مشرعون أميركيون: إسرائيل لم تُحاسِب أحداً على الهجوم الذي قتل عصام العبدالله
لبنان بين الأمبراطور و "الحاخام"
بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض قبل يومين من نهاية العام، الموعد النهائي للمهلة الأميركية لقيام الحكومة اللبنانية بالمهمة المستحيلة "نزع سلاح حزب الله"، كما لو أن المقاومة هبطت من كوكب آخر، وليست نتاج الغياب الرهيب للدولة، التي لم تكن يوماً معنية بأرض الجنوب أو بأهل الجنوب. كمية بشرية وجدت بطريقة ما في ذلك المكان، دون أن يدري أحد من أولياء أمرنا ما معنى "عبقرية المكان"!
لا ضمانات داخلية بل تعبئة سياسية وطائفية عمياء، ولا ضمانات خارجية بل تهديدات ساحقة على مدار الساعة. هكذا يفترض بالحزب أن يقف عارياً بين حملة السواطير وحملة الفؤوس. ألم يتوعد مسؤول حزبي، لطالما قلنا انه بمواصفات الثور، طائفة بعينها وليس حزباً بعينه، بـ"ليلة السكاكين الطويلة". على الأقل كلام اقل هولاً وأقل جنوناً لـ"يطمئن قلبي"، بدل تلك اللغة الغرائزية التي تقود كل اللبنانيين الى جهنم. وهذا هو "الحلم الاسرئيلي" من أيام زئيف جابوتنسكي وحتى ايام ايتامار بن غفير، مروراً "بالحاخام" مئير كاهانا والجنرال افرايم سنيه، الذي هدد بألّا يبقي كلباً يعوي في بيروت...
انها محادثات الأمبراطور و "الحاخام" في المكتب البيضاوي، وحيث التقاطع بين الرؤية الاستراتيجية واللعبة الايديولوجية. نذكر كيف كاد دونالد ترامب يلقي بفولوديمير زيلينسكي من النافذة، بعدما قام على أكمل وجه بدور الدمية الأميركية، لتدخل بلاده في ذلك الخراب العظيم، الموت العظيم، ولتوضع الآن على الطاولة بين الشوكة والسكين .
هل يستطيع الرئيس الأميركي، و "اللوبي اليهودي" يقيم داخل جدران البيت الأبيض، أن يفعل برئيس الحكومة الاسرائيلية ما فعله ويفعله بالرئيس الأوكراني، وقد حقق الزائر على الأرض وبالدم كل ما تبتغيه واشنطن، من أجل دخول الشرق الأوسط في الغيبوبة الأميركية، وهو الذي لم يخرج يوماً من غيبوبة الغيب، بفعل ذلك النوع من الفقهاء الذين جعلوا مجتمعات بأكملها تقيم في قعر الزجاجة، ودون أي اعتبار لمقتضيات القرن، وحيث التفاعل الخلاق مع جدلية الأزمنة...
ومن محمد أركون في فرنسا الى جورج قرم في لبنان، تحذير من الوقوع في الهوة الايديولوجية، وحيث الدوران الى حد الهذيان داخل خيوط العنكبوت. حتى إن المؤرخ الاسرائيلي شلومو ساند، صاحب كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، والذي انتفض على القراءة التوراتية للعالم وللتاريخ، رأى في الايديولوجيا "مقبرتنا". هي فعلاً مقبرة العقل والقلب.
نتنياهو يدرك أن دونالد ترامب غير جو بايدن. لم يعد يستطيع القفز فوق البيت الأبيض الى تلة الكابيتول، ليستقبل هناك كونه المبعوث الشخصي لله، وليقول "لولانا لما كان لأميركا موطئ قدم في الشرق الأوسط"، دون أن يقرأ أي من أعضاء الكونغرس ما ورد في أوراق أحد آباء الدولة ناحوم غولدمان "لولا الرئيس وودرو ويلسون لما كان وعد بلفور". ولولا أميركا لما كانت "اسرائيل"، بعدما كان الانكليز قد تلقفوا خرافة "أرض الميعاد" لتكون "الدولة اليهودية" ذراعهم الخشبية في وضع اليد على النفط، وللتحكم بالمعابر الاستراتيجية، من مضيق هرمز الى باب المندب، مروراً بقناة السويس.
اذاً "اسرائيل" فعلت كل ما في الرأس الأميركي. جعلت من غزة الأرض اليباب، لتصبح بيد المقاول "ريفييرا الشرق الأوسط"، وقصفت محيط القصر الجمهوري في دمشق، لتنقل سوريا من البلاط العثماني والبلاط السعودي، الى البلاط الأميركي. هكذا تتم صناعة الدمى وادارة الدمى، لتلقي بها أخيراً في الظل أو في القبر. الفيتنامي نغوين دوي هين، الذي استعاد لحظة تخلي البيت الأبيض عن رجاله في سايغون، كتب عن "الأب الذي يبيع جلد أولاده لصانعي الأحذية".
لبنانياً، سقطت كل الوصايات التقليدية، لتتكرس الوصاية الأميركية، التي متى لم تكن موجودة فوق كل الوصايات الأخرى، وهذا لم يكن ليدركه الأوصياء الآخرون، أكانوا من الاقليم أم من خارجه، لتكون تلك السلسلة من الكوارث الجيوسياسية والجيوستراتيجية، لنعود الى محمد الماغوط وهو يقول لنا "القنابل النووية لليهود وزجاجات الكوكا كولا للعرب"، لنكتشف في نهاية المطاف ان أميركا تتعامل معنىا كوننا الزجاجات أو الأطباق الفارغة!
لا اعتراض على وجودنا داخل الحرملك الأميركي (قهرمانات الدرجة الثالثة)، بعدما بقينا أربعة قرون داخل الحرملك العثماني كأمة ما زالت في اجترارها لثقافة قايين وهابيل، أو لثقافة المناذرة والغساسنة، أو لتلك الثقافة القاتلة حيث جبل النار بين السنّة والشيعة (حرب الموتوسيكلات)، حين تكون "الجاليات اليهودية" الوافدة من اصقاع الدنيا ومن شتى الحضارات في خندق واحد، وبدخول احتفالي الى معجزات القرن.
لا نتصور أن الشيطان يمكن أن يعود من واشنطن بأجنحة الملائكة. لكن توم براك الذي طالما هددنا بالويل والثبور وصل الى تلك القناعة، وهي قناعة دونالد ترامب، من المستحيل على "اسرائيل" نزع سلاح حزب الله بالقوة، لتكون الديبلوماسية هي السبيل الوحيد للوصول حل عقلاني ومتوازن للمسألة.
استطراداً، لمن يعنيهم الأمر داخل الحدود وخارج الحدود، لا غنى عن المقاومة في لبنان، وبالتوافق بين الجميع. جنوبي قال لنا "بعدما دمرت اسرائيل اشجار الزيتون أمام منزلي الذي تحوّل الى ركام، لاحظت أن نبتات الزيتون بدأت تظهر من جديد". سيان بين قيامة الزيتون وقيامة المقاومة...
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|