قبلان حذر من الانتقام السياسي وتفكيك الدولة: لبنان في مخاض خطير
هل تعيد "عين الصقر" إحياء "داعش" في لبنان؟
في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها خطوط الصراع المفتوح مع مسارات الحروب المؤجلة، جاءت عملية "عين الصقر" ضد "داعش"، وسط سوريا، لتعيد طرح الملف الامني من زاوية جديدة: هل نحن أمام ضربة استباقية للاجهاز على ما تبقى من قدرات التنظيم، أم أمام حلقة إضافية من الضغوط التي تدفع التنظيمات المتطرفة إلى تغيير الجغرافيا لا السلوك؟ سؤال يكتسب بعدًا مضاعفًا في الحالة اللبنانية، حيث لطالما شكّل لبنان ساحة تأثر مباشر بالتحولات الأمنية في سوريا، سواء في مراحل تمدد "داعش" أو انحساره.
من هنا لا يمكن مقاربة عملية "عين الصقر" كحدث عسكري معزول، اذ هي جزء من استراتيجية أميركية أوسع لإعادة ضبط المشهد الأمني في سوريا، تأمينا "لنظام الشرع"، ومنع إعادة تشكّل "داعش" كقوة عسكرية منظمة قادرة على تنفيذ عمليات نوعية ضد القوات الأميركية أو حلفائها. علما أن التجارب السابقة، أظهرت أن الضربات الجوية المكثفة، مهما بلغت دقتها، غالبًا ما تُنتج نتائج مزدوجة: إضعاف مراكز القيادة التقليدية من جهة، ودفع العناصر المتبقية نحو العمل اللامركزي والانتشار الأفقي - العنقودي من جهة أخرى، وهنا تحديدًا يكمن جوهر التهديد بالنسبة لدول الجوار، وفي مقدّمها لبنان، على ما يقول الخبراء الامنيون.
فلبنان، الذي يرزح أصلًا تحت أعباء اقتصادية واجتماعية خانقة، على وقع توترات أمنية وسياسية مزمنة، يجد نفسه مرة جديدة أمام تحدٍ أمني مركّب، فمن ناحية، يشكّل نجاح أي عملية دولية ضد "داعش" مصلحة لبنانية مباشرة، ومن ناحية أخرى، فإن الضغط العسكري المكثف على التنظيم في سوريا قد يدفعه إلى البحث عن "مساحات رخوة" لإعادة التموضع، مستفيدًا من هشاشة بعض المناطق الحدودية، وتشابك الجغرافيا، وتعقيدات الواقع اللبناني الداخلية، بحسب مصادر أمنية متابعة.
وتتابع المصادر ان الأخطر في المشهد الراهن أن العملية الأميركية تأتي في توقيت إقليمي شديد الحساسية لبنانيا، حيث تتداخل جبهات متعددة: تصعيد مستمر على الحدود الجنوبية، ضغوط سياسية داخلية، وارتباك إقليمي ناجم عن إعادة رسم أولويات القوى الدولية في الشرق الأوسط، وهي فرصة مناسبة جدا للتنظيم، لنقل ساحة الاشتباك إلى لبنان، وإعادة إثبات وجوده عبر "عمليات محدودة ولكن عالية التأثير"، سواء داخل سوريا أو خارجها .
عليه، والكلام للمصادر، لا يمكن مقاربة تأثير عملية "عين الصقر" على لبنان من زاوية أمنية ضيقة، بل ضمن إطار استراتيجي أوسع يأخذ في الاعتبار طبيعة تحرك "داعش"، وتاريخه في التكيف مع الضغوط، وخصوصية الساحة اللبنانية كبيئة حساسة لأي اختراق أمني، تحديدا في ظل مؤشرات إلى "تغييره لتكتيكاته"، وإعادة توجيه بوصلته نحو ساحات أقل تحصينًا، قد يكون لبنان أحدها، إن لم تُواكب هذه التطورات بإجراءات أمنية واستخبارية استباقية صارمة.
ووفقا للتقديرات الأمنية اللبنانية، المبنية على معطيات استخباراتية ومتابعات ميدانية دقيقة،لا يملك "داعش" في المرحلة الراهنة بنية تنظيمية متماسكة داخل الأراضي اللبنانية، ولا "ولاية" قائمة أو قيادة مركزية قادرة على التخطيط لعمليات واسعة النطاق، مستدركة، أنّ ذلك لا يعني انتفاء التهديد كليًا، بل ربما انتقاله إلى مستوى الخلايا الصغيرة، أو الذئاب المنفردة، أو محاولات الاستقطاب المحدودة عبر الانترنت، علما ان الفترة الاخيرة شهدت توقيف اكثر من خلية ارهابية نائمة، كانت في طور التحضير لتنفيذ عمليات ارهابية تستهدف مواقع حساسة، من جهة، وعودة وان "خجولة" لعمليات تجنيد افراد جدد عبر اكثر من طريقة.
كما تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار الواقع الداخلي اللبناني، من تفكك اجتماعي وضغوط معيشية حادة، باعتباره عاملًا قد يُستغل نظريًا في محاولات التجنيد أو الاحتضان، وإن كانت التجربة السابقة تشير إلى غياب بيئة حاضنة فعلية للفكر الداعشي داخل المجتمع اللبناني.
في الخلاصة، تتعامل المقاربة الأمنية اللبنانية مع ملف "داعش" بوصفه خطرًا قابلًا للاحتواء لا للإهمال، وملفًا يتطلّب يقظة دائمة لا حالة استنفار شاملة، في لمنع المفاجآت، من دون الانجرار إلى منطق التخويف، وتوازن بين ضرورات الأمن واستقرار الداخل، في بلد لم يعد يحتمل صدمات إضافية، لا أمنية ولا سياسية.
ميشال نصر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|