لجنة التربية تحسم ملف الأقساط المدرسية وتُقرّ القانون معدّلًا
إذا تغيّر رجب طيب أردوغان..
اذا صدقت معلومات الظل، وانتقل رجب طيب اردوغان من الحالة العثمانية الى الحالة الأتاتوركية، برؤية رئيس الدولة في القرن الحادي والعشرين، لا برؤية السلطان في القرن السادس عشر. استطراداً اذا تغيرت تركيا، وكانت دقيقة المعلومات التي تتحدث عن اتصالات، وحتى عن خطوات عملية وعملانية باتجاه جهات معادية لـ "اسرائيل" في المحيط أو في لبنان، لا مناص من سقوط "المشروع الاسرائيلي" بتغيير الشرق الأوسط.
هذا مع أن الرجل جعلنا لا نثق لا بمواقفه ولا بسياساته، بعدما كتبنا كثيراً عن "ديبلوماسية الثعبان" أو عن "استراتيجية الثعبان"، لكنه الآن أمام اختبار وجودي في سوريا، حيث تلاحقه الاشباح الاسرائيلية في كل خطوة، حتى أن الرئيس دونالد ترامب تمنى على بنيامين نتنياهو، وأمام الكاميرات ، بأن "يرأف" بالحليف التركي. لكن أركان الائتلاف الذين فاجأهم مدى التقدم التركي في التكنولوجيا العسكرية، باتوا يتوجسون من الكماشة التركية ربما أكثر من خوفهم من الكماشة الايرانية.
لا شك أن سوريا كانت رهانه الذهبي لاقامة كوندومينيوم تركي ـ "اسرائيلي" لادارة المنطقة وثرواتها، تحت المظلة الأميركية، ليفاجأ بالضربة الاسرائيلية على الرأس، ما جعل معلقي اليمين في "تل أبيب" يسخرون من "قبعة السلطان التي سقطت على أبواب دمشق". لا شك أن ما حدث في غزة تحت حكم حركة "حماس" ، كامتداد فلسطيني لجماعة "الاخوان المسلمين"، كشف مدى العمى الايديولوجي والعمى الاستراتيجي الذي يقود "العقل الاسرائيلي". وهذا ما بلغ ذروته مع كلام "زعيم الليكود" من أنه في مهمة روحية لاقامة "اسرائيل الكبرى"!
للتو لاحظ اردوغان أن "الوعد الالهي" يلحظ اقتطاع أجزاء من تركيا ومن مصر والعراق، والأخطر ازالة لبنان وسوريا من الخريطة. وقد يكون ذلك من العوامل التي تجعل أنقرة تتجه نحو التغيير الاستراتيجي، لا التغيير التكتيكي في سياساتها. بمعنى آخر أن يتخلى رجب طيب اردوغان عن رجب طيب اردوغان، ويتصرف كرئيس دولة يمكن "لاسرائيل"، بالقنبلة التوراتية كما بالقنبلة النووية، أن تصبح على حدودها، بعدما رأينا كيف رفضت المشاركة التركية في القوة الدولية الخاصة بغزة، وبعدما ذكرت المعلومات أنها حذرت عبد الفتاح البرهان من استضافة السودان أي قاعدة تركية على شاطئ البحر الأحمر.
وكما هو معلوم، فان تركيا أقامت علاقات ديبلوماسية مع "اسرائيل" منذ أذار 1949، مع الاتفاق على التعاون الاستراتيجي والديبلوماسي (وتصوروا...)، حتى أنها استبقت على وتيرة التبادل التجاري مع "اسرائيل"، حتى الأسابيع الأخيرة من الحرب على غزة، بالرغم من صيحات التنديد، وكانت صيحات في الهواء، "باسرائيل" وهي تنفذ بالطائرات، الأشد هولاً من أفران الغاز في أوشويتز، المحرقة (الهولوكوست) الفلسطينية.
على مدى نحو 7 عقود، عرفت واشنطن كيف توظف الدور التركي في خدمة الدولة العبرية، لا سيما بعدما أطلق وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دلاس "حلف بغداد" في شباط 1955، وكان نجومه أنتوني ايدن ونوري السعيد ومحمد رضا بهلوي وجلال بايار (وعدنان مندريس)، اضافة الى الباكستاني محمد علي بوغره، وبعده تشودري محمد علي.
صدمة اردوغان كانت هائلة. بدل أن يمد رئيس الحكومة الاسرائيلية اليد اليه، لأنه أزال بذلك السيناريو المتعدد الرؤوس نظام بشار الأسد، رفع في وجهه البطاقة الحمراء، لا بل أنه راح يقضم الاراضي السورية الأكثر حساسية بالنسبة للأمن الاستراتيجي لسوريا. هكذا لم يستطع الرئيس التركي أن يحقق حلمه في الوصول الى دمشق على ظهور الجماهير والصلاة، بشخصية السلطان أو بشخصية الخليفة، في الجامع الأموي...
هل يمكن لأردوغان أن يتحول من صديق "لاسرائيل" الى عدو لها، بعدما أخذ علماً بأن ادارة ترامب تريد لغاز شرق وجنوب المتوسط أن يمر عبر اليونان الى أوروبا لا عبر تركيا، ودون أن يكون له اي دور في موضوع الغاز السوري الذي، مثل الغاز اللبناني، يفترض أن يبقى في قاع البحر، الا اذا انضم البلدان الى الكونسورتيوم الذي يضم الآن كلاً من "اسرائيل" واليونان وقبرص، دون أن يبقى خفياً اعتزام نتنياهو تحويل هذا القوس الاقتصادي الى قوس عسكري.
بحذر شديد نأمل بحدوث تحول في المنحى الاستراتيجي للرئيس التركي، أي ابدال سياسات الهيمنة، باللوثة التاريخية أو القبلية (حتى في العقل الأمبراطوري)، بسياسات الشراكة. وهذا ما تحتاج اليه المنطقة التي سقطت طويلاً في الصراعات العبثية، مع ادراك أهل الصراع، بأن كل ما يفعلونه ان على المستوى الجيوسياسي أو على المستوى الجيوستراتيجي، هو لمصلحة أميركا، أن لم نقل لمصلحة "اسرائيل"، التي خلطت بين المنحى الماورائي والمنحى العسكري ـ القائم على التفوق المطلق ـ على ذلك النحو الاسبارطي، مع أن العقلاء فيها يحذرون من ذلك، كون الدولة العبرية لا تستمد قوتها العسكرية من امكاناتها الذاتية، وانما من الامدادات الأميركية على أنواعها.
هذه رؤوس "الحاخامات" التي رأى فيها الفيلسوف اليهودي الهولندي (1632 ـ 1677 ) رؤوس الأفاعي، بالتأويل الدموي للتوراة، وبالاستنزاف المروع لعظام الآخرين. دونالد ترامب الذي رأى في بنيامين نتنياهو ضالته كـ"صبي أميركي"، يفرش أمامه الطريق للاحتواء الأبدي للشرق الأوسط بجثث العرب، فوجئ به يحاول الانتقال من دور الأداة الى دور الشريك، بعدما كان أحد آباء الدولة ناحوم غولدمان، قد دعا لتحويل "اسرائيل" الى "فاتيكان يهودي"، لأنها لا تستطيع أن تراهن طويلاً على الرؤوس التي تشتعل فيها النيران.
لكن غولدمان، وهو رئيس سابق للوكالة اليهودية، وكذلك للمؤتمر اليهودي العالمي وأحد مؤسسيه، قال في أوراقه "لولا الرئيس وودرو ويلسون لما كان وعد بلفور"، ما حمل ناحوم بارنياع على تحذير أركان الائتلاف من احداث اي اهتزاز في العلاقات بين "اسرائيل" والولايات المتحدة، لأن ذلك يعني "النكبة الكبرى للشعب اليهودي".
اذا كان صحيحاً حصول اتصالات "عميقة" بين أنقرة وطهران، اضافة الى اتصالات لضبط الفصائل المرابطة على الحدود السورية مع لبنان والمعبأة للانقضاض على حزب الله، لا بد أن ينشأ وضع جديد في المنطقة، خصوصاً وأن هناك في واشنطن من يرى أن الدور التركي، قد يفوق بأهميته الدور الاسرائيلي في حماية المصالح الأميركية في المنطقة.
قطعاً لا يمكن الحديث عن صدام عسكري تركي ـ "اسرائيلي"، ما دامت الولايات المتحدة هي العرابة الاستراتيجية للدولتين، ومع اقتناع الصحافي التركي كمال أوزتورك، وهو مستشار سابق لأردوغان، بأن اي حرب ضد "اسرائيل" لا بد أن تكون خاسرة، ليس فقط لأن أميركا ـ بالمطلق ـ مع "اسرائيل"، ولكن بسبب "الترسانة النووية الاسرائيلية" التي تجعل الرهان على التوازن الاستراتيجي رهاناً ساذجاً.
التغيير برؤوس الاصابع يكفي، لا كما جرت العادة... الرقص على رؤوس الثعابين!!
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|