الخطة الإسرائيليّة للسيطرة على لبنان
قبل أن نسأل ما اذا كنا في عنق الزجاجة أم في قعر الزجاجة ما دامت اسرائيل ماضية في سياسة الأبواب المقفلة للذهاب باللعبة الدموية الى حدودها القصوى، أشارت معلومات دولة عربية ترتبط بعلاقات ديبلوماسية مع الدولة العبرية الى أن أحد أركان الائتلاف اليميني اقترح انشاء ميليشيا في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان على غرار "ميليشيا جيش لبنان الجنوبي"، على أن تتكون نواتها من أبناء عناصر الميليشيا السابقة الذين استقروا في اسرائيل. الأخطر ما في تلك المعلومات هو رهان صاحب الاقتراح على الاستعانة، في هذه العملية، على مئات، وربما على آلاف، العناصر العاملة داخل بعض الأحزاب اللبنانية!
لا مشكلة في عملية التشكيل ما دام بالامكان جلب آلاف المرتزقة من بعض البلدان الأفريقية، لنتوقف أمام قول الوزير السابق وليد جنبلاط من أن تل أبيب في صدد استجلاب يهود الهند بالمعتقدات الملتبسة، تماماً كما تم استجلاب الفالاشا من أثيوبيا، مبديا تخوفه من توطينهم في الجليل وطرد العرب من هناك. علماً بأن الجماعات اليهودية في الهند تتكون من"بني اسرائيل" التي تدعي تحدرها من أحد الأسباط اليهودية العشرة التي فقدت منذ سقوط مملكة اسرائيل الشمالية بيد الشوريين عام 722 قبل الميلاد، و"يهود كوشين"، و"بني مناشيه".
للأميركيين نظرتهم الخاصة، واستراتيجيتهم الخاصة، ودائماً لمصلحة اسرائيل. واذا كانوا يريدون أن يجعلوا من غزة "ريفييرا الشرق الأوسط"، ومن لبنان "لاس فيغاس الشرق الأوسط"، فهم يرون سمات مشتركة بين الديناميكية اللبنانية والديناميكية الاسرائيلية، وبالصورة التي تتيح انشاء منطقة اقتصادية فوق أنقاض البلدات المدمرة عند الحدود، باعطاء الأولويات للصناعات التكنولوجية، وعلى شاكلة "وادي السيليكون" في كاليفورنيا، مع فارق الكم والنوع...
هنا السلام بين لبنان واسرائيل لا بد أن يكون مختلفاً، ومن شأنه أن يقلب المشهد الاقتصادي الشرق أوسطي رأساً على عقب ودون أي اعتبار للرابط العاطفي، والتاريخي، لأهل تلك البلدات بأرضهم. ايضاً في نظر الأميركيين فان لبنان بامكاناته الجغرافية والديموغرافية المحدودة، وبتركيبه الفسيفسائي، وبالنزعة التجارية العريقة لدى أبنائه، لا يشكل أي خطر على اسرائيل.
اللافت في هذه السياق أن الاسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، ركزوا على الترويج بأن البحث في اجتماع "الميكانزم" الأخير تناول التعاون الاقتصادي. ومن هذه الزاوية بالذات اختراق "الحالة اللبنانية". مع اعتبار أن السيطرة الاقتصادية على لبنان، بوضعه الفوضوي وبتصدعه السياسي والطائفي، تشكل المدخل الى السيطرة الاستراتيجية بكل وجوهها...
حتى اللحظة لا تزال اللغة العسكرية هي الطاغية على ألسنة القيادات الاسرائيلية، لنلاحظ مدى الأداء الكاريكاتوري لمندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مايك والتز، بعد جولة له بالهيليكوبتر في مناطق الحدود بين اسرائيل وكل من لبنان وسوريا. من الطائرة شاهد ان "حزب الله" يعيد بناء نفسه.
انه العمى الأميركي عندما يتعلق الأمر باسرائيل، ودون أن يلاحظ أي من المسؤولين في واشنطن أنه لم تطلق رصاصة واحدة من لبنان في اتجاه اسرائيل منذ توقيع اتفاق وقف العمليات العدائية قبل أكثر من عام، في حين لم تتوقف الضربات الجوية الاسرائيلية، ودون أن يتاح لأي مبادرة ديبلوماسية أن تخطو ولو خطوة واحدة الى الأمام، لياتينا تصريح السفير المصري علاء موسى، عقب لقائه الرئيس جوزف عون، بـ"أن الفترة القادمة ستشهد تطوراً ايجابيا".
منذ التسعينات من القرن الماضي قال الفيلسوف الفرنسي اليهودي ادغار موران ان الحاخامات الذين احترفوا التأويل الدموي للتوراة، جعلوا الساسة والعسكريين على ذلك الشبق المخيف للدم. دائماً القتل والاقتلاع والترحيل على وقع الطبول، والى حد تشكل تلك القناعة الفلسفية بأن بقاء الدولة رهن بالخط الاسبارطي، أي بالقوة العمياء. هذا ما ظهر في العام المنصرم في غزة، وفي لبنان، وفي اليمن، وحتى في سوريا، وصولاً الى الدوحة بالخطوط المفتوحة مع تل أبيب، وان قيل انها رسالة الى الأمير السعودي محمد بن سلمان بسب اصراره على اقامة الدولة الفلسطينية، وقد اصبحت أثراً بعد عين...
واذا كان بوب ودورد وروبرت كوستا قد قالا، في كتايهما PERIL، "اذا أردتم التعرف على كائن بشري تخرج النيران من أذنيه فهو دونالد ترامب". في هذه الحال، والتقاطع واضح بين الاثنين، النيران تخرج حتى من قدمي بنيامين نتنياهو الذي يصر على خوض الحروب حتى اليوم الأخير من حياته. هذا كله بامرة "رب الجنود" أي يهوه الذي قضى باقامة "اسرائيل الكبرى".
في هذا المشهد الضبابي، وقبل ايام من الاجتماع الثاني لـ"الميكانزم" 19 الجاري، ذكرت هيئة البث الاسرائيلية "ان الجيش الاسرائيلي أعدّ خلال الأسابيع الماضية خطة واسعة ضد أهداف "حزب الله" في لبنان"، وأن هذه الخطة العملياتية نوقشت مع نتياهو، بعدما كان السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى قد صرح ، وبما يشبه الشعوذة الديبلوماسية، بأن اسرائيل تفرّق بين المفاوضات مع الحكومة اللبنانية والحرب ضد "حزب الله".
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|