العتمة ليست قدَرًا… ردّ موثّق على مزاعم الصدي
لم يعد مقبولًا أن يطلّ وزير الطاقة بمظهر “المنقذ” في لحظة انهيار شامل، فيما الوقائع الموثّقة تشير إلى عكس ذلك تمامًا. ما يجري ليس أزمة تقنية ولا ظرفًا طارئًا، بل مسار واضح من العناد السياسي، والتغطية المتعمّدة، وتحويل وزارة الطاقة إلى مساحة آمنة لمافيا الفيول، على حساب اللبنانيين ومالية الدولة معًا.
الوزير الذي يتحدّث اليوم عن “مناقصات طويلة الأمد” كحلّ سحري، يتجاهل حقيقة أساسية: هذا الطرح قُدّم له سابقًا، وبالأرقام والوقائع، لكنه قوبل بالرفض أو الدفن السياسي. الاستدامة في التوريد لم تكن فكرة مستحدثة، بل كانت قائمة فعلًا في عهد الوزير السابق، قبل أن يتم تفكيكها وتعطيلها بقرارات مباشرة من الوزير الحالي وفريقه، ما أعاد البلاد إلى دوامة العتمة والابتزاز. والأكثر فداحة، ما الذي منع الوزير ومستشاره المحظي من إطلاق مناقصة عاجلة لتأمين الشحنات المطلوبة وتوفير الطاقة الكهربائية لمدة 6 أشهر على الأقل؟ ولماذا أوصلت الإدارة الكارثية لملف المناقصات البلاد إلى شبه عتمة شاملة؟ هذه أسئلة مشروعة، وعلى الوزير أن يجيب عنها بدل الهروب إلى الأمام.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان الحل معروفًا ومتوافرًا، لماذا جرى تعطيله؟ ولماذا يُعاد تسويقه اليوم للرأي العام وكأنه إنجاز شخصي أو اكتشاف متأخر، فيما الحقيقة أنه نتيجة ضغط وفضح، لا نتيجة رؤية إصلاحية أو تخطيط مسؤول.
الأخطر في المشهد هو ما قاله الوزير نفسه عن أن الشركات “تخاف من التدقيق”. هذا الكلام ليس زلّة لسان، بل اعتراف ضمني بأن الوزارة كانت، لفترة طويلة، بيئة مريحة لشركات لا تحتمل الرقابة. الشركات النظامية لا تخاف من التدقيق، بل ترتاح له، أما الشركات المزوّرة فمن الطبيعي أن تخشاه. الخوف الحقيقي بدأ عندما دخل فوزي مشلب إلى الملف وبدأ كشف المستور، وعندما فشلت كل محاولات إسكات “ليبانون ديبايت” رغم الضغوط والتهديدات. وفي هذا السياق، يبقى شرف الإعلام أنه يُقلق شبكات الغش لا أنه يوفّر لها الغطاء.
والأدهى، تذرّع الوزير بما سمّاه “الجو التخريبي” في ما يتعلّق بالبواخر، معتبرًا أن هذا الجو يقلق الشركات المورّدة ويجعلها تتردّد في المشاركة بالمناقصات، مشيرًا إلى أن آخر 6 مناقصات إما لم يتقدّم إليها أي عارض أو تقدّم عارض وحيد. لكن ما يتجاهله الوزير، أو يتعمّد تجاهله، هو أن المستور لم يعد مستورًا، وأن الشركات المتورّطة بالفساد لم تعد تتقدّم لأنها انكشفت وأصبحت ملاحقة بسبب غشّها الذي بات موضع نظر القضاء. المشكلة ليست في “الجو”، بل في سقوط منظومة الحماية.
أما ملف Hawk III، فليس حادثًا عابرًا ولا تفصيلًا إداريًا كما يحاول البعض تصويره. نحن أمام جريمة متكاملة الأركان: تزوير منشأ، مستندات ملفّقة، محاولة تهريب، التفاف على الرقابة، ضغوط سياسية وإدارية لمنع المحاسبة، ثم حملة تشهير ضد من كشف الحقيقة. غرامة 10 ملايين دولار ليست رقمًا تقنيًا، بل اعتراف رسمي بأن مافيا كانت تعمل تحت سقف الوزارة. والأهم أن هذه الغرامة لم تكن نتيجة يقظة داخلية، بل ثمرة متابعة حثيثة من فوزي مشلب، الذي منع طمس الفضيحة وفرض مسار المحاسبة.
Hawk III ليست سوى رأس جبل الجليد. هناك ما لا يقل عن 35 ناقلة أخرى خضعت للأسلوب نفسه: تزوير، تلاعب بالمستندات، أسعار وهمية، وغطاء سياسي وإداري وفّر الحماية. مئات ملايين الدولارات ضاعت في هذا المسار، فيما الدولة تُستنزف، واللبنانيون يُتركون في العتمة. الإخبارات قُدّمت في كل هذه الملفات، والمتابعة مستمرة حتى النهاية، مهما طال الزمن أو اشتد الضغط.
وفي موازاة ذلك، يحاول الوزير التلهي بطروحات من باب “الحل الاستراتيجي”، متحدثًا عن تحويل القطاع إلى العمل على الغاز الطبيعي. هذا الطرح، في توقيته ومضمونه، ليس سوى ذرّ للرماد في العيون. فبعد 10 أشهر في الوزارة، لماذا لم يُقدِم على أي خطوة فعلية في هذا الاتجاه؟ ولماذا يُستخدم هذا العنوان اليوم لتبرير الفشل القائم، بدل الاعتراف بالتقصير والمساءلة؟
الأمر لا يتوقف عند أداء الوزير وحده، بل يتجاوز ذلك إلى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه. “القوات اللبنانية” وعدت اللبنانيين صراحة بكهرباء 24 على 24 خلال سنة. هذا الوعد تبيّن أنه وعد كاذب. وبدل الاعتذار أو تحمّل المسؤولية أو حتى التفكير بالاستقالة، يجري اليوم تحميل كاشفي الفساد مسؤولية إيصال لبنان إلى شبه عتمة شاملة، في قلب انقلاب فجّ على الوقائع.
من هنا، الرسالة واضحة ومباشرة. التوقف عن تخويف الناس بالعتمة بات ضرورة. العتمة ليست قدرًا، بل أداة تُستخدم لفرض الفساد كأمر واقع. هذه المعادلة مرفوضة.
نؤكد بوضوح: لن نخاف، لن نسكت، ولن نسمح بدفن أي ملف. من حاول إسكات فوزي مشلب أو قمع الإعلام الحر خسر معركته منذ اللحظة الأولى. وستبقى “ليبانون ديبايت” العين المفتوحة على ما يجري داخل هذه الوزارة، مهما حاول البعض تخيير اللبنانيين بين العتمة والفساد. هذا الخيار مرفوض، والرضوخ له لن يحصل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|