الصحافة

الجنوب السوري يغلي ويستنفر: هل تشكلت مقاومة لمواجهة إسرائيل؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا توحي الأمور في الجنوب السوري بأن الوضع قابل لأن يبقى مستتباً. مؤشرات كثيرة تفيد بإمكانية اندلاع مواجهة في أي لحظة. تزايد حجم التحركات الإسرائيلية مؤخراً، يومياً تسجل خروقات، وسط مخاوف من لجوء الإسرائيليين إلى توسيع عملياتهم العسكرية، أو توغلاتهم للسيطرة على مناطق أوسع. لكن السؤال الأساسي الذي يبرز هو ما إذا كان السوريون سيسمحون بذلك، أم إن هناك بذور مقاومة شعبية بدأت بالظهور. على الطريق الواصل بين بلدة خان أرنبة، وبلدة جباثا الخشب، في محافظة القنيطرة السورية، تزامن مرور موكب للأمن العام السوري، مع توغل إسرائيلي، وإقامة حاجز. لم يكن الأمر مصادفة بالتأكيد، فإسرائيل كانت قد رصدت رتل الأمن العام العائد من دمشق، بعد مشاركته في ضبط فعاليات احتفالات ذكرى سقوط نظام الأسد. اختار الجيش الإسرائيلي التوقيت لتكون رسالته واضحة، وهي ترتبط بالمواقف الإسرائيلة التي أعلنت سابقاً عن رفض وجود قوات عسكرية سورية في الجنوب السوري. على الأرجح، هذه هي الرسالة التي أرادت تل أبيب تمريرها لسوريا، ومفادها أنها لا تزال على شروطها في احتلالها لنقاط في جنوبي سوريا، إضافة إلى التحكم بالمفاصل الأمنية والعسكرية. 

رفض شعبي للتوغل الإسرائيلي

عبرت دورية الأمن العام الحاجز الإسرائيلي، بلا أيّة مواجهة أو اشتباك، لكن الجنود السوريين هتفوا بالتكبير والشعارات الدينية الأخرى. لكن من تولى التصدي للتوغل الإسرائيلي كان الناس من سكان المنطقة، الذي تشاجروا مع الدورية، وطلبوا منهم المغادرة، في حين بادر شبان آخرون إلى رشق عناصر الدورية بالحجارة. كانت هذه رسالة سورية لها معانٍ، وتؤشر إلى الرفض الشعبي للوجود الإسرائيلي على الأراضي السورية. لكن المتغير أن التوغلات الإسرائيلية أصبحت تتعرض لتحركات مضادة في المقابل، بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً؛ إذ لم يعد بإمكان الإسرائيليين الدخول إلى المناطق المأهولة بالسكان من دون مواجهة مقاومة، فما حصل في خان أرنبة ودفع بالإسرائيليين إلى إطلاق النار على نحوٍ مباشر على أبناء المنطقة لتأمين انسحابهم منها، كانت قد سبقته المواجهة في بلدة بيت جن، التي قاوم أهلها كلهم التوغل الإسرائيلي والدخول إلى أحد المنازل لإلقاء القبض على شابين. 

"هرب الإسرائيليان جرياً على الأقدام"

سارع الإسرائيليون إلى فض الاشتباك في خان أرنبة، والانسحاب على طريق جباتا الخشب. أحد الفتيان الذي كان موجوداً عند حصول الاشتباك يقول لـِ "المدن" إنه بعد رمي الإسرائيليين بالحجارة والمطالبة بطردهم من هناك، وبعد أن أطلقوا النار باتجاه الشبان، انسحبت القوة الإسرائيلية بالآليات، في حين أنَّ جنديين هربا جرياً على الأقدام قبل أن يلتحقا بالآلية. سلكت "المدن" الطريق التي مرّ عليها الإسرائيليون من خان أرنبة باتجاه جباتا الخشب. على طول الطريق، ولدى سؤال السكان عن الاتجاهات، كانوا يجيبون سريعاً بضرورة التريث وعدم التقدم، لأن الإسرائيليين يقيمون حاجزاً في آخر البلدة، ويطلقون النار على من يقترب منهم. للوصول إلى جباتا الخشب، لا بد من المرور في قرية أوفانيا، وفيها أحد المقرات الرئيسية لقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل. ويقع المقر على الطريق العام الذي يسلكه الإسرائيليون في توغلاتهم.

المواجهة متوقعة 

بلدة جباثا الخشب هي آخر البلدات السورية قبل الوصول إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، والمحددة بموجب اتفاق فض الاشتباك 1974. بعد سقوط نظام الأسد، تجاوزت اسرائيل خط الـ 1974 وأقامت قاعدة عسكرية كبرى في بلدة جباثا الخشب، كما تحتل سبع نقاط أخرى، أهمها تلة مرصد جبل الشيخ. كما أن القوات الإسرائيلية تواصل على نحوٍ يومي تنفيذ خروقات وتوغلات. وفي فترات سابقة، وصلت القوات الإسرائيلية إلى قطنا، وإلى بلدة الرخلة، لكنها عادت وانسحبت منها. عندما دخلت إلى هذا العمق الذي يبعد عن دمشق مسافة 20 كلم فقط، لم تكن القوات الإسرائيلية قد تعرضت لأي اعتراض، أما اليوم فقد أصبح السكان يعترضونها في البلدات الواقعة على الحدود المتاخمة للنقاط التي تحتلها. وهو ما يعني أن هناك مجموعات لن تسمح لإسرائيل بأن تدخل إلى سوريا وتخرج منها بلا أيّة مواجهة أو مقاومة. 

طرق عدة للتوغل

تعتمد إسرائيل طرقاً عديدة للتوغل داخل الأراضي السورية، أبرزها من الجولان، وعلى تخوم محافظتي القنيطرة ودرعا، لكن التركيز يبقى على الجهة الغربية للجنوب السوري، والامتداد المترابط للجغرافيا اللبنانية والسورية؛ أي الدخول من جهة جبل الشيخ، حيث تسيطر اسرائيل على تلة مرصد جبل الشيخ، كما أنها تسيطر على نقطة ثانية وتقيم قاعدة عسكرية هي قاعدة قرص النقل القريبة من بلدة حضر، ومن هناك يمكن للإسرائيليين التوغل باتجاه بيت جن، التي شهدت مواجهات مباشرة في الفترة الماضية. 

الشعب لا الدولة

لا تزال بيت جن تلملم جراحها؛ إذ فقدت في المواجهة الأخيرة 13 شهيداً، بينهم نساء وأطفال. على مدخل البلدة صورة مرفوعة للشبان الذين تصدوا للتوغل الإسرائيلي. لدى الوصول إلى وسط البلدة، يتجمهر الناس سريعاً، ربما، يشعرون بأنهم في حاجة إلى التكاتف السريع في ما بينهم. تعيش البلدة على قلق. يعتبرون أن الاشتباكات التي اندلعت قبل فترة قابلة لأن تتكرر في أي لحظة، لأن الإسرائيليين يصرون على الاستفزاز. في البلدة شبان يرفضون الرضوخ للشروط الإسرائيلية، ويجزمون بأنهم لن يسمحوا للجيش الإسرائيلي بالتوغل كما يريد في البلدة أو محيطها. ويؤكد أحد وجهاء البلدة بأن القرار هو للناس والشعب، وإن لم يكن هناك قرار سياسي من الدولة السورية بالتصدي للتوغلات، فإن الشعب هو الذي سيتصدى. 

"لن ننسحب قبل تحقيق مشروعنا"

تقع بيت جن في أسفل جبل الشيخ. تتمتع البلدة بموقع استراتيجي، فهي التي لديها امتداد مباشر لبلدة شبعا في جنوب لبنان، ومنها كان هناك طريق تهريب تاريخي، إما للسلاح أو لغيره من البضائع. الآن هذا الطريق مقطوع، بسبب السيطرة الإسرائيلية إما عسكرياً وإما بالنار على كل المعابر وعلى الجبال والتلال. قبل الاشتباك الأخيرة، وتحديداً في شهر حزيران الفائت دخلت القوات الإسرائيلية إلى جبل مشرف على بلدة بيت جن يُسمى "جبل باط الوردة"، عندها اعترض الأهالي على وجودهم، توجهوا إلى القوة المتوغلة التي أطلقت النيران بالهواء لمنعهم، لكنهم أصروا على الوصول إليها، لمطالبتها بالمغادرة وعدم التمركز على الجبل، لكن الإسرائيليين رفضوا، وعملوا على زرع أجهزة تنصت ورصد، وهذه أجهزة زرعت على طول الجبال المترابطة بين سوريا ولبنان. خلال الاشتباك الكلامي، قال الإسرائيليون للسوريين إنهم لن ينسحبوا من النقاط التي يحتلونها في سوريا، وإن لديهم مشروعاً يريدون تحقيقه وبعدها بإمكانهم أن يفكروا بالانسحاب. منذ تلك اللحظة، أيقن أهالي البلدة كما السوريون عموماً أن تل أبيب لديها مخطط تسعى إلى تطبيقه. وهو قد لا يقتصر على سوريا فقط بل يشمل لبنان وفي إطار إعادة تشكيل موازين القوى العسكرية والجغرافية في المنطقة. 

أبعاد اقتصادية أيضاً

ليست المشكلة عسكرية فقط، بل سياسية أيضاً، وذات أبعاد اقتصادية، وتتصل برسم حدود النفوذ في المنطقة. إسرائيل تنظر إلى نفسها كدولة يجب أن تكون متفوقة على الدول الأخرى، ما يعني أنها تسعى دوماً إلى إضعاف الدول المجاورة، وهي رفضت حتى الآن التوقيع على اتفاق أمني مع سوريا كي تبقى قادرة على التدخل والتوغل وحتى الاستثمار في الصراعات الداخلية السورية وتغذيتها، لا سيما أن مصلحة إسرائيل هي تقسيم سوريا إلى كيانات على أساس طائفي أو مذهبي. هدف استراتيجي آخر لا بد من التوقف عنده، يتعلق بأن تكون إسرائيل هي المسيطرة على خطوط ومعابر التجارة سواء في سوريا برياً، أو في لبنان بحرياً. ولا يمكن إغفال "الصراع على المياه"، من التركيز على حوض اليرموك، أو غور الأردن، أو حتى الصراع على ترسيم الحدود مع لبنان بما يخص نهر الوزاني، بالإضافة إلى إصرارها على احتلال نقاط في جبل الشيخ، الذي يعتبر أحد أكبر الخزانات الطبيعية للمياه المتجمعة بذوبان الثلوج. ولجبل الشيخ امتدادات مائية باتجاه سوريا كما باتجاه لبنان، وصولاً نحو عيون شبعا، وامتداداً نحو الليطاني. 

هنا يكمن سبب إضافي للإصرار إسرائيلي على السيطرة على جبل الشيخ ومناطق محيطة به، ومن ضمنها بيت جن، التي لا تزال تتوقع توغلات اسرائيلية جديدة، وسط استعدادات للتصدي. قبيل العملية الإسرائيلية الأخيرة في بيت جن، كان التنسيق الأمني مع سوريا قد توقف، حتى الآن المساعي الأميركية لم تصل إلى أي نتيجة. بعد العملية، تجددت مساعي الأميركيين، لكن من الواضح أن هناك اختلافاً كبيراً في التوجهات بين واشنطن وتل أبيب تجاه سوريا. ولمنع تطور الأوضاع نحو الأسوأ خرج المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك بتصريحات جديدة يشير فيها إلى أن سوريا لا تريد المواجهة مع إسرائيل، وهو سيرجئ زيارة إلى إسرائيل لإعادة إحياء المفاوضات بينها وبين سوريا. وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن الأميركيين يوجهون رسائل طمأنة لسوريا، بأنهم لن يسمحوا لإسرائيل بتنفيذ أيّة عمليات عسكرية أو توغلات في جنوب سوريا. أما دمشق فلا تزال تترقب وتريد الحل الديبلوماسي، في حين أنَّ الناس يتحضرون لأيّة مواجهة قد تندلع. ولو كانت بصورة "مقاومة شعبية أو عفوية".

منير الربيع- المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا