تحميل خصومة باسيل وجعجع تطيير الحوار... والاستحقاق الرئاسي إلى مزيد من العبثية
يودّع اللبنانيون السنة الجارية بشريط طويل من المأساة السياسية والانهيارات المالية والمعيشية بعدما وصل الكثير منهم الى ما دون خط الفقر الى درجة التفتيش عن أطعمة في مستوعبات النفايات، وهم انفسهم شاركوا في انتخاب برلمان غير منتج ولم يكن على مستوى الطموحات.
وسيتوقف النواب في طريقهم الى ساحة النجمة وهم يشاهدون الصورة التي أعادت البلد سنوات الى الوراء ووقوع أهله في ازمات لم يعيشوها على هذا النحو. وليكتمل المشهد السوريالي لا تتفق الكتل النيابية على التئام طاولة حوار قد تساعد في إحداث خرق في عملية الانتخاب. ويقول لسان حال الرئيس نبيه بري بأن رفض أكبر كتلتين مسيحيتين "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية"، الى نواب "تغييريين" قرروا عدم المشاركة، ان هذا الامر لا يُدرج في خانة تسجيل هدف في شِباك رئيس المجلس، بل ان الخاسر الاول هم اللبنانيون الذين لم يتمكن ممثلوهم من انتخاب رئيس لبلد يتجه نحو مزيد من الانهيارات، والحبل على الجرّار في الاشهر المقبلة اذا ما تحقق كلام الديبلوماسي الاميركي السابق ديفيد هيل واستمر الفراغ في الرئاسة لسنوات.
واذا لم يلبِّ البعض دعوة بري والتعاطي بلغة الحوار والنقاش تحت قبة البرلمان بواسطة رؤساء الكتل، فما السبيل للخروج من هذا النفق؟ وفي المناسبة فان ما يشهده اللبنانيون بين رؤساء احزابهم وكتلهم لم يعرفوه حتى في ايام الحرب، على قول الوزير السابق البر منصور الذي تستوقفه هذه القطيعة بين الافرقاء. ويسأل عن "المجد العظيم" الذي يحققه أبطال تعطيل الحوار.
ويقود مشهد اليوم الى تدهور العلاقات بين الزعماء الحاليين مع دعوتهم الى الاطلاع على تجارب قامات نيابية وشعبية حقيقية رحلت وكانت تتلاقى وتتحاور رغم مساحة الخلافات في ما بينهم، من أمثال كميل شمعون وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وكامل الاسعد وصائب سلام وريمون اده وغيرهم من تلك القماشة التي بات من الصعب اليوم العثور على طينتها. ولم يقاطع هؤلاء جلسات الحوار والمناقشات آنذاك في المجلس او خارجه. ويعود بري الى ما قاله قبل اسبوع بانه كان ينتظر ردوداً ايجابية على دعوته لخوض الحوار بدل الاستمرار في هذا الستاتيكو من المراوحة. وسيكرر هذا الكلام على الارجح في جلسة الانتخاب العاشرة اليوم على اساس ان الحوار يبقى الدواء السياسي الأمثل في هذه المرحلة الخطرة بدل التأقلم مع سرطان الفراغ في الرئاسة الاولى. واذا كانت التعددية النيابية نعمة في البرلمانات الساهرة على مصالح مواطنيها، فانها في لبنان تتحول نقمة بعدم الاستفادة من روحيتها. وما يحصل عندنا هو تخدير الناخبين وتخويفهم من الآخر ولا مانع من استعمال اسلحة التعبئة والمذهبية عندما تدعو الحاجة حتى لو تطلّب الامر القفز فوق المواعيد الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومات.
ويتحدث منصور بحسرة هنا وهو يشاهد حال بلده بعد تجربة ستين سنة امضاها في التشريع النيابي والعمل الوزاري، ويسأل: "هل التفاهم على اسم رئيس اصبح يشكل كارثة او ضربا للحياة الديموقراطية؟ وهل يرتكب الرئيس بري جريمة في دعوته الى الحوار؟". ويدعو الجميع الى التعلم من دروس الأمس رافضاً الاستفاضة اكثر في معرض تقييمه لاداء العدد الاكبر من النواب الحاليين "ما عدا قلة منهم". ويكفيه ان يبقى في رحاب محطات تاريخ زملاء له من دورة 1972.
وبالنسبة الى مواقف الافرقاء من الدعوة الحوارية، فلكلّ أسبابه التي تؤيد هذا التوجه او تعارضه. واذا كان "حزب الله" والحزب التقدمي وجهات نيابية اخرى عند السنّة والمسيحيين، تؤيد مسعى بري، الا ان الخلافات المفتوحة بين النائب جبران باسيل والدكتور سمير جعجع تفضي الى رفض جلوسهما الى طاولة الحوار حيث لم يتحرر الثاني بعد أو يتخلص من آثار اتفاق معراب الى اليوم، ولو بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، مع الاشارة الى ان "القوات" لن تدخل في اي محاولة حوارية قد تؤدي الى الاتفاق على اسم المرشح سليمان فرنجية مع قبولها بتطبيق هذا المعطى اذا توافرت ضمانات وكان البحث يدور في اسم قائد الجيش العماد جوزف عون.
وتتزامن الدعوة الى الحوار مع التطلع الى موقفَي باسيل وجعجع اللذين لم تستطع بكركي جمعهما بعد مع الحديث عن قيام البطريرك بشارة الراعي بالتحضير لمثل هذه المحاولة الشهر المقبل اذا تمكن من تجاوز سلسلة من الالغام و"الفيتوات" المتبادلة. وما وفرته الكنيسة المارونية سابقاً من تأييد لقانون الانتخاب الساري الى تطبيق اللامركزية الادارية وغيرها من المشاريع، الا انها تبدو عاجزة عن جمع أكبر رأسين سياسيين في الطائفة. ويُعتقد ان جعجع لا يريد ان يحرق اصابعه بجلسات حوارية من غير المضمون ان تؤدي الى التفاهم على اسم ما دام كل فريق قد كشف أوراقه. ولذلك تدعو "القوات" التي رفضت دعوة الحوار الجميع للنزول الى المجلس وعدم المقاطعة او فرط نصاب جلسة الانتخاب وعدم السير في تعطيل واضح لموجب دستوري.
وفي انتظار حصول تطور ايجابي في الملف الرئاسي في السنة المقبلة، لا بد من التوقف عند الخصومة المفتوحة بين جعجع وباسيل وضرورة تفكيكها، او على الاقل وضعها جانبا بمساع من بكركي اولاً، إذ يقدر كل منهما من موقعه على تعطيل الاستحقاق الا اذا سقطت التسوية على رؤوس الجميع وجاءت بوجه ماروني وطُلب من النواب انتخابه وايصاله الى قصر بعبدا، وبغير ذلك ستطول فترة الشغور في أروقته ومكاتبه مع ذهاب البلد الى الجحيم الحقيقي.
"النهار"- رضوان عقيل
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|