تفريغ بلا انسحاب.. كيف أعاد حزب الله صياغة حضوره جنوب الليطاني؟
أميركا تستعجل الصفقات وإسرائيل تستثمر في الحروب: ماذا عن لبنان؟
انطلاقاً من الخطاب الاستراتيجي الأميركي الذي عادليضع "تخفيف الانخراط في الشرق الأوسط" في صلبأولوياته، يمكن قراءة السلوك الأميركي الراهن بوصفهمحاولة لإعادة ترتيب المنطقة قبل الانسحاب الجزئي منها.الولايات المتحدة، وهي تدير انتقال ثقلها الاستراتيجي نحومواجهة الصين، والاهتمام بأميركا اللاتينية وبيتها الداخلي،لا تريد شرقَ أوسط منفلتا، بل شرق أوسط "مُدارا"بأدوات أقل كلفة، وفي القلب من هذه الأدوات تقف إسرائيلبوصفها الوكيل الإقليمي الأقدر على حفظ التوازنات التيتخدم المصالح الأميركية.
إذا، تُريد تل أبيب تحقيق حلمها بإسرائيل الكبرى، بينما تُريد إدارة ترامب تحقيق "إسرائيل العظمى"، وهو ما ينطلق من تمكين أمني لها عبر أحزمة عازلة على حدودهامع لبنان وسوريا وغزة، وتثبيت معادلات ردع تمنع تحوّلهذه الجبهات إلى تهديد، وتمكين اقتصادي يجعل منإسرائيل نقطة مركزية لخطوط الطاقة والتجارة، من الغازشرق المتوسط إلى الممرات البرية والبحرية البديلة، وتمكينسياسي عبر دمجها في الإقليم، إما من خلال توسيعاتفاقات أبراهام أو عبر ترتيبات أمنية واتفاقات غير معلنةمع دول ما زالت خارج هذا المسار، وفي مقدّمها لبنانوسوريا.
ضمن هذا الإطار، تبدو الإدارة الأميركية، بقيادة ترامبمستعجلة على التفاوض والصفقات، وإن كان الاستعجالهنا ليس نابعا من حرص على الاستقرار بحد ذاته، بل منخشية أن يسبقها الانفجار الكبير إلى فرض وقائع لاتستطيع ضبطها لاحقا بالمهل القصيرة المتوفرة. لذلك نراهاتضغط في اتجاه تسويات حدودية، ترتيبات أمنية، لجانمراقبة، في غزة وسوريا ولبنان.
في المقابل، تقف حكومة بنيامين نتانياهو على ضفةمختلفة، فتل أبيب التي ترى نفسها في لحظة تفوقعسكري غير مسبوقة لا تشارك واشنطن استعجالها لإنهاء الحروب، بل على العكس، نتانياهو وحلفاؤه يدفعون باتجاهإبقاء المنطقة في حالة حرب مفتوحة أو شبه مفتوحة، لأنهابالنسبة إليهم تشكل فرصة تاريخية نادرة لإعادة رسمالخرائط، لتغيير الوقائع الديموغرافية والأمنية، وللاقترابخطوة إضافية من مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي لايعترف بحدود نهائية لأي دولة في المنطقة.
هنا يتبدّى التناقض الجوهري بين المسارين، فواشنطنتريد تحويل الحروب ومنجزاتها إلى صفقات، بينما تريد تلأبيب حروبا طويلة تُنتج وقائع ثابتة، أميركا تفكّر بمنطقالإدارة والسيطرة بأقل كلفة، فيما تفكّر حكومة نتانياهوبمنطق الاستغلال الأقصى لفكرة الحرب، لذلك نرى أحياناهذا التباين في المواقف، حيث تضغط واشنطن للتهدئةبينما تذهب إسرائيل إلى التصعيد، وفي سوريا يتبدى هذا التباين، كما في لبنان حيث تضغط باتجاه التصعيد بينما تتجه اميركا نحو الضغط السياسي والتفاوض.
بعد هذا الطرح، سيكون السؤال الأساسي هو أيالمسارين سيتقدم؟ الجواب ليس بسيطًا، فتاريخ العلاقةالأميركية-الإسرائيلية يقول إن واشنطن قادرة في اللحظاتالحاسمة على فرض إيقاعها، لكنها غالبا ما تؤخراستخدام هذه القدرة إلى أن تصبح كلفة الانفلات عالية جداً، وهذا ما تبين في غزة، حيث لم تتدخل سوى بعد عامين وبعد ان بدأت الحرب تُفقد اسرائيل صورتها بالعالم، ولم تعد تحقق أي نتائج على الأرض، وتمكنت الولايات المتحدة من الوصول الى ترتيبات سياسية مع تركيا فتحت باب وقف الحرب في غزة، وبالتالي فإن أميركا لا تزال تترك لإسرائيل هامش حركة واسعة خصوصاً عندما يخدم هذاالهامش الضغط على الخصوم ورفع سقف التفاوض.
في قلب هذا المشهد يقف لبنان في موقع بالغ الحساسية، فهو ليس أولوية أميركية بحد ذاته، لكنه ورقة ضمن رزمةأوسع تشمل أمن إسرائيل وحدودها الشمالية، وبالتالي قد لا يكون المطلوب أميركيا من لبنان حلا جذريا لصراعه معتل ابيب في وقت سريع، بل إدارة هذا الصراع عبر ترتيباتأمنية، وانتشار للجيش، وآليات مراقبة، ومنطقة عازلة، ومسار سياسي تفاوضي، على أن يُقدم كل ذلك كدليل على استقرار طويل الأمد، أما إسرائيل، فتنظر إلى لبنانكساحة ضغط دائمة، تريد إبقاءها تحت التهديد لإجبارهاعلى تنازلات أمنية لا تستطيع فرضها سياسياً، وتضمن لها الحصول على أراضٍ لبنانية في سياق عملية التوسع.
كذلك يجب الإشارة إلى أن المسار الأميركي الترامبي وإن تقدم، فهذا لا يعني وصوله الى النتائج التي يُريدها بالكامل، وبالتالي قد لا يتمكن من فرض الحلول بحال لم يكن هناك نية للتنازل عن بعض المطالب او الشروط التعجيزية، كالإستسلام.
بين هذين المسارين، يحاول لبنان الرسمي المناورة، فلا هوقادر على الالتحاق الكامل بالمشروع الأميركي، ولا هومستعد لتحمّل كلفة المشروع الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أن لقاء نتانياهو مع ترامب نهاية الشهر الحالي سيرسم المسار المقبل للوضع في لبنان، فهل يمكن للبلد، انطلاقاً من التعاون السعودي الإيراني، أن يُغري ترامب بصفقة ما، أم يتمكن نتانياهو من فرض وجهة نظره بما يتعلق بالمنطقة، خصوصاً بعد حادثة سيدني والتي يحاول الإعلام الاسرائيلي تصويرها على أنها الدليل على ضرورة استكمال الحرب في المنطقة؟.
محمد علوش -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|