عندما تراجع الصاروخ: ما الذي انكشف في يانوح؟
لم تكن حادثة يانوح مجرد تفصيل عابر في سجل الاعتداءات الإسرائيلية، بل لحظة كاشفة لما حاولت تل أبيب طويلاً إخفاءه خلف خطاب “الدقة” و”الأهداف المشروعة”. امتناع الطائرات الإسرائيلية عن قصف منزل جرى تحديده سابقاً، بعد ضغوط سياسية وتدخل أميركي مباشر، أسقط عملياً الرواية الإسرائيليّة التي تبرر الاعتداءات بذريعة معلومات استخباريّة مؤكّدة. فالأخطر في ما جرى ليس التراجع بحد ذاته، بل السبب: لجنة “الميكانيزم” تحقّقت ودقّقت، ولم تجد أيّ عنصر مشتبه به في المنزل. هنا، لا يعود السؤال لماذا لم يُقصف المنزل، بل لماذا كان قد وُضع أساساً على لائحة الأهداف.
هذا التطور يقود إلى استنتاج يتجاوز يانوح: الإسرائيليون يكذبون، أو في الحد الأدنى يتصرفون بعشوائيّة مغطاة سياسياً. فإذا كان منزلاً واحداً قد نجا لأنّ التدقيق حصل في الوقت المناسب، فكم من منازل ومواقع سُوّيت بالأرض من دون أيّ تدقيق فعلي؟ من هذه الزاوية، تصبح كل “الأهداف” التي يحدّدها الجيش الإسرائيلي موضع شكّ، ليس أخلاقياً فقط، بل تقنياً أيضاً. حادثة يانوح لم تبرّئ منزلاً بعينه، بل دانت آلية كاملة في اختيار الأهداف.
في موازاة ذلك، سقط ادّعاء آخر لطالما جرى الترويج له، حتى من أطراف أميركية، ومفاده أن واشنطن عاجزة عن الضغط على إسرائيل. ما حصل يثبت العكس تماماً. الطائرات الإسرائيليّة كانت قد انطلقت في مهمتها، ثم عادت إلى قواعدها. هذا تفصيل بالغ الدلالة: القرار السياسي الأميركي لم يأتِ بعد الفعل، بل سبقه وأوقفه. وعليه، فإنّ ما كان قد قاله توماس براك سابقاً عن محدوديّة القدرة الأميركية على التأثير، يبدو اليوم أقرب إلى خطاب تبريري منه إلى توصيف واقعي. الولايات المتحدة قادرة على الضغط متى أرادت، والسؤال الحقيقي هو متى تختار أن تفعل.
أما على المستوى اللبناني، فربما كان المكسب الأهم معنوياً ورمزياً، لكنه ليس بسيطاً. تطعيم لجنة “الميكانيزم” بمسؤول مدني لبناني، سيمون كرم، شكّل رسالة سياسية أكثر منه إجراءً تقنياً. واشنطن، من خلال هذا التعديل، منحت الدولة اللبنانية هامش ثقة افتقدته طويلاً، وفتحت نافذة لإعادة الاعتبار لمنطق التفاوض المباشر، الذي لطالما روّجت له كبديل عن منطق التصعيد. الأهم أنّ هذه الخطوة شجعت شريحة واسعة من اللبنانيين على الاعتقاد بأنّ التفاوض، إذا كان متكافئاً ومدعوماً بضمانات، يمكن أن يشكّل أداة ردع حقيقية في وجه الاعتداءات العشوائية.
اضافة الى ذلك، من المهم الاشارة الى الدجل الاسرائيلي عن تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله، فقد اثبتت هذه الحادثة ان لا تنسيق مطلقاً بين الطرفين، لا بل التنسيق الثابت هو بين الجيش و"اليونيفيل" (القوات التي لا تثق بها اسرائيل)، وبينه وبين الاميركيين الذين لا يمكن للاسرائيليين معارضتهم، هذا بحد ذاته كفيل (فيما لو تم رفع الغطاء السياسي الاميركي)، باتهام اسرائيل بتقويض سمعة الجيش واستهدافه سياسياً ومعنوياً للنيل منه ومن الثقة التي يمحضه اياها اللبنانيون جميعاً ودول العالم اجمع.
من هنا، تكتسب الجلسة الثانية المرتقبة للجنة “الميكانيزم”، بحلتها الجديدة، أهمية مضاعفة. فهي تأتي في لحظة سياسية حسّاسة، وقبيل المهلة التي كانت محدّدة لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة، ما يحمّلها أكثر من وظيفة. فإمّا أن تتحول إلى منصة فعلية لكبح التصعيد وفرض معايير جديدة على السلوك الإسرائيلي، وإما أن تنضم إلى سلسلة الآليّات التي ما لبث ان تعطلت. حادثة يانوح رفعت سقف التوقعات، ووضعت الجميع أمام سؤال واضح: هل حان الوقت لاعطاء الدولة الدفع المعنوي اللازم لبسط سلطتها ام الامعان في تقويضها وترك الامور على ما هي عليه لامد طويل؟.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|