصاً في المنطقة الوسطى والساحل، فيما تتمّ الإشارة إلى «قوات الحرس الوطني» (الفصائل الدرزية في السويداء ذات الإدارة الذاتية) على أنها «جماعات خارجة عن القانون». وفي أثناء التظاهرات التي شهدتها سوريا تلبيةً للدعوة التي وجّهها الشرع إلى النزول إلى الشارع، سُجّلت عشرات المواقف التي تؤجّج الاحتقان القائم، بما في ذلك شتم الأكراد والدروز والعلويين، من دون تسجيل أي إجراءات حقيقية من قِبل السلطات الانتقالية لوضع حدّ لتلك السلوكيات، رغم مخالفتها المباشرة للتصريحات الموجّهة إلى الخارج، والتي تؤكّد العمل على بناء دولة تمثّل جميع السوريين.
تنذر سياسة السلطات الانتقالية بأزمات عديدة، حالية ومستقبلية، يعمّقها الخطاب الطائفي المستمرّ
وفي أثناء حديثه في الدوحة أيضاً، قال الشرع، إنّ سوريا «كانت دائماً مثالاً للتعايش السلمي عبر التاريخ»، مشيراً إلى أنها «قدّمت دروساً للعالم كلّه في كيفية تعايش البشر مع بعضهم». ورغم الفرز المجتمعي الذي شهدته البلاد بعد سقوط النظام - بين من وقف مع «الثورة» ومن وقف ضدّها -، والذي اتّخذ طابعاً طائفياً نظراً إلى أنّ مقاتلي المعارضة والفصائل ينتمون بغالبيتهم إلى الطائفة السنّية، بينما تمثّل السلطة الحالية «سلطة سنّية بحتة»، اعتبر الشرع أنّ «جميع أطياف الشعب السوري شاركت في الثورة»، مضيفاً أنّ «المسيحيين ثاروا ضدّ النظام السابق، وحتى العلويين كانوا من أكثر من دفع ثمن ممارسات النظام، من تجويع وفقر واستغلال لأبنائهم».
وفي معرض تبرير المجازر التي شهدتها السويداء في تموز الماضي، والساحل السوري في آذار، لفت الشرع إلى أنّ الحكومة شكّلت لجان تقصّي حقائق، واستقبلت لجاناً دولية وأنشأت محاكم وأعلنت محاكمة المتورّطين في الجرائم. وأضاف: «هذه ظواهر سلبية، لكن رغم فظاعتها فإنها كانت محدودة، ونحن لا نبرّرها، بل نحاسب مرتكبيها بشدّة». إلا أنّ هذه اللجان ونتائجها، إضافة إلى «المحاكمة العلنية» التي جرت بحق 12 شخصاً، نصفهم ممّن يُسمّون بـ«الفلول» (في إشارة إلى أتباع النظام السابق) ونصفهم الآخر من مقاتلي الفصائل، كانت قد لقيت انتقادات واسعة، سواء لجهة نتائج التحقيقات أو للسردية المعتمدة لتسويغ هذه الجرائم، التي راح ضحيّتها أكثر من 3 آلاف شخص. والواقع أنّ تلك المقاربة التي تعتمدها السلطة أسهمت، بدرجة كبيرة، في تسهيل التحرّكات الإسرائيلية في الجنوب السوري، حيث تسعى تل أبيب إلى رسم خريطة نفوذ جديدة، بعضها عن طريق احتلال مناطق، وبعضها الآخر عبر تقديم الدعم لإنشاء إدارة ذاتية في السويداء.
على أي حال، فإنّ نظرة محايدة إلى الخطاب الذي تقدّمه السلطات الانتقالية، التي حوّلت النظام السابق إلى «شمّاعة» لتعليق الأخطاء، تكشف عن عملية استنساخ مباشرة لسياسة الأخير الإعلامية، الذي كان يعلّق جميع الأخطاء والمشكلات على شمّاعة الفصائل «الإرهابية»، في سياق تهرّبه من مسؤولياته. وتنذر هذه السياسة بأزمات عديدة، حالية ومستقبلية، يعمّقها الخطاب الطائفي المستمرّ، إلى جانب عملية الفرز المتواصلة للمجتمع على مبدأ «من ثار ومن لم يثر». وهي أزمات أثبتت التجارب السابقة، وبينها تجربة النظام الذي تحتفل سوريا بسقوطه، أنها تقود إلى منزلقات خطرة، وتفتح الباب أمام استمرار سفك الدماء من جهة، وتضرب السلطة القائمة من جهة أخرى، خصوصاً أنّ السلطات الانتقالية تحاول، وبكل الطرق، فرض نفسها حكومة دائمة للبلاد التي تعاني دماراً واسعاً في مؤسساتها.
عامرعلي - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|