بيروت ودمشق: إدارة التباعد بدل الشراكة
لا يعني التحوّل الجاري في سوريا، تلقائيًا، إعادة إنتاج العلاقة القديمة مع لبنان، لكنه يفرض نمطًا جديدًا من الإدارة السياسية والأمنية يقوم على ضبط التباعد أكثر من بناء الشراكة. فدمشق، الخارجة من حرب طويلة، تعي أن أي انخراط عميق في الملف اللبناني قد يستنزفها في لحظة تحتاج فيها إلى تجميع الدولة لا تشتيتها.
سياسيًا، تميل سوريا الجديدة إلى مقاربة لبنان باعتباره مساحة غير مستقرة، لا يمكن الاستثمار فيها إلا ضمن حدود ضيقة. هذا يعني تفضيل التواصل الرسمي الهادئ على القنوات غير المعلنة، والابتعاد عن لعب دور المرجعية أو الوسيط بين القوى اللبنانية. غير أن هذا التوجّه يصطدم بحقيقة أن لبنان، بحكم تركيبته، لا يزال ينتج أزمات تتجاوز حدوده، مما يجعل تجاهله بالكامل خيارًا غير واقعي.
أمنيًا، تمثّل الحدود اللبنانية–السورية العقدة الأساسية. فدمشق تريد حدودًا مضبوطة تمنع تهريب السلاح والمسلحين، فيما يعجز لبنان عن فرض سيطرة كاملة بسبب تداخل السياسة بالأمن. هنا، تظهر مقاربة سورية قائمة على الفصل: عدم التدخل في الداخل اللبناني، مقابل مطالبة غير معلنة بأن لا يتحوّل لبنان منصة تهديد للاستقرار السوري.
في هذا الإطار، يبرز ملف سلاح حزب الله كعنصر توتر كامن. فسوريا لا تضع نفسها في موقع المواجهة مع هذا الملف، لكنها تنظر إليه من زاوية تأثيره على الاستقرار الإقليمي وعلى مسار إعادة الإعمار. أي تصعيد داخلي لبناني حول هذا الموضوع قد ينعكس سلبًا على العلاقة الثنائية، ليس
لأن دمشق تريد التدخل، بل لأنها لا تريد تحمّل كلفة انفجار جديد على حدودها.
المفارقة أن مستقبل العلاقة لا تحدّده دمشق وحدها، بل يتوقف إلى حد كبير على قدرة لبنان على إنتاج دولة قادرة على التفاوض، لا مجرد إدارة أزمات. فإذا بقي لبنان أسير الانقسام والعجز، ستُدار العلاقة بمنطق الحدّ الأدنى: أمن الحدود، وتبادل الضرورة. أما إذا نجح في إعادة بناء قراره السيادي، فقد تتحوّل العلاقة إلى صيغة تعاون واقعي، لا وصاية ولا قطيعة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|