صور وخرائط تكشف الحقيقة: "إسرائيل" تبني داخل لبنان... والقرى تحاصَر بالخرسانة
تحوّلت الحدود الجنوبية للبنان خلال الشهرين الأخيرين من هذا العام، إلى بؤرة توتّر متجدّدة. وبرزت تطوّرت ميدانية وسياسية خطرة، قد تُعيد رسم الحدود والواقع الأمني والاقتصادي بين لبنان و "إسرائيل"، على نحو قد يُغيّر قواعد الاشتباك خلال الأعوام المقبلة، في حال لم تتوصّل لجنة "الميكانيزم" إلى وقف نهائي وشامل لإطلاق النار بين الجانبين.
فمن جهة، تستمرّ "إسرائيل" في تشييد الجدران الخرسانية وتنقل تحصيناتها خارج الخط الأزرق، ومن جهة أخرى تتعمّق المقترحات الديبلوماسية لتأسيس منطقة عازلة أو اقتصادية أو حتى منطقة سياحية، تمتدّ من جبل الشيخ إلى ساحل الناقورة. في حين يُصرّ لبنان على رفض كلّ هذه الأفكار التي تنتقص من سيادته، ويطرح مطالب مركزية محقّة.
المشكلة الأخيرة برزت مع بدء "إسرائيل" بناء جدرانين خرسانيين على شكل (T-Wall)، على ما تؤكّد أوساط ديبلوماسية مطلعة تتجاوز الحدود اللبنانية، وتتعدّى على أكثر من 4000 آلاف متر مربع من بعض القرى الحدودية، مثل يارون، مارون الرأس وعيتا الشعب، بحسب تقرير ميداني للقوة الدولية، الأمر الذي منع السكّان من الوصول إلى أراضيهم. وطلبت "اليونيفيل" رسمياً من "إسرائيل" إزالة أو نقل الأقسام المتعدية، معتبرة أن ذلك يُشكّل انتهاكاً لسيادة لبنان وقرار مجلس الأمن رقم 1701، غير أنّها لم تمتثل هذا الطلب، لا بل شوهدت أخيراً تستكمل العمل على بناء الجدارين. ولا تزال بالتالي تنفي أي تجاوز، وتؤكد أنّ الأعمال هي جزء من خطط دفاعية بدأت منذ العام 2022 ، لتعزيز الحدود الشمالية أمام مخاطر أمنية مستجدّة. علماً بأنّ الحديث الدائر في غرف القرار يعكس رغبة "اسرائيل" في توسيع وجودها الأمني على الأرض. أمّا روايتها فاعتراها تباين واضح مع رصد "اليونيفيل"، ومطالبتها "إسرائيل" بإزالة الأجزاء التي تجاوزت الخط الأزرق.
وتاريخياً، على ما تضيف الأوساط، تحتفظ "إسرائيل" بمعظم الحواجز الدفاعية التي تبنيها، ونادراً ما تقوم بتفكيكها لمجرد خلافات ديبلوماسية، ما يعكس صعوبة وقف هذه التجاوزات الحالية، ويجعلها مرهونة باتفاق سياسي وديبلوماسي مُلزم. ومن منظور إنساني، تؤثر هذه الجدران في حياة المزارعين وتنقّل المدنيين، إذ تمنعهم من الوصول إلى البنى التحتية الأساسية والممتلكات الخاصة. وقانونياً، تُشكّل هذه الخطوات سابقة قد تعيد تعريف إدارة الحدود وفرض السيادة، ما يثير قلقاً حول الاستقرار الإقليمي والالتزام بالقانون الدولي.
وما يزيد الوضع تعقيدًا، وفق الأوساط الديبلوماسية، التقارير التي تصدر عن دراسة "إسرائيل" إنشاء "منطقة عازلة" داخل الأراضي اللبنانية، لتعزيز أمن المستوطنات الشمالية. وقد أثار هذا المفهوم جدلا دولياً، خصوصاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة "الميكانيزم" لمراقبة وقف الأعمال العدائية. وقد رفض لبنان هذا الطرح بشكل قاطع على لسان رئيس الوفد اللبناني فيها السفير سيمون كرم، الذي أكّد أنّ أي منطقة عازلة أو اقتصادية تمنع السكان من العودة إلى قراهم، أو تخضع سيادته لمخططات اقتصادية أو عسكرية خارجية، غير مقبولة.
وتشير الاوساط ان المقترحات الخاصة بالمنطقة العازلة ترتبط بمبادرة اقتصادية مدعومة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومعروفة باسم "منطقة ترامب الاقتصادية"، يقودها صهره المستشار السابق للبيت الأبيض جاريد كوشنر. وتصوّر الخطة مشاريع استثمارية سياحية، تمتد من جبل الشيخ إلى ساحل الناقورة، وتتضمّن إغراءات مادية مثل تأمين فرص عمل عديدة.
ولكن بينما يصوّر المسؤولون الأميركيون هذه الخطة كإجراء استقرار في المنطقة، يعتبرها لبنان قيداً محتملاً على سيادته مع منع وصول السكّان إلى ممتلكاتهم، مؤكّداً أنّ الحوافز الاقتصادية لا يمكن أن تعوّض عن الحقوق الإقليمية الأساسية.
والى جانب رفض المناطق العازلة والاقتصادية، أعلن لبنان مجموعة شاملة من المطالب المتعلقة بالسيادة هي:
- انسحاب "إسرئيل" من التلال الخمس (أو الثماني) ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والقسم الشمالي من بلدة الغجر، التي يعتبرها أراضي محتلّة، خصوصاً بعد حسم أمر هذه المسالة مع سوريا.
⁃ إعادة الأسرى والمفقودين اللبنانيين المحتجزين في "إسرائيل".
⁃ تمكين الجيش اللبناني من ممارسة كامل سلطته في الجنوب، لضمان حماية المدنيين وممتلكاتهم.
⁃ تسهيل إعادة إعمار البلدات والقرى المدمّرة خلال العمليات العسكرية "الإسرائيلية"، التي تبرّرت بزعم استهداف أسلحة حزب الله.
فماذا يفعل لبنان في ظلّ مواصلة "إسرائيل" بناء الجدارين على طول الحدود الجنوبية وداخلها؟ تجيب الأوساط الديبلوماسية أنّ النتائج المحتملة تتعدّد، أبرزها:
- أولاً: تدخّل ديبلوماسي أممي طارىء، إذ قد تؤدي شكاوى لبنان إلى توصيات من مجلس الأمن لإزالة الجدران أو تعديلها، لكن التنفيذ الفعلي يعتمد على قدرة "اليونيفيل" والتفاوض بين بيروت وواشنطن و "تلّ أبيب" في "الميكانيزم".
- ثانياً: إرساء واقع جديد، سيما أنّ "إسرائيل" تعتبر الجدران تدابير دفاعية دائمة، ما يُعزّز سيطرتها على أراضٍ استراتيجية، ويعقّد اتفاقيات ترسيم الحدود المستقبلية.
- ثالثاً: فراغ أمني بعد انتهاء ولاية "اليونيفيل".
وتؤكد الاوساط ان انتهاء عمليات القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان، والمقرّرة خلال العامين المقبلين، قد يترك مناطق بلا مراقبة، ما قد يزيد خطر المواجهات أو استغلال "إسرائيل" للسيطرة الأحادية على المناطق المتنازع عليها. ولهذا يطالب لبنان اليوم بأن تُستبدل سريعاً بقوّة دولية متعدّدة الجنسيات، لمراقبة الوضع الأمني.
وتختم الأوساط الديبلوماسية بالقول إنّ ما يحدث عند الحدود ليس مجرّد أعمال بناء تقنية، بل محاولة لإعادة رسم واقعٍ يومي جديد على الأرض في منطقة حسّاسة تاريخياً وسياسياً. والردّ اللبناني عبر القنوات الدولية صحيح من ناحية الإجراءات، لكن نجاحه في إعادة الأمور إلى سابق عهدها يعتمد على عوامل، لم تعد محصورة ببيروت و "تلّ أبيب" فقط، بل تتخطاهما إلى موازين القوى الإقليمية، والضغوطات الدولية، ومصير وجود قوة دولية تراقب الحدود غداً. في هذه الأثناء، يظلّ تأثير الجدار الأشدّ في سكان الجنوب، الذين قد يجدون أنفسهم محاصرين بين مخاوف الأمن وبيروقراطية الديبلوماسية.
دوللي بشعلاني -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|