الصحافة

الفرصة الأخيرة لـ سعد الحريري

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في السياسة اللبنانية، لا تسقط الزعامات دائماً في لحظة هزيمة واضحة، بل كثيراً ما تذوب ببطء، تحت وطأة الانتظار وسوء إدارة الغياب. هكذا خرج رئيس "المرابطون" إبراهيم قليلات من المشهد العام، لم يُقصَ بقرار، ولم يُهزم في معركة، بل تُرك جمهوره سنوات على وعد العودة. قيل يومها إنّ قليلات عائد، ثم إنّ الظروف لم تنضج، ثم طال الصمت… فسبقَه الزمن، وتحوّل اسمه إلى ذكرى سياسية.

اليوم، يعود هذا النموذج إلى الواجهة بصيغة مختلفة، مع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل. في كل استحقاق سياسي أو انتخابي، تُطلق الإشارات نفسها "الحريري عائد". تتحرّك القواعد، يُشدّ العصب، ويُطلب من الشارع السني أن ينتظر القرار في اللحظة المناسبة. تمرّ الانتخابات، تُقفل صناديق الاقتراع، تُوزَّع المقاعد، ولا عودة. ثم يبدأ العدّ العكسي للاستحقاق التالي، وتُعاد اللعبة نفسها.

المشكلة لم تعد في خيار المشاركة أو المقاطعة بحدّ ذاته، بل في تحويل الغياب إلى أسلوب إدارة سياسي. فالانتخابات، التي يفترض أن تكون ساحة الحسم، تحوّلت إلى محطة انتظار. لا قرار بالدخول إلى المعركة ولا قرار بالخروج منها، بل إبقاء التيار في منطقة رمادية، حاضر بالاسم وغائب بالفعل.

في بلد كلبنان، من يغيب عن الانتخابات يغيب عن السياسة. التمثيل لا يُستعاد بالعاطفة وحدها ولا بالخطاب العام، بل بصناديق الاقتراع. ومع كل استحقاق يُمرّ من دون قرار واضح، يتآكل التنظيم، ويضعف الحضور الشعبي وتتحوّل الزعامة من موقع فاعل إلى مرجعية رمزية لا أكثر.

الأخطر من ذلك، أنّ ثمّة من ينتفع مباشرة من إبقاء وعد "سعد الحريري عائد" معلّقاً في الهواء. أطراف سياسية مختلفة تستثمر هذا الوعد لضبط الشارع السني من دون تمثيله، ولمنع بروز بدائل جدّية، ولتمرير الاستحقاقات بأقل كلفة ممكنة. الوعد هنا لا يُستخدم تمهيداً لعودة فعلية، بل كأداة لإدارة الفراغ وتوظيفه لمصالح الآخرين.

عند كل انتخابات، تتكرّر النتيجة نفسها، مكاسب تُحقَّق باسم الغياب، وخسائر تتراكم على حساب تيار يُستنزف رصيده الشعبي والرمزي من دون أن يخوض المعركة. وهكذا تتحوّل الوعود من وسيلة تعبئة إلى وسيلة استثمار سياسي، يدفع ثمنها جمهور يُطلب منه الصبر مراراً، من دون أفق واضح.

التجربة اللبنانية لا ترحم في هذا المجال. فالزعامة التي لا تُمارَس تتحوّل إلى ذكرى، والذكرى لا تحمي موقعاً ولا تملأ فراغاً. ما حصل مع إبراهيم قليلات كان درساً قاسياً، من يراهن على الزمن خارج الاستحقاقات، يخسر داخلها. وسعد الحريري، مهما كان حجمه وإرثه، يقف اليوم أمام الامتحان نفسه.

لا يكفي أن يُقال إنّ الزعيم عائد. إمّا قرار واضح قبل الانتخابات يعيد تعريف الدور والموقع، وإمّا الاعتراف بأنّ إدارة الغياب أخطر من الغياب نفسه. فالزمن لا ينتظر أحداً، ومن يطيل النوم على وعد الصحو، قد يستيقظ يوماً ليجد أنّ المشهد تغيّر وأنّ الآخرين حصدوا المكاسب باسمه.

ليبانون ديبايت - محمد المدني

 

 

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا