إقتصاد

أموال "حقوق السحب الخاصّة": هكذا تُنفق وهذا ما تبقّى

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ تلقّي لبنان نصيبه من حقوق السحب الخاصّة التي وزّعها صندوق النقد الدولي، في شهر أيلول من العام الماضي، أي قبل نحو سنة وربع السنة، خيّم الغموض المطلق على هذه الأموال. لم يتضح لأحد وجهة الإنفاق المُخطط لها، ولا رصيدها الفعلي في أي شهر من الأشهر، ولا حتّى كيفيّة قيدها داخل ميزانيّة مصرف لبنان، الذي تم إيداعه هذا المبلغ بوصفه "مصرف الدولة". بل في واقع الأمر، كان هناك العديد من التحليلات التي تخشى أن يكون المصرف المركزي قد دمج هذه الأموال مع الاحتياطات المتبقية لديه، مقابل قيد "التزام" لمصلحة الدولة اللبنانيّة، يمكن سدادها لاحقًا بسعر صرف ما، من تلك الأسعار التي يختارها بشكل اعتباطي حاكم المصرف.

المتبقي نصف مليار
يوم أمس، تلقّى النوّاب نسخة عن كشف حساب كامل، صادر عن وزارة الماليّة، يوضح الرصيد الأساسي والرصيد المتبقي لهذه الأموال، مع وجهة إنفاق المبالغ التي خرجت من هذا الحساب منذ العام 2021. ما يُطمئن في هذا الكشف، رغم تأخّر الإفصاح عنه، هو أن وزارة الماليّة فتحت بالفعل حساباً مستقلاً وخاصاً لأموال حقوق السحب، بما يسمح بإنفاقها كدولارات طازجة، وبما يميّزها عن سائر الحسابات والعمليّات المتبادلة بين المصرف المركزي ووزارة الماليّة. وبدا واضحًا أن جميع النفقات المُشار إليها في الكشف ترتبط بدفعات مدولرة، جرى تسديدها بالعملة الصعبة، ما يُؤكّد أن أي من هذه الدولارات لم تُرد من المصرف المركزي للدولة بالليرة، وبسعر صرف ينتقص من قيمتها الفعليّة.

في خلاصة الكشف يمكن تأكيد التالي: الرصيد الذي تلقاه لبنان من صندوق النقد بلغ حدود 1,139,951,437 دولاراً أميركياً (1.14 مليار دولار)، أنفقت منه وزارة الماليّة حتّى اليوم 636,100,565 دولار أميركي (636.1 مليون دولار)، فيما تبقّى من هذه الأموال حتّى اليوم 503,850,872 دولار (أي قرابة النصف مليار دولار). وبدا واضحًا من الكشف أنّ وزراة الماليّة لم تبدأ بالإنفاق من هذا الحساب إلا في شهر نيسان الماضي، رغم الإعلان عن تخصيصها في منتصف شهر أيلول من العام السابق، ما يشير إلى أنّ الدولة اللبنانيّة لم تستكمل إجراءات تلقي المبلغ إلا بعد نحو ثمانية أشهر من الإعلان عن تخصيصه.

وجهات إنفاق المبلغ
فصّل كشف الحساب الذي وزّعته وزارة الماليّة الدفعات التي جرى تخصيصها لكل باب من أبواب الإنفاق، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

- دفعات لمؤسسة كهرباء لبنان: استحوذت على الحصّة الأكبر من الأموال التي جرى إنفاقها. إذ بلغت مخصصات المؤسسة من هذه الأموال نحو 221.59 مليون دولار، من دون أن يتبيّن إذا ما كانت هذه الأموال قد ذهبت لشراء الفيول أو تسديد مخصصات متعاقدين أو متعهّدين (كشركات تقديم الخدمات أو الصيانة والإشراف). مع الإشارة إلى أنّ المؤسسة ووزارة الطاقة لم تعلنا عن معايير شفافة وواضحة لأولويّات السداد بالنسبة لهذه الأطراف. بدأ تسديد هذه الدفعات في شهر حزيران واستمرّت حتّى تشرين الثاني (تسع دفعات)، منها دفعة تم الإشارة إليها كسداد قرض متوجّب على مؤسسة كهرباء لبنان.

- دفعات لاستيراد الدواء: تشمل هذه الدفعات الأموال التي تم استعمالها للاستمرار بدعم استيراد أدوية الأمراض المستعصية. بلغ حجم الدفعات مجتمعة نحو 190 مليون دولار، وتراوحت تواريخها بين نسيان الماضي وكانون الثاني الحالي.

- دفعات لاستيراد القمح: تشمل الأموال التي تم استعمالها للاستمرار بدعم استيراد القمح، حيث بلغت قيمتها 112 مليون دولار، تم إنفاقيها بين نيسان الماضي وكانون الثاني الحالي.

- تسديد قروض متوجبة على الدولة اللبنانيّة: بلغت قيمة هذه الأموال 95 مليون دولار، وشملت سداد قروض لمؤسسات دوليّة وإقليميّة مختلفة.

- تسديد قيمة اعتمادين من أجل إصدار جوازات سفر، بقيمة قاربت 13 مليون دولار (الدفعات مؤرّخة في شهر أيّار الماضي).

- عمولات تم سدادها لاستيفاء حقوق السحب الخاصّة، بقيمة بلغت 4 مليون دولار.

- عمولات قانونيّة استحقّت على وزارة العدل بقيمة 683 ألف دولار أميركي، من دون أن يوضح كشف الحساب سبب استحقاق العمولات أو طبيعة الخدمات التي استحقّت مقابل هذا المبلغ.

إنفاق عشوائي
حسم كشف الحساب إذًا السجال والتشكيك حول مصير هذه الأموال، فأكّد أنّ الأموال ما زالت تُنفق لمصلحة الدولة اللبنانيّة حصرًا، ولم يختلط مآلها بكتلة الخسائر الموجودة حاليًّا داخل مصرف لبنان. إلا أنّ الأكيد أيضًا هو أنّ إنفاق هذا المبلغ ما زال محكومًا بعشوائيّة مخيفة، نتيجة غياب تخطيط مالي متوازن يحدد أولويّات إنفاق الدولة اللبنانيّة في المرحلة الراهنة، وبما يتكامل مع أهدافها الاقتصاديّة وخطّة التعافي التي تعمل عليها. لا بل تكمن المفارقة في أن إنفاق المبالغ خلال العام الراهن لم يحتكم حتّى إلى موازنة متكاملة، ترصد الاعتمادات اللازمة لكل باب من أبواب الإنفاق.

أخيرًا، وبوتيرة الإنفاق هذه، من غير المتوقّع أن يكفي الرصيد المتبقي في هذا الحساب لأكثر من منتصف العام المقبل، ما سيحرم الدولة اللبنانيّة من السيولة الكافية للإنفاق على الحاجات الأكثر إلحاحًا. وحتّى ذلك الوقت، من المفترض أن تكون قد أنجزت الدولة –بالتفاهم مع مصرف لبنان- رؤية ما لتوحيد أسعار الصرف، بما يسمح لها بشراء العملة الصعبة من مصرف لبنان بحسب سعر الصرف الموحّد، ومن مردود الضرائب بعد تصحيح سعر الصرف المعتمد لاستيفائها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا