رشاوى "تحت الطاولة" في قصر عدل زحلة... فضيحة "مدوية" برسم المعنيين!
بري يقود الشيعة إلى "أفضل الممكن"
عندما قرّر «حزب الله»، وإيران مِن ورائه، أن يخوضا «حرب الإسناد» في خريف 2023، عملاً بـ»وحدة الساحات» (لبنان، سوريا الأسد، العراق، اليمن وغزة)، كانا عملياً يفاوضان إسرائيل. فالحرب في حدّ ذاتها هي تفاوضٌ بالنار. وفي الغالب، عندما تستهلك النار وقودها، تنطلق الرسائل الديبلوماسية وتبدأ المفاوضات في الغرف. وهذا ما جرى قبل عام، عندما نجح الوسطاء في وقف الحرب الكبرى، وإنتاج اتفاق الناقورة الذي أسس للمفاوضات الجارية اليوم، والتي تنزلق تدريجاً من المستوى العسكري المتدني والبدائي إلى المستوى المدني الرفيع والمعقّد.
قبل عامين، كان قرار الحرب في يد خامنئي في طهران، والأمين العام لـ«الحزب» السيد حسن نصرالله في لبنان، ولم يكن للرئيس نبيه بري وحركة «أمل» أي دور في الحرب. ولكن، بعد غياب نصرالله ونتيجة الضربات المريعة التي أصابت الواقع الشيعي في الحرب، كان بديهياً بروز دور بري كرجل إطفاء أو إنقاذ. ولطالما كان هناك تقاسم أدوار داخل «الثنائي الشيعي» في أزمنة الحرب والأزمات. فـ«الحزب» اختصاصه العسكر، وبري اختصاصه التفاوض. وجرت العادة أن يتمّ التنسيق بإحكام بين الجناحين، لضمان مصالحهما معاً. وكما أنّ لا دور عسكرياً ظهر خلال الحرب لحركة «أمل»، كذلك لا دور يظهر اليوم لـ«الحزب» في التفاوض. وينسق الجانبان الخطى في كل شيء.
لكن هذا لا ينفي حصول تحوّل مهمّ داخل هذه المعادلة في أيلول الفائت، عندما اغتيل نصرالله، ووافق «الحزب» مضطراً على اتفاق ينطوي على اختلال حاد لمصلحة إسرائيل، وعلى إنهاء تام لنشاط «الحزب» العسكري. فنتيجة لذلك، ولتولّي الشيخ نعيم قاسم قيادة «الحزب»، رجحت كفة بري بقوة داخل الثنائي، لسببين أساسيين: الأول هو أفول «المرحلة العسكرية»، ربما نهائياً، لمصلحة التفاوض السياسي. والثاني هو أنّ قاسم لم يملأ الفراغ الذي تركه نصرالله، أي لم يحقق التوازن الذي يجعله ندّاً في القيادة مع بري.
لذلك، تنامى دور بري تدريجاً على مدى العامين الأخيرين، كمرجعية للشيعة في لبنان، وبلغ ذروته قبل أسابيع، عندما أرسل يده اليمنى النائب علي حسن خليل إلى طهران، ليبلغ إلى مسؤوليها الكبار المخاطر المتنامية التي تحدق بالطائفة في لبنان. وقد سبقه المرجعية الشيعية في النجف آية الله علي السيستاني بتوجيه رسالة إلى خامنئي تحمل المضمون إياه: شيعة لبنان في خطر، فلا تحمّلوهم أكثر من قدرتهم على التحمّل.
يتردّد أنّ هناك تبايناً بين المسؤولين الإيرانيين في مقاربة هذه المسألة. فالبعض اقتنع بضرورة إتاحة الفرصة للطائفة في لبنان لكي تتدبر أمرها بما يمنع تعرضها للخطر المصيري، فيما يعتبر آخرون أنّ حماية الطائفة لا تكون بتقديم التنازلات التي لن تنتهي، بل بالإصرار على المواجهة. وفي الواقع، يواجه بري وقاسم اليوم تحدّياً صعباً: كيف يمكن إبداء ليونة تنتزع الذرائع من يد إسرائيل لشن حرب جديدة طاحنة، من دون أن نصل بالتنازل إلى مرحلة تقارب الاستسلام؟ فصحيح ما يقوله المتشددون في طهران عن أنّ إسرائيل كلما حصلت على تنازل تطالب بتنازل أكبر، حتى تحصل على كل شيء في النهاية. ولكن، صحيح أيضاً ما يقوله دعاة الديبلوماسية عن أنّ المعاندة في وجه إسرائيل ستمنحها الذريعة لشن حرب طاحنة تدمّر البيئة الشيعية كلها في لبنان، وهذا ما يسمح لها بفرض حال الاستسلام عليها.
ما يقوم به الرئيس بري اليوم هو محاولة التوفيق بين الخطين، فهو في الواقع يحاول استخدام الديبلوماسية لوقف خسارة الطائفة للمكتسبات العسكرية، أي سلاح «حزب الله»، والمكتسبات السياسية أي نفوذ الشيعة داخل الدولة. بل إنّه يحاول إعداد صفقة يرعاها الأميركيون والفرنسيون والعرب، تضمن للشيعة مكاسب في مستقبل لبنان، في السياسة والاقتصاد خصوصاً، أي في قانون الانتخاب وهيكلية المؤسسات والمرافق العامة والقطاعات الحيوية. وأما القوة العسكرية فيتمّ التخلّي عنها تماماً في جنوب الليطاني، ولكنها تبقى في وضعية «الاحتواء» في المناطق الأخرى، أي يبقى «وهج» السلاح حاضراً، لتكون له مفاعيله السياسية دائماً. وثمة من قرأ في توفير النصاب للجلسة التشريعية الأخيرة ضوءاً أخضر عربياً ودولياً لمصلحة بري، بهدف تشجيعه على المضي في الصفقة.
البعض يقول إنّ ما يهمّ إسرائيل فعلاً في المرحلة المقبلة هو إنهاء أي تهديد لها، الآن وبعد سنوات وسنوات. وهذا الأمر يمكن ضمانه بإخلاء السلاح من جنوب الليطاني أو الأولي، وبنزع السلاح الثقيل بكامله والمسيّرات من شمال الليطاني. ولا شيء يزعج إسرائيل إذا بقي لدى «حزب الله» في شمال الأولي سلاح من النوع الذي لا يشكّل خطراً عليها، داخل مخازن محدّدة مقفلة وخاضعة لإشراف الجيش اللبناني وربما عربي ودولي.
الواضح أنّ بري، المحنك في السياسة، يدير الشأن الشيعي في الاتجاه الواقعي. ولئلا تفلت التسويات من يده، ويتولّى إبرامها آخرون، يسارع إلى مد الخطوط في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية. ففي النهاية، إذا كان لا بدّ من صفقة لإنهاء الأزمة الحالية، فإنّ بري يعتبر أنّ من الأفضل له أن يرعى هذه الصفقة، ولو كانت مؤلمة، وأن يشرف على ولادتها من موقع قوة، وأن يحصل فيها «الثنائي» على أكبر مقدار من المكاسب، لأنّ تركها للآخرين قد يعني الخسارة الكاملة في العسكر كما في السياسة والاقتصاد والإدارة.
طوني عيسى- الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|