الصحافة

بري يناقض اتفاقًا كتبه بنفسه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يذهب الرئيس نبيه بري في تبنيه معادلة خطيرة مفادها أن المطلوب من لبنان اليوم هو "نزع السلاح جنوب الليطاني" فقط، متجاهلًا أن هذا الطرح يُناقض جوهريًا اتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغه بنفسه، بكل ما تضمّنه من آليات مراقبة واضحة ومفصّلة. فالاتفاق لم يكن بحاجة إلى اجتهاد أو تفسيرات متعارضة؛ بنوده صريحة لجهة تحديد مسؤوليات الدولة اللبنانية، والجيش، و"اليونيفيل". أما اختزال النقاش بمسألة "جنوب الليطاني" فهو حرفٌ للوقائع، لأ نزع السلاح كاملًا جنوبًا وشمالًا هو أمر محسوم في جوهر الاتفاق وروحيته.

مقاربة بري ليست تفصيلًا. إنها تكريس لسرديّة تقوم على دفن الرأس في الرمال، ومحاولة لشراء الوقت في لحظة لا وقت فيها. والأسوأ أن هذه السردية تتصادم بشكل مباشر مع سرديّة "حزب الله" الذي يتباهى باستعادة الجهوزية، وكأن البلاد تتحضر لبروفة جديدة من حرب 2006، بينما "الحزب" يعيش إنكارًا مزدوجًا: إنكار الخسارة العسكرية والسياسية التي مُني بها، وإنكار أن الظروف تغيّرت جذريًا، وأن ما كان ممكنًا في 2006 لم يعد متاحًا اليوم، لا إقليميًا ولا دوليًا ولا لبنانيًا.

في الواقع، يتصرّف "الحزب" كمن يعيد ترتيب صفوفه لخوض حرب يعتبرها حتمية، فيما الوقائع على الأرض تكشف أن إسرائيل عادت إلى قرع طبول الحرب، وأن أي احتكاك قد يتحول إلى مواجهة واسعة لا قدرة للبنان على تحمّلها. وبينما يوحي بري بأنه يمسك بخيوط اللعبة السياسية، يتقدّم "الحزب" بخطابٍ تعبويّ منفصل تمامًا عن الوقائع، ويستعيد نبرة "توازن الردع" في لحظة لم يعد فيها أي توازن قائمًا.

تعيين سيمون كرم مفاوضًا شكّل بحد ذاته "إبرة أوكسيجين" للبنان، خطوة صغيرة في محاولة لتثبيت خيار التفاوض وفتح نافذة سياسية قبل الانفجار. لكن عمر هذه الإبرة قد لا يطول. فالمعادلة الجديدة التي تُطرح على الطاولة أميركيًا وإسرائيليًا لم تعد تفصل بين التفاوض واستئناف الحرب. بل تُقَدّم المسارين كخيارين متوازيين: إمّا تسوية واضحة ونهائية تفرض تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بلا استثناءات، وإمّا العودة إلى الحرب لفرض التطبيق بالقوة.

في هذا المشهد، يصبح كلام بري أقرب إلى محاولة التفلت من المسؤولية، لا إلى محاولة إنقاذ. فتجاهل حقائق الاتفاق، وإعادة تدوير مقولات فقدت صلاحيتها، لا ينقذان لبنان من حرب محتملة، ولا يعيدان ضبط العلاقة بين الدولة و"الحزب". بل يعمّقان مأزق المؤسسات ويُضعفان قدرة الدولة على التفاوض، ويجعلان لبنان يبدو كمن يفاوض على تفاصيل صغيرة بينما الأسئلة الكبرى تُحدَّد في الخارج وتُفرَض كوقائع لا مهرب منها.

أسعد بشارة -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا