الصحافة

إرث الأسد: سوريا تخرج منه وإيران تُغرِق لبنان فيه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كم هو ثقيل ما أورثنا إيّاه صاحب السياسات الهوجاء، بشّار الأسد، بعد سقوط نظامه وحكم العائلة في سوريا ولبنان! منذ 8 كانون الأوّل 2024، تاريخ هروبه من دمشق، حتّى اليوم، اكتشفنا كم سبّبت نرجسيّته المريضة وقراراته الخرقاء، المآسي والدمار في بلاد الشام، والكوارث في بلاد الأرز. أورث البلدين هيمنة إيران، التي استجلبت، بطموحات توسّعها الإقليميّ، شرور إسرائيل إليهما. ليس لدمشق وبيروت، على تفاوت ما بقي من دور لأوهام طهران فيهما، إلّا الاتّكال على التفهّم الأميركيّ للتخلّص من احتلال إسرائيل.

في سوريا سعت إدارة دونالد ترامب إلى خفض اندفاعة إسرائيل لتقوّض استقرارها، وضغطت على تل أبيب لمنع توسّعها في احتلال جنوبها وفرض شروطها.

حسابات واشنطن في بلاد الشام مختلفة عن عوامل المأزق اللبنانيّ. مع الصعوبات التي تواجه نهوض سوريا الاقتصاديّة والماليّة، وقلق الأقليّات وتوتّرها، فرض موقعها الإقليميّ جدّية أميركيّة في لجم خطط إسرائيل لتقسيمها، ورفع العقوبات عنها، والضغط على بنيامين نتنياهو للحدّ من طموحاته فيها. من أسباب ذلك:

– وضوح الرؤية لدى حكّام سوريا الجدد لجهة إبعاد إيران عنها، ومواجهة محاولاتها للعودة إليها، أو لنقل الأسلحة عبرها إلى “الحزب” في لبنان.

– مراعاة المصالح الاستراتيجيّة للمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا في بلاد الشام. لكلّ منهما دور أساسيّ في تمتين حكم أحمد الشرع ووقوفه ضدّ إيران، ويحتِّم أمنهما القوميّ منع إسرائيل من تقسيمها.

– لإدارة دونالد ترامب مصلحة اقتصاديّة بعيدة المدى باستقرار سوريا، الدولة المحوريّة أقلّه من زاوية الإنتاج المستقبليّ للطاقة ونقلها.

لهذه الأسباب قال الموفد الرئاسيّ الأميركيّ إلى سوريا، السفير في تركيا توم بارّاك، قبل يومين، إنّ ما تقوم به الحكومة السوريّة هو “عمل بطوليّ”. يفضّل ترامب اتّفاقاً أمنيّاً بين إسرائيل وسوريا، بعدما لعب بارّاك دوراً في تفهّم الإدارة لحاجة دمشق إلى وقف التوغّلات الإسرائيليّة في جنوبها. لذلك استجابت هذه الإدارة لضرورة تأجيل فرض السلام عليها وربطته بالموقف العربيّ، وبأولويّة ضمان الاستقرار فيها.

الإنكار الإيرانيّ في لبنان

في لبنان، ما يزال فاعلاً تأثيرُ إيران في رفض سحب سلاح ذراعها الرئيس “الحزب”. تسعى إدارة ترامب إلى التفاوض معها بعد تشذيب أوراقها الإقليميّة. المفارقة أنّه فيما وُضِعت سوريا على مسار الرفع التدريجيّ للعقوبات، تزداد على “الحزب” لخنقه ماليّاً، إلى درجة باتت تطال التحويلات الماليّة في العراق. على الرغم من الضربات التي تلقّاها نفوذ طهران باغتيال قادة “الحزب”، والتدمير الذي لحق بمناطق بيئته، والاختراقات التي عجز عن مواجهتها بدليل اغتيال هيثم الطبطبائي، يتنكّر للتغيير الاستراتيجيّ الذي أحدثه فقدان طهران لسوريا قاعدة نفوذها. يتفرّع عن هذا الإنكار افتعال الحملات على محاولات السلطة اللبنانيّة بسط سيادتها باتّهامها بأنّها “تخدم إسرائيل”.

سقطات “الحزب” وقول الشيء وعكسه

بإجبارها “الحزب” على إبقاء السلاح ورقة في يدها في أيّ حوار أو صفقة مع أميركا، تمنع طهران على قيادته أيّ مراجعة لحساباته (وحسابات إيران نفسها) الخاطئة. تدفع هذه القيادة إلى مواقف متضاربة فتقول شيئاً في الغرف المغلقة، ونقيضه في الخطب والمواقف التعبويّة، وآخرها موافقة “الحزب” على رفع مستوى التفاوض مع إسرائيل التي أتاحت لرئيس البرلمان نبيه برّي أن يدعم اختيار السفير سيمون كرم لرئاسة “الوفد العسكريّ التقنيّ” في لجنة “الميكانيزم”، ثمّ اعتبار الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم تسمية مدنيّ “تنازلاً مجّانيّاً”، في وقت توخّى رئيس الجمهوريّة من هذه الخطوة تجنيب البلد و”الحزب” وبيئته تصعيداً إسرائيليّاً مدمّراً وشيكاً.

يطلق “الحزب” العنان لهجوم الجيش الإلكترونيّ التابع له على هذه الخطوة وعلى السفير كرم ، بحجّة أنّ الحكم اللبنانيّ لم يأخذ مقابلها وقف العدوان الإسرائيليّ. كلّما توسّع الشيخ قاسم في ابتداع حججه لرفض سحب السلاح يقع في السقطات المتتالية. فقد تزامنت الحملة على كرم مع خطابه الأخير الذي قال فيه حرفيّاً: “نحن لا نعطي شهادة لأحد. لسنا واضعين أنفسنا في محلّ أنّنا نقول هذا وطنيّ وهذا ليس وطنيّاً. لا نصنّف”،  وبهذا التضارب يحوِّل وكيل طهران مسألة حسّاسة إلى حفلة مزايدة لا نتيجة لها سوى تكبيل قدرة السلطة اللبنانيّة على التفاوض، وتضع لبنان في مهبّ الريح.

برّي يوافق ثمّ يواكب مزايدة “الحزب”

حتّى الرئيس برّي يُضطرّ بدوره إلى مواكبة إنكار “الحزب”، حفاظاً على وحدة الموقف الشيعيّ بأخذ مسافة عمّا كان وافق عليه. يطرح تحفّظات أجاب عنها السفير الفرنسيّ هيرفي ماغرو، الذي دعا إلى ضرورة التفريق بين المفاوضات السياسيّة وبين عمل لجنة “الميكانيزم”، مؤكّداً أنّ “ما يجري حاليّاً نقاشات تقنيّة – عسكريّة مع حضور مدنيّ محدود”.

لن يجد “الثنائيّ الشيعيّ” أفضل من ابن جزّين، بتاريخه الوطنيّ واعتداله، للتفاوض بأقلّ قدر من التنازلات. لن يجد مَن يساعد على إنقاذ “الحزب” من مأزقه وتوريطه سائر اللبنانيّين مع إيران أفضل من كرم. عبّر الأخير عن قناعاته قبل أشهر، أثناء إحياء ذكرى رحيل صديقه الرمز السياسيّ الجنوبيّ النضاليّ حبيب صادق، بوجوب استناد لبنان إلى اتّفاق الهدنة لعام 1949 ليكون أساساً لأيّ تسوية مع إسرائيل. وهو ما أملى على الرئيس عون الإلحاح عليه كي يقبل المهمّة.

مع ذلك يُنتظر أن يحكم مسارَ التفاوض اللبنانيّ – الإسرائيليّ الدورُ الأميركيّ في تدوير زوايا موقف الحليف الإسرائيليّ. حسبما أكّد أكثر من مصدر رسميّ لـ”أساس”، يراهن لبنان على أن يؤدّي التسليم بجدّية الجيش في تفكيك بنية “الحزب” العسكريّة جنوب الليطاني، والارتياح الأميركيّ لترئيس مدنيّ للوفد اللبناني، إلى مقابلة لبنان بضغوط على إسرائيل لتقديم مقابل، إمّا بانسحاب جزئيّ أو بوقف الغارات والقتل. تقول مصادر لبنانيّة إنّ الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس بدت أكثر تفهّماً لموقف لبنان الرسميّ قياساً إلى السابق، بحيث يمكن الحديث عن أورتاغوس-2 وعدت ببذل جهد لدى الجانب الإسرائيليّ للتجاوب مع المطلب اللبنانيّ.

وليد شُقَير - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا